أبناء سيناء قاموا بما عليهم لصالح هذا الوطن، وكانوا أول مَن سدد فاتورة الدم ليس دفاعًا عن سيناء فقط إنما عن الوطن.. ترابه المقدس وأهله الطيبين، وكان مقتضى الحال يستوجب حكى بطولات المصريين أبناء سيناء؛ ليس سردًا لمرثية هؤلاء الرجال والنساء والأطفال، بل لرد الفضل لأصحاب الفضل على كامل الوطن، هم مَن تقدموا طواعية عقب النكسة لمساعدة قواتنا المسلحة فى استعادة الأرض والكرامة ولو كلّفهم هذا السبيل الروح والدم، ولم يعلموا أن أحدًا سيذكرهم، ولم يقدموا على التضحية لمجد يسعون إليه، بل لمجد الوطن وأهله.. وهم الذين منحتهم أرض سيناء المقدسة نوعًا من قداسة البطولة، وكرم التضحية، وعفوية الفداء.
سالم الهرش… هذا البطل وزوجته السيدة كوكب هجرس إحدى بطلات المقاومة هى الأخرى وأخوها البطل متعب هجرس من أهم عيون أبطال سيناء للقوات المسلحة قبل أكتوبر 73 ويحكى عن البطل ابنه سعدى سالم على الهرش وحفيدته سلوى على سالم على الهرش.
هذا البطل البدوى أفشل مؤامرة كبيرة، سعى الإسرائيليون لتنفيذها، بعد عدوان 1967م، حينما أراد الإسرائيليون اقتطاع صحراء سيناء من مصر وبدأوا فى نسج خيوط المؤامرة، بأن تغلغلوا داخل نسيج القبائل البدوية فى سيناء، وظنوا وهم ينقلون الألبسة والطعام بالطائرات كهدايا لقبائل البدو أنهم نجحوا فى شراء ولائهم!
اختارتْ المخابراتُ الإسرائيلية منهم شيخًا، ظنوا أنه هو الرجل المناسب لتحقيق مؤامرتهم، كان هذا البدوى شيخًا بليغًا، قويًّا، ذا شخصية مؤثرة!
اكتشفَ البدوى بحاسته الوطنية المؤامرةَ الصهيونية، فاتصل بالمخابرات المصرية، وأبلغها بالأمر، طلبتْ منه المخابرات المصرية أن يواصل تعامله معهم، ليكتشفوا المؤامرة، أرسلت له مصر مساعدين من المخابرات المصرية فى زى بدوي، وكأنهم من أفراد القبيلة، يوجهونه، ويساعدونه، طلبت منه أن يصنع وليمة كبيرة للقبائل، ليثبت للإسرائيليين قدراته وكفاءته!
حدَّد وزير الجيش الإسرائيلي، موشيه دايان، موعدًا لتنفيذ بنود المؤامرة، مُستغلاً صدمة العرب واحباطهم بعد عدوان 1967 وانشغالهم بترميم خسائرهم، فحشد المصورين والإعلاميين من كل أنحاء العالم، ليشهدوا على تنفيذ المؤامرة، فى مضارب البدو فى سيناء، فى منطقة الحَسَنَة، فى وسط سيناء؛ حيث يسكن البطل البدوي، الشيخ سالم الهرش!! كانت المؤامرة تنصُّ على إعلان سيناء دولة مستقلة، تحت رعاية الأمم المتحدة، باجماع القبائل البدوية من أهل سيناء، لغرض فصلها عن مصر، اختار، دايان يوم 31-10-1968م موعدًا للإعلان عن ولادة هذا الكيان الجديد!
بدأت أحداث المؤتمر الصحفى العالمى لتغطية خبر سوف يتكلم العالم عنه أيامًا وأيامًا، وسيغير من خريطة الشرق الأوسط.. جلس موشيه دايان وإلى جواره الشيخ البطل البدوى سالم الهرش، وكان قد استعدَّ لهذا اليوم، صعد الشيخ سالم إلى المنصة، قال: «هل تثقون وتوافقون على ما سأقوله لكم؟!»، هزَّ موشيه دايان رأسه موافقًا، ابتسم بسمة انتصار، ظهرت واضحة على الرغم من العصابة فوق عينه اليُسري، نظر إلى الصحفيين والضيوف، يستحثهم على التصفيق والتقاط الصور، وبدأ البطل حديثه الخالد، وللتاريخ وللقادم من الأجيال هذا هو نص خطاب الشيخ سالم الهرش فى مؤتمرالحسنة: «سيناء أرض مصرية، وستبقى مصرية، ولا نرضى بديلاً عن مصر، وما أنتم إلا احتلال، ونرفض التدويل، وأمر سيناء فى يد مصر، سيناء مصرية مئة فى المئة، ولا نملك فيها شبرًا واحدًا يمكننا التفريط فيه، ومَن يريد الحديث عن سيناء يتكلم مع زعيم مصر جمال عبد الناصر».
واصل الشيخ سالم الهرش الخطاب قائلاً: «نحن المصريين، سكان سيناء نُقرُّ ونعترف بأن سيناء أرضٌ مصرية، لا مكان فيها للاحتلال الإسرائيلي، أنتم محتلون، نرفض تدويل سيناء، إن قرار سيناء حصرى فى يد المصريين، لن نفرط بها»!!
… تعالت الهتافات باسم مصر من الحضور من مشايخ القبائل وأسرهم وأبنائهم حيث كانت حناجرهم تدوى كما المدافع الهادرة تسمع القاصى والدانى بمصرية سيناء، وحاول دايان أن ينقذ ما يمكن إنقاذه وأمسك بالميكروفون وبأعلى صوت قال: «غير الموافق على رأى الشيخ سالم يرفع يده؟» وخابت دعوته –ثانية– وارتدَّت له عرجاء خاوية الوفاض، وانفض المؤتمر، وفشل المخطط الصهيوني، وسجل التاريخ للمصريين الدرس الذى لقنوه للصهاينة فى كيف يكون شرف الكلمة، وهكذا تكون قيم الانتماء، وتلك هى معانى الكرامة والعزة عند المصريين.
هاج غضب الصهاينة واعتقلوا يومها أكثر من 120 من البدو، وبدأ المحتلون الإسرائيليون يُنفذون مسلسلاً جديدًا ضد بدو سيناء، كانت الضحية الأولى هى قبيلة البياضية، قبيلة الشيخ سالم، هدموا بيوتهم، وشردوهم، وقتلوا كثيرين، وحاصروا القبائل!
لكن لم تتخلَّ مصر عن هذا البطل، فكلفت أبطالاً مصريين آخرين ظلوا يُلازمون الشيخ سالم الهرش وأسرته، وكان منهم البطل محمد اليماني، فمكنوه من الهرب، هو وأسرته إلى الأردن، ثم إلى القاهرة، وتم تكريم الشيخ سالم الهرش ومنحه وسام الشرف الأول المصري، وتوفى البطل عام 1980، وظلت مصر تحتفل بهذه الذكرى فى كل عام، يوم 31 أكتوب