لقد أحاط الإسلام المال بسياجات متعددة من الحفظ فنهى عن أكل الحرام بكل صوره وأشكاله نهيًا قاطعًا لا لبس فيه، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضى الله عنهما) أن سيدنا سَعْد بْن أَبِى وَقَّاصٍ قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): يا سعد، أطب مطعمك، تكن مستجاب الدعوة، والذى نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه فلا يقبل منه عمل أربعين يومًا، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا، فالنار أولى به .
وقد كان بعض الصالحين يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع فى الشبهات وقـع فى الحرام كـالراعى يـرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمي، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن فى الجـسد مضغة، إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهى الـقـلب ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): إن رجالا يتخوضون فى مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ، ويقول
(صلى الله عليه وسلم): كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به .
فأكل الحرام قتل للنفس وإهلاك وتدمير لها فى الدنيا والآخرة، فهو فى الدنيا وبال على صاحبه فى صحته، و فى أولاده، وفى أمواله ، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى .
ولم يقف حفظ الإسلام للمال عند العقوبات الأخروية أو التحذير من عذاب الله وعقابه يوم القيامة، إنما شرع لحفظه حدودًا منها حد السرقة حيث يقول الحق سبحانه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، وحد الحرابة للمفسدين والعصابات المجرمة التى تتعرض للناس فتنهب أموالهم تحت تهديد السلاح، حيث يقول الحق سبحانه: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .
وشرع الإسلام الضمان عقوبة لإتلاف المال، وحثنا على الوفاء بالعقود والحقوق فقال سبحانه وتعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ، ويقول نبينا
(صلى الله عليه وسلم): َمن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله .
وبهذا كله كان المال إحدى الكليات التى أوجب الشارع الحفاظ عليها، وهى فيما نرى ست: الدين، والوطن، والنفس، والعقل، والمال، والعرض .