المفارقة أن تبدو إسرائيل عاجزة أمام عناصر المقاومة فى قطاع غزة والضفة والجنوب اللبناني، المفارقة أيضا أن يقف جيش الاحتلال «مشلولا» ومذهولا» من أداء عناصر المقاومة فى غزة ومن النجاحات التى تحققها بعد أكثر من عام من حرب الإبادة التى شنها الكيان الصهيونى وأسفرت عن تدمير كل شيء : «الطرق والشوراع والمبانى والمنشآت والمدارس والمستشفيات» إلا أن هذا التدمير – والحمد لله- لم يطل رجال المقاومة الذين يواصلون حتى الآن الهجمات والضربات التى تؤلم العدو، وتكبده الخسائر فى المعدات والأفراد ، ليس ذلك فقط ، فقد أدرك المحللون العسكريون الإسرائيليون الخطأ الأكبر الذى وقع فيه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء وأعضاء حكومته المتطرفة ، هذا الخطأ يتلخص فى سقوط نظرية الردع الإسرائيلية والتى كانت تعتمد فى الأساس على خوف تنظيمات المقاومة من جيش الاحتلال، وتلافى مواجهته سواء فى حرب قصيرة أو طويلة.
لقد بنى قادة اسرائيل استراتيجتهم على تفوق الكيان الصهيونى فى القوة العسكرية على تلك التنظيمات وكان يمكن لهذه الإستراتيجية أن تستمر وأن تؤدى الهدف منها لولا الأخطاء التى وقع فيها نتنياهو وحكومته المتطرفة على مدى أكثر من عام ومن بين هذه الأخطاء أو الخطايا ما يلي:
> إطالة زمن الحرب ضد قطاع غزة والاعتماد على تحطيم البنية التحتية وضرب الأنفاق التى تسيطر عليها المقاومة، وقد بدا هذا السلوك مفيدا لإسرائيل فى بداية العدوان، ولكن بمرور الوقت نجحت المقاومة فى تنظيم صفوفها وإيجاد البدائل التى من شأنها الحفاظ على قيادات المقاومة وحرمان الاحتلال من اغتيالهم إلى جانب استمرار توجيه الضربات لجيش الاحتلال وتكبيده أكبر قدر من الخسائر فى المعدات والأرواح.
> محاولة جيش الاحتلال تفريغ قطاع غزة سواء بالحرب والتدمير أو بالحصار والتجويع، لقتل أكبر عدد ممكن من سكان القطاع أو إجبارهم على الهجرة، وقد بدت هذه المحاولة ممكنة فى الأيام والأسابيع الأولى من العدوان، غير أن فكر المقاومة والانتقام من العدو والتمسك بالأرض جعلت سكان غزة يخالفون التوقعات الإسرائيلية خاصة بعدما خرجت الصيحات «الغزاوية « التى تؤكد أن سكان القطاع أمام خيارين» إما البقاء فى القطاع أو الفوز بالشهادة»، وهو ما حدث بالفعل ، إذ إن سقوط مئات الآلاف من الضحايا فى القطاع لم ينل من عزيمة الفلسطينيين بل على العكس فقد زادوا إصرارا على التمسك بالأرض ومواصلة القتال.
> تعمدت حكومة نتنياهو توسعة نطاق الحرب دون دراية حقيقية بإدارة المعارك ومتطلبات الحروب، بمعنى أن الحكومة ورغم استمرار عملياتها ضد قطاع غزة، دفعت جيش الاحتلال إلى فتح جبهات جديدة فى الضفة والجنوب اللبناني، وتوجيه ضربات إلى الحوثيين فى اليمن وإلى أهداف فى سوريا وإيران ، وهو ما أدى إلى تعدد الجبهات وكشف نقاط الضعف بأنظمة الدفاع الجوى الإسرائيلية وإيجاد الثغرات بها، ما نجم عنه نجاح وصول عدد من الصواريخ والطائرات المسيرة إلى تل أبيب وبعض المواقع العسكرية الإسرائيلية وإصابتها بدقة وسقوط مئات الجنود الإسرائيليين قتلى وجرحى ، فى ضربات ناجعة ومتكررة .
> كشف العدوان الإسرائيلى على غزة وما تلاه من عدوان على الضفة والجنوب اللبنانى أن حكومة نتنياهو تتصرف برعونة كبيرة وبغرور متزايد ما تسبب فى اهتزاز الثقة فيها من جانب أكبر حلفائها وهى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، أيضا تسبب سلوك حكومة نتنياهو المتهور فى خسائر اقتصادية فادحة وعودة عدد كبير من المهاجرين اليهود إلى بلادهم، إلى جانب إجلاء ما يقارب مئات الآلاف من منازلهم وإيوائهم فى الفنادق والمنشآت المعدة للإخلاء ، وهو ما ترك صورا سلبية أثرت بدورها على الروح المعنوية لقطاعات كبيرة من الإسرائيليين.
مرة أخرى فقد أدت هذه الأخطاء أو الخطايا إلى سقوط نظرية الردع الإسرائيلية وارتباك حكومة نتنياهو وفقدانها القدرة على اتخاذ القرار المناسب لسيرالعمليات ، وفى ظل ما نراه يومياً على الشاشات والمواقع الإخبارية، من هجمات صاروخية وإظلام تل أبيب وإطلاق صافرات الإنذار وامتلاء المستشفيات الإسرائيلية بالقتلى والمصابين من جنود الاحتلال، فى مشاهد متتالية تمثل صدمة حقيقية لإسرائيل ومؤيديها وداعميها وكل من يفكر فى تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد.