فجأة وقفت سيارة «دوبل كابينة» أمام مخبز بلدى يبيع الخبز المدعم بعشرة قروش وقفز منها أربعة اشخاص وهرعوا إلى داخل المخبز وسط دهشة المواطنين.. فى نفس التوقيت الذى قال فيه البائع بصوت خافت «العيش بخمسة قروش» لو حد سألكم. لحظات وفهم الكل ما يحدث.. السيارة من ادارة قطاع تموين جنوب القاهرة جاءت عقب تلقيها مجموعة من الشكاوى بأن الخبز المدعم يباع بأزيد من السعر المحدد وان وزنه غير مطابق للمواصفات وان هناك سوء معاملة للجمهور من البائع.
المهم حاول «فريم» رئيس قطاع تموين جنوب القاهرة اقناع المواطنين وتأكيد الشكاوي.. ولا مجيب.. الكل لايريد الدخول فى مشاكل مع أصحاب الفرن أو الدخول معهم فى إشكاليات. ترجل الرجل وفريقه بضع خطوات قبل ان يتحدث مع احد المواطنين ويحاول ان يقنعه بتقديم شكوى او تأكيد ان سعر الخبز عشرة قروش.. والذى رفض بعدما قدم له صاحب المخبز ضعف الكمية التى كان ينتظر استلامها من الخبز.
تقدم رئيس قطاع التموين من سيدة كانت تشاهد ما يحدث وقال لها نحن حضرنا استجابة لشكواكم ويجب ان تتعاونوا معنا ونوقف التجاوز ونحاسب المخطئ ولماذا هذه السلبية والصمت..ابتسمت السيدة وانصرفت فى هدوء.
وقف فريق التموين يتحدث بصوت خافت.. ماذا نفعل بالناس نزلنا لهم والآن الكل لا يريد الدفاع عن حقه والمشاركة فى منع الفساد. ساد الصمت بعض الوقت حتى وصلت سيارة التموين التابعة للمخبز ودار حديث انتهى بتحرير مخالفات متعددة للمخبز.. القضية وان كانت بسيطة فى نظر البعض الا انها تحمل العديد من المعانى والرسائل الإيجابية..منها سرعة استجابة ادارة التموين لشكوى المواطنين وعدم معرفة المخبز بقدوم الحملة وإصرارها على تحرير المحاضر الازمة رغم الاتصالات التى انهمرت عليها.
أما الرسائل السلبية فحدث ولا حرج تبدأ من سلبية المواطنيين وعدم دعمهم لحملة التموين وتنتهى بهجوم العشرات لاستغلال الحدث والحصول على الخبز «أبو عشرة بخمسة».
الأحداث السابقة تمثل حقيقة مؤلمة وتكشف خبايا جزء كبير من المجتمع.. هذا الأمر دفعنى ان انقل ما يقوله العلماء حول السلبية والايجابية.. السلبية هى أخطر آفة يصاب بها فرد أو مجتمع، بينما الإيجابية هى أهم وسيلة لنهضة أى أمة؛ فمن الحقائق المسلِّم بها أن نهضة الأمم تقوم على أفراد إيجابيين مميزين بالأفكار الطموحة والإرادة الكبيرة، كما أنها نجاة من هلاك الأمم والشعوب «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَي، بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» «هود:117» ولم يقل صالحون إنما قال مصلحون، وهناك فارق بين صالح ومصلح فالصالح صلاحه بينه وبين ربه، أما المصلح فإنه يقوم بإصلاح نفسه ودعوة غيره. والشخص الإيجابى لا تنضب أفكاره والسلبى لا تنضب أعذاره كذلك الإيجابى يرى فى العمل والجد أملاً والسلبى يرى فى العمل ألما. و الإيجابى يصنع الأحداث والسلبى تصنعه الأحداث، والإيجابى ينظر للمستقبل والسلبى يخاف المستقبل، كما ان الإيجابى يزيد فى هذه الدنيا أما السلبى فهو زائد عليها.