يعد سيدنا هارون هو أول رسول يعمل كمتحدث رسمي باسم سيدنا موسي عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام وهذا ما نبأنا به القرآن الكريم في قوله تعالي «وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أفصح مني لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ» وهذا دليل علي أهمية وعِظم الكلمة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، من هنا ولأجل هذا نجد الرئيس السيسي يركز علي أهمية الإعلام كأحد أهم أدوات بناء الوعي الجمعي للأمة، فالكُتّاب والصحفيون والمفكرون والمثقفون ونجوم الفضائيات والمؤثرون علي منصات التواصل المختلفة مدينون للكلمة وعليهم جميعا أداء ما عليهم من ديون أخلاقية للحفاظ علي قدسية الكلمة بين جنبات محراب الوعي، فما أعظم مهنتنا ومع عِظم مسئوليتنا تقف الكلمة حكما بين الحق والباطل، وفي هذا الزمان نجد الباطل يمرق بين الناس كما السهم من الرمية وهذه مسئولية إضافية مقدسة فلايجب ان نكتفي بقول الحق دون مواجهة ومجابهة الباطل وأهله.. فالعالم يتغير بسرعة مذهلة لا يتصورها عقل، التغيير عنيف وفي كل الاتجاهات وتفاصيله مزعجة ومعقدة إلي أبعد الحدود، الخبراء والعلماء والمراقبون لم يفشلوا في التنبؤ واستشراف المستقبل فحسب، بل فشلوا في تفسير اللحظة الراهنة ومايدور فيها فجلسوا علي الأرائك ينظرون.
فما أصعب هذا الزمان الذي يختلط فيه الحابل بالنابل ويصبح الحق فيها وجهة نظر وتتحول الثوابت إلي متغيرات وتطرد العملة الرديئة العملة الجيدة من الأسواق وتحاول الكلاب أن تتسيد الغابة وتتواري خجلاً كلمات الحق والعدل والمساواة في مواجهة بذاءات أهل الباطل، أصبح قول الحقيقة مرًا مرارة العلقم في الحلوق وبات الدفاع عن الحق تهمة قد تحيل حياتك إلي جحيم وقد يُزج بك إلي سجن نفسك داخل قلاع الصمت كما تحدثنا هنا بالأمس، ومع تسليمنا بأن إدراك الحق ومعرفة الحقيقة أمور غير مطلقة ويغلب علي معظمها طابع التغير وفقا لما يتوافر من معلومات وبيانات وحقائق قد تجعل المرء منا شديد الحذر فيما يؤمن به من أمور تدفعه للدفاع عنها بجسارة، نعيش فترات صعبة للغاية إعمال العقل فيها نوع من الجنون فلا يوجد ثابت أخلاقي يردع الكاذبين عن كذبهم ولا المزيفين عن زيفهم ولا المنافقين عن نفاقهم ولا العابثين عن عبثهم، لا يوجد كذلك حد أدني من الجهد يبذله أولئك الجالسون علي أرائك المثقفين والمفكرين وأولي النخبة حتي يخلقوا سياقًا عامًا من الثقافة والفكر الذي يرمم ذاكرة ووعي الامة، بيد أننا أمام معضلات كبري تحكمها خوارزميات شديدة التعقيد والتداخل في وقت لم يعد فيه الإعلام كما كان فيما مضي يسير علي قضبان كلاسيكية مصنوعة من فنون الخبر والمعلومة والتحليل والتعبئة والتوعية فحسب بل تحول إلي كونه أصبح سلاحا فتاكا وفي الخطوط الأمامية من المعارك الكبري، فالإعلام بفنونه وأدواته يمكن أن يحسم معركة دون إطلاق رصاصة واحدة.. فصرير الأقلام التي أقسم بها رب العزة في مطلع سورة القلم عندما قال جل في علاه «ن والقلم وما يسطرون» أراها أكثر إيلامًا من أزيز الطائرات وأصوات المدافع وطلقات الرصاص.