لم يكن استشهاد رئيس المكتب السياسى لحركة حماس يحيى السنوار، مجرد حلقة جديدة فى مسلسل صيد الرءوس الذى ينفذه الاحتلال الإسرائيلى ضد قيادات حماس وحزب الله اللبناني، لكنه بمثابة نقطة تحول فارقة فى مسار الحرب الدائرة فى غزة، وهو ما وضع الحرب أمام سيناريوهات جديدة لم تطرح من قبل، فالبعض اعتبره حدثا قد يغير واقعا مريرا يعيشه الالاف، والبعض الآخرلم يستبعد مواصلة القتال والمقاومة لحين إشعار آخر.
لمدة عام وأكثر لم يبذل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو جهدا حقيقيا من أجل انهاء الحرب، بل كان يتعمد صناعة العثرات امام وقف إطلاق النار، وكانت المراوغة هى الشكل الأوحد فى تعامل نتنياهو مع ملف المفاوضات، إلا أنه بعد اغتيال السنوار خرج نتنياهو بتصريحات قد تكون الأولى من نوعها حول إمكانية بداية النهاية للحرب.
كما أعلن نتنياهو عن عقد مشاورات جديدة مع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وعدد من الوزراء، من أجل بحث تداعيات اغتيال السنوار وإمكانية إحراز تقدم فى صفقة تبادل المحتجزين الإسرائيليين فى قطاع غزة، ولكن دون الإعلان عن خطة محددة أو خطوات واضحة من أجل تحقيق السلام.
بالتزامن مع تلويح نتنياهو بإمكانية نهاية الحرب فى غزة بعد عملية الاغتيال، أبدت الدول الداعمة للاحتلال ايضا ترحيبها بما وصفته بأنه لحظة استثنائية لانهاء الحرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قدم الرئيس الأمريكى جو بايدن، برقية تهنئة لنتنياهو بسبب التخلص من العقل المدبر لهجمات 7 أكتوبر التى هزت إسرائيل بالكامل.
أشار بايدن إلى أن هذا هو الوقت المناسب للتوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث يزعم ان مقتل السنوار أزال عقبة أساسية أمام التوصل إلى حل سلمى فى غزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين فى القطاع، غافلاً أو بمعنى أدق متغافلاً عن كل العقبات التى سبق وان وضعها الاحتلال أمام كل اتفاق لوقف إطلاق النار.
كما قال وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إن مقتل زعيم حركة حماس هو إنجاز كبير يوفر فرصة استثنائية لإنهاء هذه الحرب المروعة بين إسرائيل وحماس ، وعودة الإسرائيليين إلى منازلهم بأمان فى جنوب إسرائيل وتدفق المزيد من المساعدات الإنسانية للتخفيف من معاناة سكان غزة وبث روح الأمل للفلسطينيين.
فى نفس الوقت قال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إنه حان الوقت لوقف إطلاق نار يقود إلى فصل جديد فى الشرق الأوسط.
كما رحبت كل من ألمانيا و فرنسا واستراليا وغيرها من الدول الغربية باغتيال السنوار، معتبرين إياه المسئول الأول عن عدم انهاء الحرب وانه بالتخلص منه يمكن تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، ذلك بالرغم من أن دفة الحرب فى أيدى إسرائيل وهى المتحكم الأول والأخير فى التصعيد أوالتهدئة.
كل هذا كان يمثل السيناريو الأول الذى رسمته تصريحات نتنياهو الأخيرة والدول الداعمة له، وان كانت ما زالت مجرد تصريحات لا دليل على صدقها ولا قانون أو اتفاق يلزم بتنفيذها.
أما السيناريو الثانى فهو استمرار الحرب، واستكمال الاحتلال لجرائمه الوحشية فى قطاع غزة، حيث إنه ما إن أعلنت إسرائيل عن اغتيال السنوار حتى سارعت بالتأكيد بأنها تخطط لاغتيال شقيقه محمد السنوار ، وجميع القادة العسكريين للحركة، وهو ما يعد تصعيداً جديداً ينذر بتعميق الأزمة.
يصف الاحتلال شقيق السنوار بأنه أكثر دهاء ووحشية من يحيي، وقد شغل محمد السنوار منصب قائد لواء خان يونس فى كتائب القسام، كما أنه كان أحد خاطفى الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط. وأشارت التقارير إلى أن محمد السنوار، هو أحد مهندسى أنفاق غزة وأنه اضطلع بتنفيذ أكبر مشاريع بناء شبكة الأنفاق تحت الأرض.
هذا ما تردده معظم وسائل الإعلام الإسرائيلى منذ أمس، تبريرا لنية الاحتلال فى إراقة دماء المزيد من قادة حماس.
على العكس من مواقف كثير من دول العالم، اعتبرت إيران أن مقتل السنوار سيعزز روح المقاومة بهدف تحرير الأراضى المحتلة.
كما أشار حزب الله اللبنانى أمس إلى أنه يتجه إلى مستوى أعلى من التصعيد ضد الاحتلال الإسرائيلي، مستشهداً ان حماس فقدت فى مرة سابقة رئيسها إسماعيل هنية فى 31 يوليو الماضى واستطاعت ان تعيد ترتيب صفوفها من جديد وتواصل مقاومتها للعدو الإسرائيلي.
يتوقع الخبراء عدم تأثير اغتيال السنوار على الحركة ومبادئها، وانها ستواصل قتالها حتى خروج القوات الإسرائيلية من غزة.
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن دبلوماسيين قولهم إن وفاة زعيم حماس يحيى السنوار ضربة قوية للحركة لكنها لا تعنى انهيارها أو نهاية الحرب فى غزة.
كما نقلت الصحيفة عن دبلوماسى غربى قوله إن مقتل السنوار يمثل آخر مرحلة من القتال العسكرى النشط، والكرة الآن فى ملعب إسرائيل، مشيراً إلى أن الحرب غير المحددة ستكون مدمرة ليس فقط لغزة ولكن أيضاً لإسرائيل وخصوصا الرهائن.