ساعات قليلة وتَهِّل علينا ذكرى ميلاد المسيح عيسى بن مريم الوجيه فى الدنيا والآخرة بشارة الله تعالى إلى مريم البتول وكلمته وروح منه، وزاده فضلا أن منحه البشارة بخير خلق الله تعالى سيدنا محمدا– صلى الله عليه وسلم– علماء الدين أكدوا أن الإسلام أعظم من احتفى بميلاد المسيح، متناولين مدى احتفاء القرآن الكريم والسنة النبوية بميلاد ومسيرة المسيح عليه السلام وحياة مريم البتول.
أشار د.غانم السعيد العميد السابق لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر إلى أن الإسلام كَرَّم سيدنا عيسى أفضل تكريم حيث أخذ نبى الله عيسى وأمه مساحة واسعة من حديث القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فقد جاءت سورة المائدة حاملة اسم المائدة التى طلبها عيسى من ربه لقومه لتكون عيدا لأولهم وأخرهم، واختص الله تعالى السيدة مريم البتول بسورة كاملة فى كتاب الله تعالي، بل إن الله جعل لآل عمران سورة كاملة.
مضيفا أن القرآن الكريم أخبرنا أن اتباع المسيح أقرب الناس مودة إلى المسلمين، كما أخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه أحق الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، وأعلن- صلى الله عليه وسلم- سماحة الإسلام ووسطية أحكامه حين قال: الأنبياء إخوة أمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بينى وبين عيسى بن مريم نبي» وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشبه بعض صحابته فى وفائهم وصدقهم وزهدهم بنبى الله عيسي- عليه السلام-، فيقول- صلى الله عليه وسلم-: «ما أَظَلَّتِ الخضراءُ، ولا أقَلَّتِ الغَبْراءُ من ذى لهجَةٍ أصدقَ ولا أوْفى من أبى ذَرٍّ؛ شَبَه عيسى ابنِ مريمَ» وقال: «أبو ذر يمشى فى الأرض بزهد عيسى بن مريم»، كما أجاز القرآن طعام أهل الكتاب وأباح مصاهرتهم وجعل من لوازم الزواج المودة والرحمة والسكن مؤكدا ان دين الإسلام دين سماحة وبساطة يسمح للمسلم بالانفتاح على الآخر والتواصل معه على كل المستويات من أكل الطعام والشراب والزواج والبر والقسط والإحسان وإكرام الجار منهم وتهنئتهم فى أعيادهم والإهداء لهم ومبادلتهم التحية والمعايشة معهم بالحسنى واحترام دينهم والحفاظ على كنائسهم وعدم المساس بها.
أوضح د.السيد عبدالرءوف أستاذ تفسير القرآن وعلومه بكلية أصول الدين جامعة الأزهر أن الله تعالى بَشَّر بميلاد عيسى الوجيه فى الدنيا والآخرة والمُقَّرب إلى ربه، واختار له اسمه، كما اختار ليحى اسمه، واختار للحبيب اسمه، وهذا الاختيار الإلهى لاسم عيسى حتى يكون اسمه مشهودا فى الدنيا يعرفه المؤمنون، وطَّهَر مريم أبنة عمران من الأخلاق الرذيلة واختصها دون نساء العالمين بأن تلد بدون زوج، واختص وليدها أن يُكَّلِم الناس فى المهد، وحفظه من مَسِّ الشيطان، فقد سمع أبو هريرة- رضى الله عنه- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما من مولود إلا يَمَّسُهُ الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مَسِّ الشيطان غير مريم وابنها» ثم تلا أبو هريرة قول الله تعالي: «وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، وشَرَفَّ الله تعالى المسيح بالعبودية وآتاه الإنجيل وأدخله فى زمرة أولى العزم من الرسل ، ومنحه البركة أينما كان، وأوصاه الله تعالى بالصلاة وبالزكاة طيلة حياته، ورزقه البِرَّ بأمه مريم البتول، ولم يجعله جَبَّاَرا، وزاده رفعة حينما أفاض الله عليه بالسلام يوم مولده ويوم موته ويوم يقوم الناس لرب العالمين.
فيما أشار د.فادى الرفاعى أستاذ التفسير وعلوم القران بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة أن الله تعالى اختص عيسى بالبشارة برسول الله عليه وتلك أعظم الميزات التى يمكن أن يوصف بها المسيح عليه السلام، فقد سبقه كثير من الأنبياء والرسل لكن الله تعالى لم يمنح تلك الميزة لأحد غيره، وهذا الاختصاص لعيسى دون غيره يكشف مدى الربط والمودة بين الإسلام والمسيحية، وهذا ما أظهره القرآن الكريم فى بيانه أن أقرب الناس للمسلمين مودة أتباع المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، حيث تشترك المسيحية مع الإسلام فى رابط السلام والدعوة إلى نشر السلام واللين والتسامح فقد أخبر الله تعالى عن المسيح بأنه سلام فى الدنيا والآخرة، وجعل اسم نبيه محمدا- صلى الله عليه وسلم- مرهونا ذكره بالسلام فى كل وقت وحين.
أوضح د.عبدالشافى الشيخ أستاذ التفسير وعلوم القرآن أن الاحتفال بمولد سيدنا عيسى عليه السلام فيه اعتزاز بعقيدتنا وليس كما يظن البعض أنه مشاركة لغير المسلمين لأن عقيدتنا ترى المسيح عبدالله ورسوله، والقرآن الكريم أمر المؤمنين عدم التفريق بين أحد من رسل الله، فكما جاز لنا أن نحتفل بمولد النبي- صلى الله عليه وسلم- قلنا أن نحتفل بمولد المسيح وبمولد سيدنا نوح وإبراهيم إذا علمنا ذلك وتأكدناه على وجه اليقين، والله تبارك وتعالى احتفى بسيدنا المسيح وميز هذا اليوم بالسلام.
فيما أوضح د.عبدالفتاح العوارى العميد الأسبق لكلية أصول الدين وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن القرآن الكريم احتفى احتفاءً بالغا بميلاد سيدنا عيسي- عليه السلام- والذى يقرأ سورة مريم من أولها إلى قرب نهايتها يجد القرآن احتفل بميلاد سيدنا عيسى عليه السلام احتفاء لا مثيل له، وحينما سئل سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- عن عيسى قال عيسى ابن مريم أخى فى الدنيا والآخرة، مشيرا إلى أن كمال الإيمان مشروط بأن يؤمن المسلم بجميع الانبياء والمرسلين.