ندعو «المجتمع الدولى» للتحرك لوقف اطلاق النار فى غزة وإنهاء العدوان الإسرائيلى الوحشى على أهلها.
نناشد «المجتمع الدولى» التدخل لمنع اسرائيل من القيام بعملية اجتياح برى لرفح تجنباً لقتل المزيد من أبناء الشعب الفلسطينى فى القطاع.
نطالب «المجتمع الدولى» بتوفير الحماية الدولية للمسجد الأقصى والمقدسات المسيحية والاسلامية فى الضفة الغربية والسماح لأهل الضفة وزوارها الوصول إليها دون عوائق أو قيود.
نناشد «المجتمع الدولى» الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام ٧٦٩١ وعاصمتها القدس الشرقية فى إطار حل الدولتين ومرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة.
هذا قليل من كثير مما يتردد على ألسنة كل المشتغلين بالسياسة والدبلوماسية والمهمومين بالقضية الفلسطينية سواء فى عالمنا العربى أو خارجه وعلى مستوى لقاءات القمة الثنائية والجماعية وفى المنظمات الاقليمية والعالمية.
وقس على ذلك دعوات ومناشدات ومطالبات لنفس «المجتمع الدولى» للتحرك والتدخل لإنهاء الحرب فى السودان بين الجيش وميليشيات الدعم السريع وخروج المرتزقة الأجانب من ليبيا وحل تعقيدات الوضع فى سوريا والعراق واليمن، فضلاً عن المساهمة فى حل قضايا كشمير والنزاعات فى افريقيا إلى آخره.
ما هو أو من هو هذا «المجتمع الدولى» الذى يتوجه إليه الجميع بهذا الخطاب أو ذاك ونحمله مسئولية التحرك والتدخل والعمل الذى بدونه لن تحل مشاكلنا وقضايانا؟!
هل المقصود به «العالم» بكل شعوبه وحكوماته؟!
لكن.. كيف يتحرك العالم أو يتدخل إلا من خلال آليات تجمعه وتنظم حركته وتقنن مخرجاته؟!
إذن.. هل هو منظمة الأمم المتحدة باعتبارها تضم فى عضويتها كل دول العالم المستقلة والتى فاق تعدادها اليوم مائتى دولة؟!
لكن الأمم المتحدة تحوى عدة أجهزة رئيسية يتقدمها مجلس الأمن الذى يعتبره البعض «مجلس ادارة العالم» ثم الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تمثل قاعدة المنظمة وتضم كل دول العالم.
فهل نحن نقصد بمصطلح «المجتمع الدولى» مجلس الأمن الذى يكفى أن يستخدم أحد الأعضاء الخمسة الدائمين فيه حق «الفيتو» ضد أى مشروع قرار معروض عليه يرى فيه تعارضا مع مصلحة بلاده فيمنع صدوره حتى لو وافق عليه كل أعضاء المجلس الآخرين دائمين وغير دائمين وعددهم أربعة عشر عضوا؟!
ان حق الفيتو يوفر حصانة خاصة للأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن ولمصالحهم وهم أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا تمنع التعرض لهم بالإدانة أو بالعقاب أو حتى باللوم.. بل وتنسحب هذه الحصانة على حلفائهم.
الفيتو الأمريكى مثلا يحمى اسرائيل وتايوان وأوكرانيا بصفة خاصة.. والفيتو الصينى والروسى يحمى كوريا الشمالية وروسيا البيضاء وإيران.. وهكذا.
هذا يعرقل بالطبع حرية حركة أعلى سلطة فى الأمم المتحدة فى أى قضية تتعارض فيها المصالح بين «الخمسة الكبار» ويحول المجلس إلى «بطة عرجاء» كما يقولون.
فيما عدا ذلك يصدر المجلس عشرات، بل مئات القرارات لا ينفذ منها إلا القليل الذى يهتم المجلس بتحديد آليات تنفيذه أو جدول زمنى له أو عقوبات ضد الطرف الذى يمتنع عن تنفيذه.. أما بقية القرارات فإنها تظل مرهونة بإرادات الخمسة الكبار عند تنفيذها ومنها العديد من القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية ولبنان وغيرها.
هل يقصد – إذن – من يرددون مصطلح «المجتمع الدولى» الإشارة به إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبارها «المحفل العالمي» الذى يضم كل أعضاء الأمم المتحدة الذين هم كل دول العالم المستقلة وعددها مائتى دولة متساوية جميعا فى الحقوق والواجبات ولكل منها – بمن فيهم الخسمة الكبار فى مجلس الأمن صوت واحد دون تفرقة أو تمييز بين أكبر وأصغر دولة؟!
لكن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة.. قيمتها سياسية أدبية فقط كتعبير عن رأى أغلبية دول العالم وبالتالى ليس لها نفس قوة قرارات مجلس الأمن.
الأدهى من ذلك اننا نجد فى خطابات رؤساء الدول والحكومات أو ممثليهم ممن يحضرون اجتماعات الدورة العادية السنوية للجمعية فى شهر سبتمبر من كل عام تتضمن مناشدات ومطالبات لـ «المجتمع الدولي» بالتحرك أو التدخل أو اتخاذ إجراء فى هذه المشكلة أو تلك مما يهم بلادهم أو إقليمهم، بينما هم يقفون على منبر أكبر تجمع دولي!!
فهل «المجتمع الدولي» شيء آخر غير هذا وتلك؟!
أم ان الأمم المتحدة بمجلس أمنها وجمعيتها العامة وبقية أجهزتها الرئيسية هى المقصودة بمصطلح «المجتمع الدولى» وبذلك يكون من يخاطب «المجتمع الدولى» ويعول عليه فى تحرك حقيقى وجاد لوضع حد لمشكلات العالم ودوله وأقاليمه كمن «يؤذن فى مالطة»؟!
إن المفترض ان «المجتمع الدولى» ليس شبحا وليس شيئا هلاميا لا حدود له وان من يخاطبونه يعرفون فى قرارة أنفسهم من يقصدون ويدركون أيضاً حدود قدراته فى الفعل.
وهذا هو صلب المشكلة..
فالمجتمع الدولى هو نحن.. هو مجموع دول العالم.. وإذا كانت الأمم المتحدة هى التعبير العام عنه فإن لكل إقليم منظماته الخاصة به.. جامعة الدول العربية – الاتحاد الافريقى – الاتحاد الأوروبى – منظمة دول أمريكا الجنوبية – منظمة الآسيان.. منظمة التعاون الاسلامي، فضلا عن منظمات أخرى عابرة القارات ومحدودة العدد مثل مجموعة الدول الصناعية السبع ومجموعة العشرين ومجموعة بريكس.
والمفترض أن تكون كل منظمة منها قادرة على إدارة شئون اقليمها أو مجال حركتها بالفعل الذاتى أولا قبل الاعتماد على الآخرين أى على المجتمع الدولي.
وأن تكون قادرة على حماية أمن أعضائها من خلال أطر قانونية كاتفاقيات الدفاع المشترك الثنائية أو الجماعية وفض ما يطرأ من منازعات بين أعضائها بالطرق السلمية.
فى ظل النظام العالمى القائم المجتمع الدولى تتحكم فيه دولة واحدة وهى أمريكا ومعها تحالفها الغربى من خلال الحلف العسكرى الوحيد المتبقى من حقبة الحرب الباردة ومن خلال المؤسسات المالية الدولية.
وفى هذا النظام تضيع كل الدول التى لا تنتمى إلى هذه القيادة.
وإلى أن يتخلق نظام عالمى جديد متعدد الأطراف وعلى قاعدة من القانون الدولى والشرعية الدولية المهدرة، فإن البديل هو تقوية المنظمات الاقليمية وتفعيل اتفاقيات الأمن الثنائى والجماعى بين دولها بحيث تكون قادرة على إدارة شئون إقليمها بأكبر قدر من الفعالية الذاتية واتخاذ القرارات وليس الاكتفاء بمناشدة «المجتمع الدولي» لينوب عنها فى أداء وظيفتها الأساسية التى انشئت من أجلها.
ان انتقائية النظام العالمى القائم وازدواجية معاييره وضعف المنظمات الاقليمية ومحدودية فعاليتها خاصة فى ضمان أمن وسلامة أعضائها هو ما أوجد هذا الفراغ الذى تقدمت الجماعات المسلحة بمختلف أنواعها ومسمياتها لملئه وهو ما نشكو منه الآن فى كثير من الأقاليم على المستوى العالمى.
وما لم تكن الدول الأعضاء فى أى منظمة اقليمية قادرة على التوافق فيما بينها والاتحاد وتعزيز قوتها الجماعية بقوة كل منها والتحرك الفعال لحل مشكلاتها فلن تستطيع اجبار المجتمع الدولى على احترامها والمبادرة إلى العمل معها.