تطويرها.. نقطة انطلاق لتحديث القطاع
المخطط يستهدف الوصول إلى مليار دولار صادرات كمرحلة أولى
«شق الثعبان».. إحدى قلاع تصنيع وتصدير الرخام فى العالم.. عانت على مدار عقود طويلة من الإهمال والتهميش وغياب التطوير.. ورغم ذلك تصدر الرخام المصرى إلى 118 دولة.. هذه المنطقة التى تحظى بشهرة عالمية كبيرة تأسست مصانع الرخام والجرانيت بها فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.. إلا أنها نشأت عشوائية.. بلا مرافق أو خدمات أو طرق ممهدة.. وبلا تراخيص صناعية بمنطقة طرة المعادى شرق طريق الاوتوستراد بمدينة القاهرة بعمق 5 كم حتى حدود محمية وادى دجلة شرقاً.. وتتكون من 3 مناطق هى «كوتسيكا وبدر الليثى وشق الثعبان».
لأنها الأكبر على مستوى المناطق الصناعية فى الشرق الأوسط لإنتاج الرخام وتصنيعه وتصديره للخارج.. أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى تطوير المنطقة وتقنين أوضاع المصانع والعاملين بها وتوفير التأهيل والتدريب والتأمين لهم.. ونقل المنطقة من الاقتصاد العشوائى إلى الاقتصاد المنظم.. وتحويلها إلى مدينة صناعية عالمية متخصصة فى مجال الرخام والجرانيت من خلال رؤية متكاملة لتطوير وتنمية المنطقة وتوفير كافة الخدمات والدعم لأصحاب الورش والمصانع والمعارض.
وبمتابعة مباشرة من خلال مستشار رئاسة الجمهورية للتأكد من تنفيذ المحافظة والجهات المعنية للمخطط فى التوقيتات وبالمستوى الذى يحقق الهدف وهو تطوير صناعة الرخام والوصول إلى مليار دولار صادرات على الأقل فى المرحلة الأولى .
القيمة التقديرية للاستثمارات والتكاليف المتوقعة المتعلقة بخطة تطوير منطقة شق الثعبان نحو 3.6 مليار جنيه.. يتم تنفيذها على ثلاث مراحل تشمل تطوير وتحديث وتوفير الخدمات التجارية واللوجيستية للمنطقة.. واستكمال توصيل وتدعيم شبكات المرافق وإعادة رفع كفاءة الطرق الداخلية والخارجية لها.. إلى جانب تطوير ورفع كفاءة المبانى الخدمية بها.
مشروع تطوير «شق الثعبان» هو خطوة نحو تصحيح مسار هذه المنطقة والاستفادة من ثروات الدولة التى كانت تهدر بتصديرها كمادة خام .. حيث تستهدف الدولة من خلال تحويل منطقة شق الثعبان إلى مركز استراتيجى عالمى لتصنيع الرخام وتصديره إلى الخارج إلى الوصول بتلك الصادرات إلى مليار دولار كمرحلة أولي.
«الجمهورية» زارت منطقة شق الثعبان.. لترصد وتسجل ما تم إنجازه من خطة التطوير والتحديث.. وما يجرى تنفيذه على أرض الواقع من جهود تحويل المنطقة إلى قاعدة صناعية وتصديرية كبري.
بدأنا جولتنا كما نبدأها فى كل مرة نجرى فيها تحقيقاً صحفياً بالمنطقة.. من المدخل الرئيسى لـ «شق الثعبان» بطريق الأوتوستراد.. لكن هذه المرة سجلنا تغييراً من الوهلة الأولى فى بعض معالم المنطقة التى بدأت تلفظ عشوائيتها التى نشأت عليها منذ 30 عاماً.. خاصة مع قرب انتهاء المرحلة الأولى من خطة التطوير والتحديث.. وأبرز معالمها رصف مدخل المنطقة بطول حوالى كيلو متر.. بعد تنفيذ البنية التحتية وعمليات الترفيق من مد كابلات الكهرباء والصرف الصحي.. وهناك أعمال ترفيق جارية فى الطرق الفرعية.. فى الوقت التى توارت فيه الإشغالات التى كانت تميز شوارعها.
الملاحظة الجديرة بالتسجيل.. وجود سيولة مرورية غير معتادة وسهولة فى دخول وخروج السيارات التى كانت فى السابق من الأزمات والمعاناة اليومية لزوار المنطقة وتجارها وأصحاب الورش فيها بعد رفع كفاءة المنطقة.. الجديد أيضاً زراعة أشجار خضراء على جانبى الطريق ومعها أعمدة إنارة نشاهدها لأول مرة منذ آخر زيارة لنا منذ 4 سنوات.
وخلال الجولة نلمح مصانع وورش الرخام والجرانيت.. خلية عمل لا تهدأ.. وتوافداً ملحوظاً للزائرين لشراء مستلزماتهم من الرخام والجرانيت لضمان الجودة والسعر المناسب.
ووفقاً للإحصاءات والأرقام الرسمية تشتمل منطقة شق الثعبان على 2525 مصنعاً وورشة لتصنيع وتصدير الرخام منتشرة فى مساحة 1608 أفدنة ما يعادل 6.5 مليون متر مربع هى إجمالى مساحة المنطقة الصناعية.. يعمل بها ما يقرب من 45 ألف عامل من العمالة المباشرة.. ويقترب من مثل هذا العدد عمالة غير مباشرة.
تأهيل المنطقة
![«شق الثعبان» .. قلعة الرخام 33 IMG 20240611 WA0027](https://algomhuria.gomhuriaonline.com/wp-content/uploads/2024/06/IMG-20240611-WA0027-1024x572.jpg)
![«شق الثعبان» .. قلعة الرخام 34 IMG 20240611 WA0040](https://algomhuria.gomhuriaonline.com/wp-content/uploads/2024/06/IMG-20240611-WA0040-1024x530.jpg)
وتنفيذاً للتكليف الرئاسي.. نجد حضوراً قوياً من محافظة القاهرة تقوده المهندسة جيهان عبدالمنعم نائب المحافظ للمنطقة الجنوبية التى أكدت أن المنطقة تغيرت معالمها على مدى الفترة الماضية بعد أن وضعتها الدولة على أولوياتها لتحويلها لقلعة لتصنيع الرخام حيث تطلب ذلك تأهيل المنطقة.. وبالفعل قامت الأجهزة التنفيذية بمحافظة القاهرة بجهود كبيرة لرفع كفاءة شق الثعبان بالكامل وإحداث نقلة كبيرة بها بإنشاء بوابتين إحداهما أمامية والأخرى خلفية مع عمل لاند سكيب للمدخل الرئيسى للمنطقة.. وهناك تقدم كبير فى نسب التنفيذ لأعمال التطوير بالمرحلة الأولى خاصة فى إمدادات المياه والصرف الصحى والكهرباء والاتصالات وغيرها من أعمال رصف الطرق طبقاً للخطة الموضوعة والجداول الزمنية المحددة فضلاً عن عمليات التجميل وتنسيق الموقع.
ومنذ الإعلان الرئاسى عن تطوير شق الثعبان.. بدأت محافظة القاهرة فى تفعيل الإجراءات لحل مشكلات المنطقة ودعم صناعة الرخام والجرانيت واستقرار أحوال العمالة ودعم أصحاب المصانع والورش.. ولتحقيق ذلك قامت المحافظة بتوقيع بروتوكولى تعاون لإنشاء شركتين مساهمتين لتطوير وتعظيم القيمة المضافة للمشروعات القائمة.. وتحويل منطقة شق الثعبان إلى مدينة نموذجية لإنتاج وتصنيع الرخام والجرانيت.
وتشير جيهان إلى أن الإيرادات وفقاً للأرقام التى تؤكدها هيئة الاستثمار والمتحقق من ذلك 350 مليون دولار سنوياً وتستهدف الدولة وصولها إلى مليار دولار.. ولأن الأمر يحظى باهتمام الدولة وافقت اللجنة العليا لمشاركة القطاع الخاص وكذلك مجلس الوزراء على تخصيص 5 آلاف متر على الأوتوستراد لإقامة مركز لخدمة المستثمرين من 8 طوابق تم إعداد رسوماته ويطرح قريباً للتنفيذ على القطاع الخاص وسوف يشتمل على خدمات الشهر العقارى ومول وفندق مكون من دورين وقاعات للمؤتمرات وإدارات للتسويق.. كما تم الاتفاق مع البيئة على إقامة سياج شجرى حول المدينة يضم 4400 شجرة تم بالفعل زرع 400 منها.
اتخذت المحافظة منذ بدء التطوير الإجراءات اللازمة لدخول المصانع والورش بشق الثعبان إلى منظومة الاقتصاد الرسمى للدولة بتقنين أوضاعها.. وتؤكد المهندسة جيهان عبدالمنعم نائب المحافظ أن الأجهزة التنفيذية بالمحافظة قطعت شوطاً طويلاً فى إجراءات تقنين أوضاع العاملين وتذليل كافة المعوقات التى تواجه المستثمرين بالمنطقة لتحقيق الاستقرار.
التقطت المهندسة جيهان جادو رئيس حى طرة والمشرف على أعمال التطوير أطراف الحديث.. لتضيف أنه تم الاتفاق مع وزارة البيئة على إقامة سياج شجرى حول المنطقة يضم 4400 شجرة تمت زراعة 400 منها، مؤكدة أنه رغم المعوقات التى تواجهها أثناء الإشراف تقوم بالتنسيق مع جهات المرافق أثناء التنفيذ وذلك لعدم غلق المصانع لعدم الاضرار بالاستثمار.. كما يوجد بعض التعارضات من البروز أو الاشغالات أمام المصانع ولكن يتم التعامل معها تباعاً، مؤكدة أن عملية رصف الطرق ستجعل المنطقة معرضاً كبيراً بحيث تكون أول نقطة فى المنطقة كآخر نقطة بالنسبة للرواد والزوار والتجار.
مشروع عملاق
تفاصيل أخرى عن مشروع تنمية وتطوير شق الثعبان، يوضحها لنا السيد أباظة نائب رئيس غرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات، فيقول إن المرحلة الأولى من تطوير المنطقة أوشكت على الانتهاء، باستكمال أعمال الرصف والمرافق والخدمات، لتبدأ تسليم المرحلة الأولى كاملة خلال شهرين على الأكثر، وتقوم بتسلمها الهيئة الهندسية.
لم تتوقف عمليات التطوير لشق الثعبان عند مرحلة الترفيق وإعادة هيكلة البنية التحتية.. ولكنها كما يوضح السيد أباظة تمتد لتشمل إنشاء منطقة لوجيستية عبارة عن ساحة انتظار كبيرة على مساحة 250 ألف متر لانتظار السيارات النقل التى تحمل آحجار الرخام والجرانيت، مع افتتاح محطة وقود لتموين السيارات، لتنتهى أزمة تموين السيارات نهائياً.
من أهم مكونات مشروع تنمية المنطقة، إنشاء مصنع ضخم لتدوير المخلفات الصلبة الناتجة عن صناعات الرخام، بهدف تعظيم الاستفادة من هذه المخلفات فى صناعات أخري، مثل السيراميك والطوب.
إلى جانب هذا المشروع العملاق، يشير نائب رئيس غرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات إلى افتتاح أكبر وأحدث مركز لتكنولوجيا الرخام والجرانيت، يقوم بإصدار شهادات الجودة المعترف بها عالمياً، كما أنه يقوم أيضا بتحليل المواد الخام وجار حاليا إنشاء مركز تدريب على أحدث النظم العالمية لتدريب العمالة وتأهيلهم على أحدث الطرق فى التصنيع والتعامل مع المنتجات الصلبة.
تستعد المنطقة حاليا للبدء فى إنشاء ميناء جاف، حيث تم تخصيص 125 فداناً لإقامة الميناء عليها وتتولى وزارة النقل إنشاءه وتجهيزه على أحدث النظم العالمية.. ويؤكد السيد أباظة أن مستثمرى شق الثعبان هم من سيقومون ببناء الميناء على نفقتهم الشخصية، وذلك لخدمة التصدير.
وحول صادرات الرخام بلغة الأرقام، يقول إن التوجيهات الرئاسية بتحويل منطقة شق الثعبان لمنطقة عالمية صناعية لصناعة الرخام والجرانيت بعد تطويرها وتحديثها بهدف الوصول بالصادرات من الرخام والجرانيت إلى مليار دولار على الأقل فى المرحلة الأولي، بدلاً من 350 مليوناً حالياً.. فى ظل منافسة عالمية قوية وكبيرة فى هذا المجال، فحجم صادرات العالم من الرخام والجرانيت تتخطى 17 مليار دولار.. ومن غير المنصف اننا نملك أكبر منطقة صناعية فى هذا القطاع فى الشرق الأوسط ونصدر لـ 118 دولة بعائد منخفض إلى هذا الحد.. فى الوقت الذى تتصدر فيه تركيا قائمة الدول المصدرة للرخام بأكثر من ٢ مليار و100 مليون دولار سنوياً، وطموحاتنا أن تصل صادرات مصر إلى ٥ مليارات دولار بعد الانتهاء من مشروع تطوير المنطقة بالكامل بمراحلة الثلاث، موضحاً أنه سيتم تنظيم عدة معارض فى مصر خلال الفترة القادمة فى أسوان والأقصر وأيضا فى الخارج بعد المساندة والدعم من القيادة السياسية لصناعة الرخام والجرانيت.
من النسيان الى التطور
أصحاب الورش والمعارض فى شق الثعبان من جانبهم.. ابدوا سعادتهم كبيرة بخروج مدينتهم الصناعية من بؤرة الإهمال والنسيان إلى دائرة الاهتمام والتطوير.
محمد رشاد – صاحب أحد المعارض – يؤكد أن ما تم تنفيذه على أرض الواقع من تطوير ساهم بالفعل فى رفع كفاءة المكان وتحقيق سيولة مرورية لسيارات الزوار والتجار وأصحاب الخامات.. ولتشجيع التصدير يرى أنه لابد من رفع الأعباء بالنسبة للمحاجر من ضرائب وتعريفات الطرق «كارتة» مع توفير التسهيلات اللازمة لاستيراد المعدات الخاصة باستخراج أو صناعة الرخام المحلى خاصة أن المادة المستخدمة فى التقطيع «الألماظ» وأدوات التلميع يتم استيرادها من الخارج وبالتالى مرتبطة بأسعار الدولار الأمر الذى يجعل المنتج المصرى أغلى من المستورد بالرغم من جودته فمثلا تركيا والصين لديهم مستلزمات الصناعة مما يؤدى إلى إلغاء 30 ٪ من أعباء التصنيع المحلى والمستورد.. لذا نتمنى تذليل تلك المعوقات.
قالت الوزارة فى تقرير لها إن تطوير منطقة شق الثعبان يعد نقطة انطلاق لتطوير قطاع صناعة الرخام والجرانيت المصرية وجعلها قاعدة تصديرية للرخام والجرانيت للأسواق العالمية وذلك للوصول بصادرات القطاع إلى مليار دولار سنوياً.. بما يسهم فى تحويلها إلى مركز رئيسى استراتيجى لتصنيع الرخام على مستوى المنطقة والعالم.
وزارة الصناعة ممثلة فى الهيئة العامة للتنمية الصناعية قامت خلال الفترة الماضية بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية والخبراء فى دراسة وتفهم كافة المتطلبات والتحديات والفرص الموجودة بقطاع صناعة الرخام والجرانيت المصرية حيث تم صياغة مجموعة من المبادرات والتوجهات التى من شأنها المساهمة فى تنمية وتطوير منطقة شق الثعبان، وكذا زيادة صادرات الرخام والجرانيت وسيتم العمل خلال الفترة المقبلة على تنمية جهود الاستكشاف لأنواع وألوان جديدة من الرخام والجرانيت، وتطوير ورفع جاهزية المصانع، وكذا تحسين هيكل تكلفة الإنتاج والتصدير، وتنظيم نشاط التصدير وتصنيف المصدرين، بالإضافة إلى تعزيز التواجد بالأسواق ذات الطلب الأعلى والقيمة السوقية الأكبر مثل السوق الأمريكى والمنتجات ذات السعر المرتفع، وتعظيم العلامة التجارية «أحجار مصرية» فى السوق العالمية، وتشجيع صناعة إعادة تدوير هالك مصانع الرخام والجرانيت.