هل الايرادات الأكبر فى شباك التذاكر تدل على نجاح الفيلم بالمقاييس الفنية؟.. ابدا وحياتك كم من الأفلام حققت من المال مالاً لم يخطر على قلب أى منتج أو موزع.. ومع ذلك ذهبت إلى دائرة النسيان.. وابسط مثال أين «اللمبي» وصاحبه كركر وأطاطا وعوكل إلى آخر هذا السلسال الذى رفع سعد إلى العلالى ثم هبط به إلى البدروم وكم من أفلام لم تحقق إيرادات فى بدايتها، لكنها استمرت وثبت أنها علامات فى تاريخ السينما وهل ايرادات العيد بعد أن تنقضى ايامه إشارة إلى قيمة الفيلم وأهميته؟! ابداً وحياتك لأن جمهور العيد أغلبه من الشباب الصغير ومعه الكبار يبحثون عن الفرفشة والهيصة وهذا حقهم؟..
فى العيد الماضى «الأضحى 2024» كنا أمام مجموعة من الأفلام هي.. اللعب مع العيال / ولاد رزق الجزء الثالث / عصابة الماكس/ وأخيراً أهل الكهف» وهذا هو مربط الفرس.. فقد كان من الظلم أن ينزل هذا الفيلم فى العيد لانه يحتاج إلى متفرج يريد أن يعرف ويفهم ويرى قطعة من التاريخ ورد ذكرها فى القرآن الكريم والإنجيل.
ولا أبالغ اذا قلت إن انتاج الفيلم فى حد ذاته بطولة تحسب لمنتجه محمد رشيدى ولكل من شارك فيه ونجحوا فى تجاوز الأزمات التى احاطت به على مدى أربع سنوات حتى خرج للنور..
والسينما المصرية امتنعت تماماً عن انتاج هذه النوعية من الأفلام منذ ما يزيد على 45 عاماً لأن الدراما التليفزيونية كانت أكثر اهتماماً.. وقدمت الكثير من المسلسلات الدينية والتاريخية ويجب أن نفرق بين النوعين.. فالعمل المرتبط بالقرآن الكريم أو السنة النبوية يصنف بأنه دينى وإن كان يعود إلى التاريخ والكاتب عليه أن يلتزم بالنص وإلا عليه البحث عن موضوع يتصرف فيه كما يريد وعلى راحته.
(من الفائز)
حقق أهل الكهف أقل الايرادات وسط أفلام العيد وهو من أهمها على الاطلاق.. والجمهور الذى يدفع ثمن التذكرة من حقه أن يتفرج على ما يناسب مزاجه وذوقه وما زغلل عينه من الدعاية لفيلم على حساب آخر.. وجاء (أولاد عم رزق) فى الصدارة لأنه الجزء الثالث من هذا العمل الخرافى الاسطورى الذى يحول البطولة من بلطجة فردية إلى شغل جماعى بمجموعة من الممثلين الشبان الظرفاء الذين تشعر بأنهم فى حالة بهجة لأن كبيرهم «عز» أخذهم تحت جناحه فضربوا وقتلوا وعملوا البدع بخفة دم.. ومحمد عادل إمام استمر يرتدى بنطلون وقميص الزعيم.. وكنا ننتظر مع مخرج كبير مثل شريف عرفه أن يقدم الفنان الشاب المحبوب فى شكل تانى لكن اللعبة اتضح انها تجارية تشابهت مع سبق للأب أن لعبه منذ سنوات.. وقفز بشريف إلى الصدارة رغم أن تجاربه التى سبقت اللعب مع الكبار تميزت فنياً ولكنها لم تجد القبول من الجمهور ورغم أن البطولة كانت لاسماء كبيرة يكفى أن فيها سعاد حسنى وأحمد ذكى والكورة وسحرها.
والفلوس مهمة حتى يمكن للمنتج الاستمرار ولا مصادرة على مزاج الناس.. لكن العبرة فى نهاية المطاف بإمكانية استمرار الفيلم بعد ذلك وأن يعيش فى ذاكرة السينما وحدث هذا مع فيلم «باب الحديد» وكاد الجمهور فى السينما أن يضرب مخرجه يوسف شاهين ومؤلفه عبدالحى أديب عندما علما بوجودهما فى الصالة لكن الفيلم أصبح من كلاسيكيات السينما المصرية والعربية.. وغيره ممن حصدوا الالاف أو الملايين طواها النسيان وأخذت حقها وخلصت لغاية كده.
مشكلة الكهف
لا يصح بأن يقال على الفيلم فى صدارته انه من الخيال.. وكلنا يعرف بأن القصة موجودة فى سورة تحمل اسم «الكهف».. وقد تضمنت عدة قصص اخرى بخلاف أصحاب الكهف منها صاحب الجنتين وذى القرنين وقصة النبى موسى عليه السلام مع العبد الصالح.. والفيلم مأخوذ عن مسرحية كتبها توفيق الحكيم عام 1933 وتناول قصة هؤلاء الفتية المؤمنة التى فرت بدينها من بطش الملك دقلديانوس الرومانى ولبثوا فى الكهف 309 سنوات بقدرة الله ثم قاموا وقد أصبحت الدنيا غير الدنيا.. والناس غير الناس وروعة القرآن الكريم الاهتمام بهذه القصة رغم انها لا تمس الدين الإسلامى مباشرة.. فقد دارت قبل البعثة النبوية بسنوات.
ومعالجة الشاعر أيمن بهجت قمر والسيناريو الذى كتبه أخذت ثلث الفيلم تقريباً أو اكثر فى معارك لتقديم الموضوع بأسلوب شيق والصفحة تحتم ذلك فليس معنى تقديم العمل الدينى أن يكون جافاً مباشراً.. وهو ما حاول بهجت مع المخرج عمرو عرفه الافلات منه.. لكن الموضوع الأصلى لم يأخذ نصيبه كما ينبغي.. وقد يقول قائل بان القصة بسيطة ولا تحتمل ولابد للكاتب أن يستعين بخياله لملء الفراغات.. لكن بشرط الا تطغى على الكتلة الاساسية وأن تكون المشاهد الاضافية خادمة للموضوع ولا تجور عليه.. مع كل التقدير والتحية لأماكن التصوير وبراعته والموسيقى والملابس والديكور والمونتاج والتمثيل.. وهنا تطل مشكلة اللغة المستخدمة فى الحوار فان لم تكن فصحى بالمعنى الكامل فعلى الأقل لغة تعطى الايحاء بالعصر الذى جرت فيه الاحداث وتدعم مصداقية الممثل أن تأخذنا إلى حوارى بوخارست وعبده موته.. وقد حاول بهجت فى مشاهد عديدة الامساك بهذا الخيط.. لأن اللغة ليست غاية ولكنها وسيلة.. وهذا هو المشى على الصراط فى كتابة الحوار فلا افراط ولا تفريط، وقيمة الفيلم انه يبعدنا عن هوجة الطاخ طيخ المنتشرة فى أغلب الاعمال بل ومتوفرة مجانا فى نشرات الاخبار حتى اصبح منظر الدم كأنه عصير فراولة نتابعة بأعصاب باردة وبليدة.. يعنى العملية مش ناقصة..
والاثارة والتشويق يمكن أن تتواجد فى قصة حب عادية وارجعوا معى إلى فيلم «تيتانك» وقد تحول إلى حدث عالمي، يتابعه المتفرج عشرات المرات ولا يكل ولا يمل فيه الحب والمفاجأة والصراع البشرى ثم الصراع مع غرق السفينة وهذا هو الفارق بين صناعة فيلم اعتماداً على تركيبة سابقة التجهيز وبين ابتكار خلطة سينمائية جديدة.
والشكر واجب للنجم الكبير خالد النبوى الذى يدهشنا باختياراته الفنية المتميزة.. والتى تليق بمقامه الفنى من راجعين ياهوى إلى رسالة الإمام ثم إلى امبراطورية ميم وأخيراً أهل الكهف شكراً محمد فراج / محمد ممدوح / غادة عادل / مصطفى فهمى / أحمد فؤاد سليم / أحمد عيد/ أحمد وفيق/ رشوان توفيق / جميل برسوم/ أحمد بدير / صبرى فواز/ ماهر اتاكو غلو «موسيقي» وائل درويش «تصوير» يوسف عادل «تصميم الأفيش» وشكرا لتصميم المعارك والخدع «محمد فودة».
الا يكفى أن أقول لك بان السينما المصرية منذ انطلقت فى الثلاثينيات حتى وقتنا هذا ورصيدها يتجاوز 7 آلاف فيلم إن لم يكن أكثر ليس لديها سوى أقل من 20 فيلماً دينياً.. بس خلاص!!