لم تتوقف مخططات تقسيم المنطقة، وما يحدث فى سوريا ولبنان وغزة يؤكد أن ما وضعه المستشرق والمؤرخ البريطانى برنارد لويس من مخطط تفكيك الوحدة العربية والإسلامية وتفتيت كل منها الى مجموعة من الدويلات العرقية، مازال مستمراً، ولم تتوقف عملية التنفيذ بل نلمسها بوضوح من تداعيات طوفان الأقصى والجرائم الإسرائيلية التى لا تتوقف ضد الفلسطينيين، وعندما يتم التوافق على وقف إطلاق النار فى لبنان تتحرك سريعا.
وفى هذه الفترة، يعود الحديث عن الشرق الاوسط»الجديد والتى أطلقها الرئيس الامريكى منذ العام 2002، ثم وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس فى الفترة من «2005/2009»، ووسط كل هذا، ولدت عبارة «الفوضى الخلاقة»، استنادا الى فرسانها الاربعة، وهي» النصر والحرب والمجاعة والموت»، ومع تطور فكرتها، أصبحت «الشعبوية والنزعة القومية والانعزالية والحمائية»، هى الأسس، من أجل الوصول إلى نهاية مخططات الشرق الاوسط، والتى سطر فلسفتها برنارد لويس، اعتمادا على الطائفية وصعود الاسلام الراديكالي.
وفى العام 2006، وبعد هجوم صهيونى على لبنان، أعلنت كونداليزا رايس أن الشرق الاوسط الجديد، سيولد من رحم هذه الحرب، وهذا يتفق مع الاستراتيجية الغربية تجاة العالم العربى والاسلامي، والتى تنطلق من ضرورة تقسيم العالم العربى والاسلامى إلى دويلات» أثنية ودينية» مختلفة، ليسهل التحكم فيه لأن عالم عربى مترابط وموحد، سيشكل ثقلا استراتيجيا واقتصاديا وعسكريا، ما يعوق الاطماع الاستعمارية ويقوض الدور الوظيفى لإسرائيل كقاعدة للمصالح الغربية، ولذا يجب ان يعيش الكيان الصهيونى فى اطار عالم عربى مقسم لدويلات» أثنية ودينية» لتعود المنطقة لما قبل الفتح الاسلامى .
و لأن استمرار الشرق الاوسط بصورتة الراهنة، مرفوض «غربيا وصهيونيا»، ولذا استخدموا مفاهيم «الديمقراطية وحقوق الانسان والمواطنة»، لتأليب الشعوب والتنازع فيما بينها، لتسقط الدول، والخطورة أن هذا سيأتى بنظم إرهابية مسلحة، ولكن يتم التحكم والسيطرة على زعماء هذه التنظيمات للحفاظ على المصالح الغربية والأمريكية وضمان توسع إسرائيل، وهذا من شأنه» أن يجزئ المجزأ ويقسم المقسم» .
«الجمهورية الأسبوعي»، طرح على عدد من خبراء العلوم السياسة والاستراتيجية، سؤالا يتضمن :» هل ما يحدث فى المنطقة يأخذنا إلى شرق أوسط جديد، وفق مصالح ومخططات الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب الاوروبي، وهل هذا سيؤدى الى إعادة رسم حدود منطقتنا بالدم بعد تفشى الفوضى والاقتتال الداخلي؟ .. وكانت اجاباتهم فى السطور التالية …. «
قلق فى سوريا
قال الدكتور احمد يوسف أحمد استاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة: « تحليل ما يحدث فى المنطقة وأخيرا فى سوريا، أن الوضع خطر لأن هناك نظام سقط ويستحق، ولكن المشكلة تكمن فى أن القوى التى قامت باسقاطة «مصنفة ارهابية» ومنفردة بالحكم، رغم اتساع طيف المعارضة، وفيه ما هو عسكري، وداخله فصائل متعددة، وما هو مدني» .
وأضاف، انه حتى الآن الكلام معسول والشعارات المرفوعة جيدة، ولكن الممارسة على الارض مختلفة، وإلى حين إشعار آخر، سوريا مقبلة على فترة من عدم الاستقرار، والتى قد تصل إلى حرب أهلية أو استعادة للوضع بعد 2011، والجانب الأخطر أن النموذج السورى من الممكن «لا قدر الله»، أن يمتد إلى دول عربية أخري، لأن ما حدث قد يشجع فصائل إرهابية متأسلمة على النشاط وبالذات فى الدول المتاخمة، وإسرائيل، كما نري، تحاول أن تؤسس وضع تشعر فيه بما تعتقد أنه يمكن أن يكون أمنا مطلقاً، وما تقوم به إسرائيل الآن فى سوريا، يعكس هذه العقلية أى تدمير سوريا عسكريا،وتدعى «احتمالية أن تقع الأسلحة فى يد متطرفين»، وهذا مبدأ خطير أن تدمر كل دولة القوى العسكرية لجيرانها تحسبا للخطر على أمنها، ويمكنها أن تكرره فى أكثر من دولة، بزعم حماية أمنها، وماذا لو تحدثنا عن تدمير مشروع نووى ايراني، وهذا ما يقود المنطقة إلى فترة من عدم الاستقرار والصراع، حتى لو دامت لها الامور فى المدى القصير.
وقال د.احمد يوسف، إن إسرائيل، اليوم فى وضع غير ما كانت علية منذ شهرين، وقد تحقق مكاسب تكتيكية كبيرة، ولكن افق المستقبل فى المنطقة محمل بالصراع وعدم الاستقرار، وما تواجهة سوريا هو عدم الاستقرار، ما يهدد كيان الدولة، وهذا ما خطط له برناردو لويس وهو يعود الان بقوة وما يحدث فى سوريا يؤكد ذلك.
وأضاف، أن الفصائل التى تحكم الآن لها سوابق فى حدوث حالات انفصالية، مثلما حدث فى السودان، والتى انفصل جنوبها فى ظل حكم يدعى أن مرجعيته اسلامية، وفى ظل انتهازية السياسة الامريكية، لا أحد يعلم ما اذا كانت ستتفاهم مع الحكام الجدد او تشجع الاكراد على الانفصال.
ويحذر د.احمد يوسف :» ما لم يتم مواجهة عربية حاسمة لهذه التصرفات، والمخططات فان الخطر سيطول الجميع، وليس بمعنى أن الكل سيسقط فى براثن المخطط الصهيونى الامريكي، بمعنى أن الكل معرض للخطر والتقسيم، وفق هذا المخطط وواجب التحسب له فى ظل أن النظام العربى وضعه لا يمكنه من المواجهة العسكرية، لأى خطط تريد به سوءاً، ولذا لابد من مواجهة دبلوماسية حازمة للمخطط الاسرائيلى المحمى امريكيا لان المواجهة العسكرية ليست الحل وإنما لابد من خطوات ومواقف سياسية واضحة وهذا ما تفعله مصر بحسم.
فكرة التقسيم
وقال، اللواء الدكتور سمير فرج المفكر الاستراتيجى :» هناك أفكار تتحدث عن التقسيم، وهى قديمة ويتجدد وتظهر مجدداً صحيح فى ظل الظروف الراهنة من المستبعد تطبيقها مبادئ التقسيم، بالفعل هى موجودة منذ فترة، ولكن تطبيقها على الأرض صعب، الان ولكنه ليس صعب مستقبلاً والسؤال فماذا سيكون الحال لو استقل الاكراد بدولة خاصه بهم، ستحدث كارثة ولن تسمح تركيا الحليف الرئيسى للحكام الجدد التى تدعمهم وتمدهم بالسلاح لنجاح مشروعهم «.
وأضاف :» حقيقى هناك اقليات فى سوريا ولكن النظام الجديد، سيحاول جاهدا الحفاظ على تماسك المجتمع والتعامل مع هذه الاقليات بلطف وازاله مخاوفهم حتى ينجح ويستتب حكمه، اما عن إسرائيل فهناك حكومة يمينية متطرفة، ومن يحكم الان فى سوريا هم جماعات مسلحة، تنتمى إلى الاسلام الراديكالي، ومن المتوقع نشوب صراع بينهم حين يتم تقسيم المغانم، وهذا يصب فى صالح اسرائيل بعد تحييدها، احدى دول الطوق، بجانب ذلك فاسرائيل استطاعت فى ايام معدودة، ان تحطم الجيش وتدمر الجيش العربى السورى واحتلالها لجبل الشيخ يتساوى فى خطورته، مع تدمير الجيش السورى لان المدافع الاسرائيلية فى هذه الحــاله تكـــون علـــى بعـــد 45 كيلو متراً فقط من العاصمة دمشق وتستطيع ان تنالها بسهولة».
وقال اللواء دكتور سمير فرج :» ما تسعى إليه اسرائيل، ليكتمل حلمها، أن تنجح فى ضم الضفة الغربية، خاصة ان الرئيس الامريكى ترامب وادارته، ليسوا من مؤيدى حل الدولتين، وإنما يريدون ا دولة واحدة يهودية خالصة، واخطر مشكلة تواجه الحكام الجدد الاصطدام بالفصائل المسلحة الأخرى التى لم تحصل على نصيبها من الكعكة .
أشار، إلى أنه منذ بداية القتال فى سوريا، كانت كل الجهود مركزة على الاستيلاء على دمشق وبعد نجاحهم فى ذلك من المتوقع ان تتحول العناصر المسلحة للتناحر فيما بينها ومن المتوقع ان تشهد الفترة القادمة قتالا شرسا بين هذه الفصائل .
قال، إن فكرة الشرق الاوسط الجديد لا تعدو ان تكون، افكارا تطرح وتردد من فترة الى اخري، ومنذ بداية العقد الاول من هذا القرن طرحت هذه الفكرة، ولكن لم يتحقق سوى تغيير بعض النظم والحكومات فى المنطقة، أما مسألة التقسيم لدول المنطقة، فيقف امامها اطماع وطموحات دول اقليمية، والاخطر هو تداعيات تغيير النظام فى سوريا الى اسلامى متطرف، وتغيير تركيبه الحلفاء ، وتم استبعاد ايران وروسيا ، وأخطر ما فى المسالة، أن احدى دول الطوق الكبرى خرجت من الطوق، وهذا يعنى تدمير ثلث القوات العسكريه لهذا الطوق وتزيد المخاوف بعد سماع تصريحات احمد الجولانى بانه ليس فى عداء مع اسرائيل، ولكن ما حدث هو امتداد لخطة تدمير الجيوش العربية، والذى بدأ بالعراق وتفكيك جيشه، والان سوريا ولم يتبق الا الجيش المصرى وحيدا فى المواجهة.
ركائز جديدة
قال، الدكتور طارق فهمى استاذ العلوم السياسية: «ما يحدث هو الموجة الثانية من مخطط اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية لاعادة هيكلة الشرق الاوسط، وفق مخطط كونداليزا والفوضى الخلاقة وبما يخدم مصالحهما، ومن الواضح من الحركة الإسرائيلية فى الجولان، ومن قبل فى جنوب لبنان تجاوز فكرة غزة، وما جرى فى 7 اكتوبر 2023
أضاف :» المخطط الحالى يقوم على عدة ركائز جديدة، أولها الاستثمار فى حالة الانقسام العربى وفى المشهد الفلسطينى الاسرائيلى والتعامل مع الخطوة الرئيسة المتعلقه بالتنظيمات الارهابية فى الشرق الاوسط، ومن الواجب الانتباه لعدة حقائق فى هذا السياق، حيث لا تزال اسرائيل مهددة من التنظيمات الارهابية، التى يعاد تدويرها، فجبهة تحرير الشام جبهة محظورة وعلى قوائم الارهاب، وبصرف النظر عما يجرى وبالتالى ما تقوم به اسرائيل محاوله لتحييد أى مخاطر على الامن القومى الاسرائيلي، لا تزال اسرائيل تتحسب من ردود الفعل من حزب الله العراقى واللبنانى والحوثيين .
وقال، الدكتور طارق فهمي، إن المعركه القادمة لإسرائيل بعد سوريا، ستكون العراق واليمن، وهذا هو الهدف القريب، وايران الهدف الأخطر البعيد، وهناك مخطط واضح من الان وربما يتم فى عهد الرئيس ترامب، وهو توسع مساحة اسرائيل والرؤية الأمريكيه الإسرائيلية تقـــول ان مســـاحة اسرائيــل بمقتضــى نــص القرار 181 لسنه 1947 والقاضى باعلان دولتين على الارض الدوله اليهودية والدولة العربية التى من المفترض ان تنشأ، لكن الدولة اليهودية الآن تعانى من ضيق المساحة فى محيط اقليمى ودولى معاد ، والنقطة الثانية تعتبر تغير شكل الشرق الاوسط ، والمقصود ليس تغييراً عسكريا وانما تغيير وإنشاء دول جديدة فى الإقليم، والخطورة .
أضاف:» مصر تتحرك، ولابد من تنسيق عربى مصري، والاجتماعات التى تمت فى الجامعة العربية والعقبة «مهمة ومفيدة»، ولكن نحتاج لموقف عربى موحد، وليس مواقف عربية متفرقة، وبما يحفظ للأمن القومى العربى والمصرى محدداته ومرتكزاته، ومصر قادرة على حمايه حدودها، وانما المشكلة فى الامن القومى العربي، لأن بديله سيكون أمن شرق اوسطى ملامحه استبدال المؤسسات العامة للعرب بمؤسسات شرق اوسطية وخلق كيانات جديدة فى الاقليم «كردية، درزية، علوية « إلى اخره، واستبدال مفهوم الامن القومى العربى ومعطياته الممثل فى الجامعة العربية ومؤسساتها ومنظماتها بجامعة شرق اوسطية وفوق شرق اوسطية على حساب الاتفاقات والمشروعات العربية لتسمح بتدخل الدول الاقليمية والاقليات التى ستمنح الحكم الذاتى ما قام به الدروز السوريون بالذهاب الى اسرائيل يفتح ملف الاقليات على مصراعيه، وبما يهدد الهوية العربية والانتماء العربى وما يحدث هو تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم.
قال استاذ العلوم السياسية :» تحصين مصر، يتطلب تحصين الجبهة الداخلية، من خلال احداث تماسك مجتمعى وشعبى خلف القيادة السياسية والدوله المصرية الوطنية والجيش المصرى لان البديل مخيف «.
القوى المتطرفة
قال، اللواء الدكتور محمد مجاهد الزيات استاذ العلوم الاستراتيجية: «ما يجرى فى المنطقة « الآن «، استكمال ما بدأ عام 2011 بمحاولة تغيير نظم الحكم بما يتوافق مع المصالح الامريكية واقتناعا بأن الإسلام السياسى يمكن أن يكون البديل الافضل للانظمة التى كانت موجودة، على اعتبار ان يكون حاجزا ضد القوى الاكثر تطرفا» .
أضاف :» عندما فشل هذا المخطط فى العديد من الدول، بقيت سوريا وتأجل ماكان يجب عام 2011 حتى عام 2024 وخلال الثلاثة عشر عاما تمكنت القوى الاسلامية المتطرفة من الحكم، وما جرى ليس بثورة بالمعنى الدقيق ولكنه مخطط اقليمى سلحت ودربت من اجله الفصائل واتفقت مع روسيا التى خذلت النظام السورى ولم تقدم له الدعم فسقط بسهولة «.
وقارن، اللواء الزيات، بين ما حدث فى سوريا، وما حدث فى طوفان الاقصى الذى أحدث زلزالا هز المنطقة باكملها، وكان له تداعيات كثيرة، وأنتهى بتدمير القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، والحديث» الآن»، عن كيف يمكن إدارة سبل الحياة وتوفير الاحتياجات الاساسية لمعيشة سكان غزة، اضافة الى مخطط الاستيلاء على أجزاء من الضفة الغربية وضمها ارتباطا، بما ذكرة الرئيس الامريكى القادم، من أن مساحة اسرائيل تحتاج لتوسعة، وبعدها تم تدمير القدرات العسكرية لحزب الله وتراجع دوره السياسى وضرب الوجود العسكرى الايرانى فى سوريا وكان حزب الله وقوات الحرس الثوري، هى من تقف فى نقاط التماس مع الفصائل العسكرية، وعندما انسحبت لم يعد لدى الجيش السورى قدرة على المواجهة، فسقط النظام واستولت الفصائل على السلطة، لتتعامل وجها لوجه مع الغرب وامريكا لرفعهم من قائمه الارهاب والتعامل معهم والاعتراف .