نستكمل سرد ما بدأه هنرى كيسنجر رئيس الأمن القومى الأمريكى «فيما عرف ببداية الدبلوماسية الأمنية» وعند لقائه محمود رياض وزير خارجية مصر أثناء وجوده فى نيويورك أكتوبر 1969 دون علم وليام روجرز وزير خارجية أمريكا ـ طبقاً لشهادة سامى شرف فى كتابه ـ وبعلم من ريتشارد نيكسون فى بادرة تجنيب وزير خارجية أمريكا.. وطبقاً لكتاب «سنوات وايام مع جمال عبدالناصر» لمؤلفه سامى شرف فيقول: «ان هنرى كيسنجر عرض على محمود رياض مفاوضات بين مصر وإسرائيل دون علم العرب.. وهو الامر الذى رفضته الإدارة المصرية بشكل كامل واعتبرته غير مقبول للنقاش من الاساس».
وكان رد الفعل المصرى أن جاء فى خطاب جمال عبدالناصر فى عيد العمال مايو 1970 طلب محدد من مصر للولايات المتحدة وهو:» الضغط على إسرائيل للانسحاب من الاراضى العربية التى احتلتها.. أو التوقف عن تسليح إسرائيل .. والا تكون الولايات المتحدة شريكا فى احتلال الاراضى العربية باعتبارها داعما للعدوان الإسرائيلى منذ يونيه 1967»
جاء هذا الخطاب بمثابة جرس إنذار للولايات المتحدة فى تعديل سياستها مع العرب وبالاخص مع مصر باعتبارها الإدارة الحاكمة فعليا فى الاقليم العربى.. وعرضت الولايات المتحدة مبادرة وقف اطلاق النار «مبادرة روجرز» التى كانت تلبية لمساعى الدبلوماسية المصرية بعد الانتصارات العسكرية المتتالية فى معارك الاستنزاف.. وقبلت إسرائيل مبادرة وقف اطلاق النار.. وقبلت مصر المبادرة التى سعت اليها لتفعيل وقفة إستراتيجية تستطيع فيها استعادة الاوضاع العسكرية والتنسيق مع الجبهة السورية فى شن حرب لا تتأخر عن ربيع 1971 لاستعادة سيناء والجولان.. فقامت مصر بحرب الألف يوم ثم بالسلام وكلاهما بالتبادل لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الوطنية والقومية لمصر والعرب.
ومرت السنوات الثلاث وتسلح الجيش وتدرب وارتفعت معنوياته واشتدت رغبته فى استعادة الأرض بالحرب «من جديد» انتصر المصريون بالحرب فى استعادة عشرين كيلو متراً شرق القناة بما يوازى 15٪ من مساحة الأرض المحتلة.. وقبل الرئيس السادات مبادرة كل من الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة لوقف اطلاق النار بقرار مجلس الأمن 338 والذى تم تبنيه فى 22 أكتوبر 1973 وكان نص القرار كالتالى:
1- يدعو جميع الأطراف المشتركة فى القتال الدائر حالياً إلى وقف اطلاق النار بصورة كاملة.. وإنهاء جميع الأعمال العسكرية فوراً فى مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار.. وفى المواقع التى تحتلها الآن.
2- يدعو جميع الأطراف المعنية إلى البدء فوراً بعد وقف اطلاق النار.. بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (242) (1967) بجميع أجزائه.
3- يقرر أن تبدأ فور وقف اطلاق النار وخلاله.. مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط.
وعادت مصر إلى السلام بعد الحرب من اجل التركيز فى معركتى الدبلوماسية لاستعادة معظم الارض ثم المعركة القضائية والتوجه للتحكيم الدولى لاستعادة كامل الارض.
فكانت معركة الدبلوماسية وبعد الخطاب الأشهر للسادات يوم السادس عشر من أكتوبر 1973 «خطاب النصر» كان خطابه عندما أعلن السادات فى مجلس الشعب فى التاسع من نوفمبر 1977 رغبته على السفر إلى الكنيست الإسرائيلى ومناقشة السلام.. سلام المنتصر القائم على العدل.. ورحب مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل وارسل الدعوة الرسمية للرئاسة المصرية من خلال السفير الأمريكى بالقاهرة لتكون فى التاسع عشر من نوفمبر 1977 لكن رئيس الاركان الإسرائيلى – مردخاى غور.. وُلد عام 1930 فى القدس.. وفى سن المراهقة انضم إلى صفوف «الهاجاناه» وفى فترة ولايته (1974- 1978) عمل على إعادة تأهيل الجيش بعد حرب 1973ـ وهو من اعتبر هذا الإعلان للزيارة بمثابة تغطية على هجوم مصرى وشيك على إسرائيل .. كما جاء فى حديثه عن رد فعله عن تصريح السادات بالزيارة فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» فى الخامس عشر من نوفمبر .
.. . وربما الرجل كان لا يزال يعانى من هلع الخداع الإستراتيجى الذى خدع به المصريون الصهاينة والأمريكان والعالم(!).
ونستكمل فى القادم ان شاء الله الدبلوماسية المصرية وبناء الجيش المصرى.