تكميلا.. أود قبل أن نستكمل حديثنا العلمي.. أن نؤكد على أمر قد أشرنا إليه من قبل.. وهو أننا لا نقص سيرة رسول.. «ولا نذكر بماض».. رغم أن ظاهر ذكرنا يشمل هذا وذاك.. إنما نحن بصدد محاولة.. «فهم وإدراك».. احكامات شديدة اللطف قد أحكمها رب العالمين.. على أرض مصرية ومن خلال مسيرة رسول.. «مصري».. ممن.. هادوا إلى الله من بنى إسرائيل.. وليس من ..»اليهود».. الذين كفروا منهم واتسموا بشدة العداوة.. «للذين آمنوا».. وقد تحالف معهم فى العداوة.. «الذين أشركوا».. وصاروا الآن تخطيط سياسى استراتيجى دولى ..نعم.. «مخطط خائن».. بلغت مؤثراته الفاسدة.. ديارنا الإسلامية والعربية والقومية.. وهى تستهدف ما تقام عليه قامتنا من.. «أرض».. وتفريغ ثرواتنا من.. «النشء».. وخاصة المصرى منه!!
والآن.. وبما سبق من..»إنذار وتحذير».. نعود لاستكمال حديثنا عن ..»موسي».. ولطيف احكامات رب العالمين التى تحيط بماهية.. «قدر رسوله موسي».. نعم ..فبينما كان موسى فى أشد الاحتياج للنجاة مما يعتصر نفسه من.. تناقض ازدواجية حضن ..»بيئته».. فإذا به على حين.. «غفلة».. قد صار.. «متهما بالقتل».. ومترقبا القصاص منه.. وعن ذلك يقول الحق تعالى ..»قال رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين . فأصبح فى المدينة خائفا يترقب».. (17/ القصص) ..وحينئذ.. علينا التفكر فيما هو آت..: (١) إقرار موسى بنعمة ربه عليه.. بنجاته من القتل وهو طفل.. «رضيع».. ثم نعمة ربه ..»الإسلامية».. عليه وعلى أهل بيته.. وكذا نعمة ربه عليه.. «علما وتعليما».. ببيت فرعون برعاية.. «زوجة فرعون المسلمة لله».. (2) توبة موسى ..»لربه».. ووعده بألا يكون مرة أخرى ظهيرا للمجرمين.. (3) إدراكه اليقينى عمليا.. بأن من شيعته ..»غواة ومجرمين».. وعليه الحذر الشديد من ذلك.. وتلك من احكامات رب العالمين بتهيئة.. ماهية موسى المستقبلية التى مازالت بعلم الغيب عن مدركات علمه.. (4) وصف حالة موسى النفسية.. «بالخوف والترقب».. وفقدان الأمل فى النجاة من.. «العقاب والقصاص»..
أما الأمر الذى يثير التساؤلات بل والتعجب وربما الاستنكار.. وخاصة فى إطار حال ماهية موسى سابقة الذكر فهو.. «استجابة موسى الفورية».. لاستصراخ من استنصره بالأمس.. نعم.. فرب العالمين يقول عن ذلك.. «فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذى عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين».. (19/ القصص).. وحينئذ.. علينا التوقف أمام عدة نقاط.. ولكن.. توقف بمحاولة استشعار.. «احكامات العزيز الحكيم».. من خلال أسباب ..»ربوبيته».. لتكميل تكاملية ماهية.. «موسى كرسول لبنى إسرائيل».. (1) كيف لمن استغفر ربه وتاب إليه ..»وتعهد بألا يكون نصيرا للمجرمين».. أن يندفع بالبطش قتلا مرة أخري.. وقد علم وتيقن أن من يستصرخه.. «غوى مبين من المجرمين».. (2) من عدل واعتدال الحق هو.. «التحلى بالحلم».. أو على الأقل بالقدر منه.. الذى يتيح استبيان.. «نبأ الأمر».. خاصة إن كان أحد طرفى الأمر .. «فاسق».. والغوى المبين هو فاسق.. (3) لا يجب إقرار واقع.. «العداء الجمعي».. بالشبهات وخاصة إن تأكدت أنها شبهات.. وأن نتائجها.. إزهاق أرواح بباطل الاقتتال.. «وليس حق قتال».. فماذا لو كل ذلك سينتسب لرسول برسالة حق.. (4) تساؤلات هامة جدا.. «لنا».. فيما نسعى إليه من محاولة استشعار أو استنتاج احكامات ربوبية رب موسى ورب العالمين.. فمن ذاك الذى احتسبه ظن موسي.. «عدوا لهما».. وكيف له أن يحدث موسى عما يريده.. «المصلحون».. وهو الأمر الذى أوقف بطش موسى عن قتله.. وهل سمات المصلحين كانت من مكنون.. «نعماء الله».. بفطرة موسى وقد طمستها سمات وصفات.. «يهود بنى إسرائيل».. التى تأخذ بالشبهات .. «وظن السوء».. ربما.. ولكن المؤكد هو أن ما قاله الرجل لموسى .. «هو ما قيد وأوقف بطش موسى».. وأنه من تدبير احكامات رب العالمين .. «أو هكذا أرى».. والعلم والحكم لله.. بل وذلك احتسبه.. «الموقف الثانى».. ولكن.. مازال موسى غارقا .. «فى تيه بحر خوفه وترقبه».
الموقف الثالث.. كأن بما حدث قد تخير موسى.. «نفسيا».. دون إدراك متعمد .. «أن يكون من الصالحين».. وراح ذاك الشعور.. «الخفى».. يضفى على نفس موسى بعضا من نسمات .. «الاطمئنان».. والرجاء بأن يجد.. «شاطئ».. لبحر خوفه وترقبه.. وعن شاطئ الأمان هذا.. يقول الغفور الرحيم.. «وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين.. فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين» .. (21/ القصص).. وحينئذ.. كان الصارخ بإلحاح على نفس.. «موسى».. هو النجاة من القتل الذى بات واقع.. «يطارده».. ولكن ..الأكثر إلحاحا فى ذات الوقت هو ..إلى أين يهرب وما هو.. «الملجأ»..
وإلى لقاء إن الله شاء