تبرز أمامنا ملكة جميلة تعد من شهيرات الملكات فى الإسلام إنها الملكة شجرة الدر أم خليل الصالحية وتلقب بعصمة الدين وملكة مصر وأصلها من جوارى الملك الصالح نجم الدين أيوب اشتراها أيام أبيه وولدت له ابنه خليلا فأعتقها وتزوجها وذهبت معه إلى الشام أيام كان والياً عليها وكانت تدير الملك عند غيابه فى الغزوات وكان خطها يشبه خطه فكانت توقع توقيعه.. فمن كانت هذه المرأة التى سطعت غير بعيد فى بلاط مصر والتى قدر لها أن تتولى عرش مصر فيما بعد، وأن تغدو بتبوئها الملك مثلا فريدا فى صحف التاريخ الإسلامي؟
كانت شجرة الدر حسبما تصفها الرواية جارية تركية أو أرمنية أو رومية اشتراها الملك الصالح أيام اقامته بالمشرق، فهى لم تكن إلا واحدة من الجوارى اللاتى كانت تغص بهن قصور الخلفاء والسلاطين فى تلك العصور ولا نعرف عنهن شيئاً إلا حينما يسطع نجمهن فيغدون «أمهات ولد» ينجبن الخلفاء والسلاطين، وكانت شجرة الدر امرأة بديعة الخلال وافرة الجمال والسحر حسنة التثقيف، بارعة فى القراءة والكتابة، وتنوه الرواية فوق تلك بوفرة ذكائها ودهائها وحسن تصريفها للأمور وأذن فلم شجرة الدر غانية قصر فقط، ولكنها كانت فوق ذلك تتمتع بشخصية قوية.
وقد استطاعت غير بعيد أن تحرز بجلالها وقوة نفسها، مكانة ممتازة لدى سيدها، فكانت حظيته الأثيرة، وتوثقت مكانتها بمولد ولدها خليل، وبرزت الأمومة من بين صفاتها فعرفت بأم خليل وغلب عليها هذا اللقب حتى بعد وفاة ولدها، ولازمها طول حياتها، ولقبت به حين تولت العرش فعرفت بالملكة عصمة الدين أم خليل شجرة الدر.
فى أواخر الملك الصالح نزل الصليبيون فى أكثر من مائة ألف إلى دمياط فملكوها بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا وكان من أبطال الصليبيين، فرابط الملك الصالح بالمنصورة ومرض مرض الموت، فأرسلت زوجته السيدة أم خليل شجرة الدر إلى ولده توران شاه بالجزيرة تستدعيه، ومات الصالح فأخفت السيدة موته وأصدرت الأوامر بما يشبه توقيعه، وجمعت قواد الجيش وأرباب الدولة وزعمت أن السلطان يأمرهم بالبيعة لولده توران شاه ففعلوا.
ووقع الفرنج فى نفس الخطأ الذى وقعوا فيه فى عهد الملك الكامل فإنهم بدل أن يأتوا مصر من طريق صحراء سيناء مارين بالفرما شأن الفاتحين قبلهم، وأتوها عن طريق دمياط والمنصورة حيث تعترضهم الترع والخلجان، فزحفوا على المنصورة سنة 846 هـ– 1250 م وكادوا يملكونها، فحضر توران شاه وقت اشتباك الحرب، فقاتل الفرنجة ودارت عساكره حولهم فاستولى على أكثر مراكبهم وأخذتهم السيوف من كل جانب، وقتل فيهم نحو 30 ألف، وغرق كثيرا منهم فى النيل، وأسر منهم لويس التاسع وسجن فى دار ابن لقمان، ثم فدى نفسه وبقية أهله وعساكره بمبلغ كبير وخرج من دمياط.
وللحديث بقية