>> من يقرأ فى كتاب التاريخ من أول سطر يتعجب ويتساءل: «ماذا فيكى يا سيناء حتى تظلى مطمعاً عبر العصور لكل الغزاة الذين عرفتهم البشرية.. يتكالب الاعداء لاحتلالك ولا يكفون عن توجيه أفكارهم وسهامهم إليك من أيام الفراعنة حتى زماننا؟!
هل لأنهم يعلمون ان الله شرفك بالتجلى على جبل أرساه شامخاً على أرضك المقدسةوتحدث مع كليمه ورسوله موسى عليه السلام وهو ما لم يحدث فى أى مكان على ظهرالأرض.
أم لأن الخالق كرمك بشجرة تنبت بالدهن وصبغ للأكلين وذكرك فى قرآنه الكريم.. أم لأن نبى الله يوسف أدخل نبى الله يعقوب وأخوته منها وقال لهم «ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين».. أم لان أبا الأنبياء إبراهيم مر من هنا وعلى رمالك كانت أولى خطوات مسار العائلة المقدسة؟!
هل يكون السبب انك بوابة مصر «أم الدنيا».. أم لانك ملتقى قارات العالم القديم.. أم ان هناك سراً وضعه الله على أرضك تشهد عليه جبال الطور وكاترين وموسى والحلال وباب الدنيا.. ومدفون فى رمالك التى روتها دماء الشهداء أبناء الوطن الذين ضحوا بحياتهم منذ بدأ جهادهم مع أحمس لهزيمة الغزاة «الهكسوس» وصولا إلى إخراج الاحتلال الاسرائيلى واستعادة أرضك فى مثل هذا اليوم من 42 سنة؟!
لابد أن نروى للأجيال «حدوتة سيناء» بعد أكثر من 15 ألف ليلة وليلة منذ تحريرك وعودتها فى مثل هذا اليوم إلى حضن الوطن.. ليعلم النشء والشباب ان ذلك لم يكن سهلاً ولكنه مر بكفاح شعب وتضحيات ودماء فى معارك خاضها جنودنا البواسل حتى تم رفع العلم على كل مكان من رفح وبئر العبد والشيخ زويد والعريش إلى شرم الشيخ ودهب ونويبع والطور.. إلى ان تم استرداد طابا فى 15 مارس 1989.
عادت سيناء.. وبدأ الحديث عن تعميرها باعتبارها لا تمثل 161 ألف كيلو متر مربع فقط.. ولكنها خط الدفاع الأول عن الدولة المصرية.. ومنذ عام 1982 وضعت عشرات المخططات وتم الحديث عن مشروعات كبرى تستهدف توطين ٣ ملايين نسمة فى محافظتى شمال وجنوب سيناء.. ولكن للأسف كان التنفيذ يسير ببطء ولم يتم الاهتمام سوى بمدينتى شرم الشيخ والعريش.. حتى قيام ثورة يناير 2011 وبعدها توقفت التنمية تماما بل بدأ التراجع مع بدء العمليات الإرهابية لتعود سيناء إلى المعارك من جديد ولكن هذه المرة للقضاء على الأرهاب الأسود الذى أراد السيطرة على المنطقة مساعدات خارجية.. ولكن أهالى سيناء مع رجال القوات المسلحة والشرطة خاضوا المعركة بتضحيات كبيرة وقدموا أرواحهم حتى تحقق النصر بدمائهم لتعود عجلة البناء والتنمية للدوران.
بدأت المشروعات فى السنوات الأخيرة تظهر للجميع خاصة فى مجال البنية الأساسية وانشاء الانفاق التى ربطت شبه الجزيرة بالوادى وسهلت حركة انتقال الأفراد والبضائع.. وتم بناء العديد من مصانع الأسمدة والاسمنت والرخام والجرانيت والبتروكيماويات.. وتطوير موانيء المنطقة خاصة ميناء العريش واقامة مطارات ومد خطوط سكك حديد ليتم الاندماج الجغرافى والاقتصادى بين سيناء وباقى المخططات.
بدأت فى أكتوبر الماضى المرحلة الثانية من المشروع القومى لتنمية وتعمير سيناء حيث ان استثمارات المرحلتين الأولى والثانية تصل إلى 700 مليار جنيه (وكان وقتها 30 مليار دولار ولكن بسعر اليوم تصل لأكثر من 1400 مليار جنيه) وسيتم استكمال مشروعات البنية التحتية واقامة مصانع واستصلاح نصف مليون فدان وانشاء مزارع سمكية ومشروعات تحلية مياه إضافة إلى المشروعات السياحية المتعددة ومنها استكمال مشروع التجلى الأعظم بسانت كاترين ومسار العائلة المقدسة.. مع الاهتمام بتنوع المقاصد من السياحة العلاجية والدينية والشاطئية والسفارى واليخوت وكذلك السياحة الثقافية لوجود آثار متعددة.
خطة التعمير والتنمية طموح وينتظرها أهالى سيناء بفارغ الصبر.. ويحتاج العمل إلى سرعة أكبر فى الانجاز بعد أن عطل الارهاب المشروعات لفترة غير قصيرة.. ولا يمكن أن يكون الطموح توطين 3 ملايين مواطن فى سيناء بينما مازال عدد سكان محافظتى الشمال والجنوب حتى الآن لا يزيد على 750 ألف نسمة؟!
>> ولنعد قليلا إلى كتاب التاريخ لنستكمل رؤية «حدوتة سيناء» لتنتبه الأجيال القادمة لما يحاك من مؤمرات ضد البلد.. فهناك من يحلمون بوضع قدم على أرضها.. وكما يقول الدكتور على الدين هلال إنه فى بداية القرن العشرين عام 1902 تم الاتفاق بين اللورد روتشيلد وهرتزل على اقامة مستوطنة لليهود فى سيناء.. ولكنهم فشلوا.. ثم عاد الصهاينة خلال احتلالهم لسيناء بعد 1967 إلى طرح تهجير الفلسطينيين إلى العريش ولكن وجود «عبدالناصر» أحبط مخططهم.
ثم بعد اتفاقية كامب ديفيد حاولوا بشتى الطرق الابقاء على مستعمرة «ياميت» ولكن «السادات» رفض بشدة فما كان منهم إلا إنهم فجروا المستعمرة.. ونفس الشيء فعلوه فى طابا ولكن «مبارك» أصر على عودتها فساوموه على أن يبقى لهم الفندق أو يديرونه لحساب مصر ولما رفض رحلوا.. ولكن مازالت الأحلام تداعبهم!!
علينا ان ننتبه لمخططاتهم.. فهم يتحدثون عن تهجير الفلسطينيين بضرب رفح واجبار أهل غزة على الدخول إلى سيناء.. والحقيقة إنهم سيأتون بعد ذلك لضرب الفلسطينيين بحجة إنهم يهاجمون إسرائيل ويحتلون معسكراتهم التى اقاموها بعد تهجيرهم.. فهم مازالوا يحلمون بأن أرض اسرائيل من البحر إلى النهر.. عينهم على سيناء وعلى مصر.. فهم يعيشون فى عقدة الاضطهاد وعدم الأمان خاصة بعد زلزالى أكتوبر 1973 و2023 ولن يخرجهم من أزمتهم النفسية إلا تحقيق حلمهم.. ولكن باذن الله لن يتحقق طالما فى مصر شعب وجيش.
علينا الاسراع فى تنمية سيناء واكتشاف كنوزها المدفونة لتظل خط الدفاع الأول.. ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق «التاءات الثلاث.. تعمير.. توطين.. تأمين»!!.
من يقرأ التاريخ.. ويدرس الجغرافيا.. يعرف فى سيناء.. ويكتشف كنوزها المدفونة.. ولا يخفى عليه إنه لا يوجد أى موضع على ظهر الكرة الأرضية له خصائص «أرض الفيروز» التى حباها الله بسر يجعل كل من يسمع حكايات عنها يعشقها قبل ان يراها.. وإذا وطأت قدماه أرضها يذوب فى هواها حتى وان ظلت صحراء قاحلة وجبالاً صخرية.. فما بالنا اذا استكملنا ما بدأناه من مشروعات لتنميتها وتعميرها.. إنها بلا جدال أرض المستقبل؟!