يشهد العالم هذه الأيام مشهداً تاريخياً مع إعلان فصائل المعارضة المسلحة بقيادة «هيئة تحرير الشام» سقوط نظام الرئيس السورى بشار الأسد بعد 24 عاماً من حكمه فقد جاء هذا التحول المفاجئ فى وقت حساس، حيث استولت الفصائل على العاصمة دمشق ومدن حلب وحماة وحمص بعد معركة سريعة استمرت 11 يوماً هذه الأحداث لا تمثل فقط نهاية حكم الأسد ولكنها تفتح أبواباً لمستقبل غير واضح قد يعيد تشكيل الشرق الأوسط بشكل جذري.
مع خروج الأسد من سدة الحكم يفتح السوريون آمالاً جديدة فى بداية مرحلة جديدة قد تفضى إلى تحقيق ما يصبو إليه وقد يكون هذا التغيير فرصة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس أكثر تعددية إنها لحظة استثنائية نأمل أن تكون دولة تسامح وديمقراطية تحترم التنوع الثقافى والدينى وتضمن حقوق جميع المواطنين، سواء كانوا عرباً، كرداً، مسيحيين، علويين أو أى طائفة أخري.
بعد هذه الحرب قد يكون بإمكان سوريا استعادة عافيتها تدريجياً، خاصة إذا تمت المحافظة على التنوع الثقافى والاجتماعى الذى طالما ميز هذه الأرض، فى ظل حكومة تشمل جميع مكوناتها وتعترف بحقوقهم.. ستكون هذه فرصة فريدة لوضع الأسس لدولة ذات سيادة، بعيداً عن الهيمنة الإقليمية والدولية التى كانت تفرض نفسها خلال حكم الأسد.
لكن مع هذه الآمال، تظل هناك أصوات كثيرة تحمل لوماً شديداً على فشل المجتمع الدولى فى التدخل الفعال لحماية المدنيين ومنع الكوارث التى حلت بسوريا خلال سنوات النزاع فبينما كانت القوى الكبرى تنشغل بتقسيمات نفوذها فى المنطقة كان الشعب السورى يدفع ثمناً باهظاً من أرواح أبنائه ومقدراته كثير من السوريين يشعرون بالخذلان من المجتمع الدولى الذى لم يقدم الدعم الكافى لهم بل وتراوحت مواقف الدول الكبرى بين التخاذل والصمت.
صحيح كانت هناك محاولات عديدة لوقف القتال وتقديم المساعدات الإنسانية، لكن هذه الجهود كانت غالباً غير كافية أو مشروطة بتوافقات سياسية فى وقت كان السوريون يحتاجون فيه إلى تدخل حاسم لإنهاء الصراع.
رغم أن رحيل الأسد قد يحمل أملاً فى مستقبل أفضل، إلا أن الواقع قد يكون أكثر تعقيداً مما يتصور الكثيرون بعد سقوط العديد من الأنظمة فى العالم العربي، تبين أن التغيير قد يفتح المجال لصراعات جديدة وأزمات مستمرة فالجماعات المسلحة التى تمكنت من السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا ليست متحدة فى أهدافها ولا تملك رؤية واضحة لبناء دولة قادرة على العيش بسلام بل إن الوضع قد يزداد سوءاً فى حال تواصلت الصراعات الداخلية بين الفصائل المختلفة أو بين القوى الإقليمية والدولية على خلفية مصالحها فى سوريا.
من جهة أخرى قد تواجه سوريا موجة جديدة من اللاجئين الذين سيحاولون الهروب من مناطق النزاع المستمر مما يزيد من أعباء الدول المجاورة إضافة إلى تزايد المخاوف من انتقال الإرهاب إلى مناطق جديدة فى الشرق الأوسط.
سيظل السؤال الأبرز هو: كيف ستكون سوريا بعد الأسد؟ هل ستتمكن من إعادة بناء نفسها كدولة موحدة وقوية أم أن الفوضى والصراعات ستستمر لسنوات أخري؟ الإجابة لا تكمن فى الأمانى فقط بل فى الإرادة الحقيقية لإيجاد حلول سلمية عادلة تتجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية وفى هذا السياق يتعين على السوريين بمختلف أطيافهم أن يتوحدوا لبناء دولة تعكس تنوعهم وتاريخهم الحضارى دولة تضمن الحقوق لأهلها جميعاً ولا تهمش أحداً.
لا شك أن الطريق سيكون طويلاً وصعباً لكن الاتحاد والحفاظ على الدولة الوطنية سيكون الخطوة الأولى نحو سوريا جديدة سوريا للمستقبل التى يجب أن تكون مرآة لعراقة تاريخها وثراء ثقافتها وتستعيد مكانتها كمركز حضارى فى العالم العربي.