كانت شجرة الدر طوال فترة نزول الصليبيين إلى دمياط بقيادة لويس التاسع ومرض الملك الصالح بالمنصورة مرض الموت، تحرص على كتمان موت الملك الصالح، وتؤكد لرجال الدولة والقادة أن السلطان مريض لا سبيل إلى الوصول إليه.
وكانت فترة عصيبة استطاعت إخفاءها ثلاثة أشهر، ولكن شجرة الدر لم تفقد ثباتها لحظة واحدة، وحالفها التوفيق فاستطاعت أن تسهر على وحدة الدولة الإسلامية المملكة وأن تؤدى مهمتها الفادحة بنجاح منقطع النظير.
بعد هذا النصر الكبير على الفرنجة هدد توران شاه زوجة أبيه شجرة الدر وطالبها بأموال أبيه وذخائره، فغضب الأمراء وأكابر الدولة لتصرفاته وغضب المماليك البرية لمناوأته إياهم وكتبت شجرة الدر من القاهرة إلى زعماء المماليك البحرية تشكو أمرها وتطلب حمايتهم وشعر المماليك البحرية بما يضمره السلطان لهم من الكيد والغدر، فاتفقوا على قتله قبل أن يبطش بهم وسرعان ما قتل توران شاه ولم يطل حكمه أكثر من خمسة أسابيع.
بعد ذلك اتفق الزعماء والقادة على توليه شجرة الدر وأن تخرج التواقيع السلطانية باسمها، وأن يكون مقدم الجند الأمير عز الدين أيبك أحد زعماء البحرية، وأخذت البيعة للملكة الجديدة فى اليوم العاشر من صفر 648 هـ مايو 1250م وحمل البشرى إليه الأمير عز الدين أيبك فابتهجت لما وقع وبدأت عهدها الجديد كملكة لمصر الإسلامية.
قبضت شجرة الدر على زمام الأمور بحزم وكانت يومئذ فى نحو الأربعين من عمرها تفيض قوة وعزما، وتم إجلاء الفرنج فى عهدها من أرض مصر.
حينما خرجت الشام عن طاعتها تزوجت شجرة الدر وزيرها عز الدين أيبك وتنازلت له عن السلطة مكتفية بالسيطرة عليه، وقد طلب زوجته الأولى أم على من أجلها ولكن لما أراد أن يتزوج عليها أمرت مماليكها فقتلوه خنقاً بالحمام، فلما علم ابنه على أسلمها لأمه فأمرت جواريها أن يقتلنها بالقباقيب، والنعال حتى ماتت.
تقول الرواية: إنه فى يوم الجمعة من شهر ربيع الثانى نفذ المماليك المعزية إلى البرج الأحمر بأمر الملك المنصور وأمه، وقبضوا على شجرة الدر وحملوها إلى أم الملك المنصور لكى تتولى عقابها بنفسها.
وهنا يقول المقريزي: فضربها الجوارى «بالقباقيب» إلى أن ماتت فى يوم السبت، وألقوها من سور القلعة إلى الخندق وليس عليها سوى سراويل وقميص، فبقيت فى الخندق أياماً، وأخذ بعض أراذل العامة تكة سراويلها، ثم دفنت بعد أيام وحملت فى قفه بتربتها قرب المشهد النفيسي.
وكانت هذه المرأة العظيمة تتمتع فوق ذلك كله بخلال شخصية جليلة، فقد كانت بالرغم من جمالها وسحرها، سيدة متينة الخلق وافرة العفاف والصون تقية خيرة تعشق أعمال البر وتوقف عليها الكثير من مالها، وكانت الغيرة العنيفة هى أظهر ما فيها من ضعف المرأة، وهى التى أضلتها ودفعتها فى النهاية إلى الخاتمة المؤسفة لامرأة من أشهر النساء فى تاريخنا.ـ