لكل دولة فكرة رئيسية تدور حولها وجودا وعدما، هذه الفكرة اطلق البعض عليها «فكرة الدولة» بينما اطلق آخرون عليها «دولة الفكرة» واطلقت عليها فى مقال سابق ما عنونته بـ«سر الدولة» فلكل دولة سر عميق يمثل سر بقاء هذه الدولة، فالمملكة المتحدة قامت على فكرة أو سر «العائلة المالكة» أما اليابان فقامت على سر «الإمبراطور» بينما كان السر الفرنسى «الثورة الفرنسية» وجاء سر الولايات المتحدة «الآباء المؤسسين»، وبنفس المعايير والمحددات والفلسفات فإن سر الدولة المصرية هو «الجيش المصري»، أمس شرفت بحضور حفل تخرج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة وبعد الحفل تحدث الرئيس فى رده على استفسارات وتساؤلات البعض حول بعض أمور مرتبطة بالمشهد الإقليمى والشأن العام، ودون الدخول فى تفاصيل ما قيل فهذا ليس مجاله، فكرت مجرداً عن سر هذا الرجل الذى ساقته الأقدار ليتولى هذه المسئولية الجسيمة فى هذا التوقيت شديد التعقيد، فكما هناك سر للدول هناك أيضاً سر للرجال، فما هو السر الذى يمكن أن يكون؟ تساءلت وفكرت للحظات أثناء حديث الرئيس، وهو يتحدث عن نجاة مصر من التورط والسقوط فى مستنقع الحروب والخراب والدمار رغم اشتعال الإقليم بشكل غير مسبوق، كان السياق الطبيعى المتوقع ان يقول الرئيس الحقيقة ويعكس الواقع بإن حسن إدارة المشهد بحكمة بالغة وحنكة ومهارة وخبرة القيادة هو ما حمى سفينة الوطن من السقوط، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، تحدث الرئيس بمنتهى القوة والحسم عن «إرادة الله» التى حمت وحرست هذا الوطن، الرئيس قال إن يد الله كانت معنا دائماً، لأن أيادينا طاهرة لم ترتكب جرما ولم تقترب مما حرم الله، الرئيس كانت كلماته مناجاة حقيقية لهذا الخالق العظيم الذى يعلم السر واخفى من السر، تحدث الرئيس عن نعم وآلاء وأفضال الله علينا، أراد الرئيس ان ينسب الفضل لصاحب الفضل، وفى نفس التوقيت يؤكد سيادته ان العمل القوى الواعى والإخلاص والتجرد وطهارة اليد هما أبواب مفتوحة لتهب منها رحمات وبركات الله علينا جميعاً، هنا عرفت «سر الرئيس» انه القوى الأمين المؤمن الصابر الصادق المصلح الصالح، هذا الرجل يتحدث من القلب ويصل حديثه للقلب دون استئذان، فعندما تحدث عن الرضا كان حديثه يحمل كل معانى لذة الإيمان والطاعة، بدا الرئيس زاهدا لا ينشد مغنما من الدنيا إلا الإصلاح ما استطاع اليه سبيلاً، سر الرجل هو الإيمان الراسخ بقدرة الله وأقداره، فهل نستطيع جميعاً أن نتلمس طريق الرضا الذى سلكه الرئيس؟