فى عام 2008 كتبت مقالا بعنوان «وطن على كرسى متحرك» تنبأت فيه بسقوط الأقنعة بعد سقوط السلطة التى شاخت حينئذ فى مقاعدها، وكنت قد فرغت للتو من نشر مجموعة من الحوارات الصحفية التى قد أجريتها مع مجموعة منتقاة من النخب فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والفنية، ذهبت حاملا سؤالين لا ثالث لهما، فى و طن يسير بلا جدول أعمال.. بلا أجندة وبلا رؤية.. برأيكم ما هى الأجندة المقترحة؟ والسؤال الثانى كان عن التاريخ ومن يكتبه وكيف نعيد للتاريخ المصرى حقه المسلوب؟
>>>
خرجت من جماع هذه الحوارات بكتاب سميته «مستقبل وطن» وفزت من خلاله بجائزة أفضل عمل سياسى فى عام 2009 وتسلمت شهادة تقدير وشيكاً بمبلغ 30 ألف جنيه من السيد صفوت الشريف- رحمه الله- كانت الفترة من عام 2008 وحتى عام 2013 أعواماً استثنائية فى تاريخ مصر، انها أعوام الغليان الحقيقية، والتى تحتاج إلى توثيق فكرى وسياسى واجتماعى وأمني، ليس على طريقة الأعمال الوثائقية وإنما بقراءات تحليلية معمقة، عين على الأحداث وتأثيرها فى الضمير الجمعى وردود أفعال النخبة ومدى تأثيرها على مسارات الأحداث.
>>>
والأهم هو دور الإعلام فى هذه المرحلة، وكذلك دور وسائل التواصل الاجتماعي، لقد كانت الإشارات واضحة أن الدولة المصرية تمر بأزمة كبيرة يقدرها الجميع عدا الجالسين حينئذ على مقاعد السلطة، الشعب ونخبه وإعلامه كانوا يشعرون بأن الأمور تتفلت والأعصاب تشتعل، كان الإخوان متربصين بالمشهد ويتلاعبون بالجميع سلطة ومعارضة واستقطاب واحتواء وشد وجذب، لكن أخطر ما أسفرت عنه سنوات الغليان هو حقيقة تنظيم الإخوان الإرهابى وعلاقاته المتشعبة فى مفاصل الدولة وكذلك تواصلهم الموثق مع أجهزة استخبارات أجنبية يأتمرون بأوامرهم وينصاعون لقراراتهم.
>>>
وصلت الأمور إلى حالة «الإنكار التام» وترجمتها تلك العبارة الشهيرة «سيبوهم يتسلوا» وقد حدث ما حدث فى 2011، وكادت الدولة تضيع حرفيا وتدخل إلى النفق المعد لها، لولا الله وإرادته ثم جيش مصر العظيم وعلى رأسه ذلك الرجل الذى حمل روحه على كفه وقدمها راضيا لوطنه منقذا إياه من السقوط، كانت أصعب فترة فى تاريخ مصر هى فترة سيطرة الإخوان على مفاصل الحكم حتى وصلوا إلى رئاسة الدولة، وكأن الشعب المصرى كان تحت تأثير المخدر الإخوانى المسموم، فجأة استيقظ الشعب على نداء «يسقط حكم المرشد».
>>>
كان الجيش المصرى العظيم واعيا بكل التفاصيل، وتحمل المجلس العسكرى ما لا يتحمله بشر، ثم خرج الشعب تحت حماية الجيش الذى لم يخذله مرة واحدة، وكان الخلاص من الإخوان إلى غير رجعة، وبدلا من تقديم الشكر لمن حمى الشعب وحافظ على الوطن، طالبته جموع الشعب باستكمال المسيرة ورفع الناس شعار «كمل جميلك» وطالبوه ملحين بأن يتقدم للترشح لقيادة البلاد فى هذه الفترة شديدة الصعوبة، أشهد أمام الله والتاريخ أن الرجل ما كان راغبا ولا طامحا فى هذا الأمر جملة وتفصيلا.
>>>
لكن نداء الوطن كان سيفا على رقابنا جميعا، نزل البطل على رغبة الجماهير والتزاما بتكليفات متطلبات الأمن القومى المصرى التى يراها واضحة أمامه كشخصيّة عسكرية استخباراتية وطنية، أتذكر كلماته «لن أعدكم إلا بالعمل ولن أطلب منكم إلا العمل، وقد كان، حرب ضروس على الإرهاب حرب ممتدة على الفساد، مع استنهاض همم المصريين من أجل البناء، بناء الدولة التى نحلم بها جميعا، اليوم وبعد مرور 11 سنة على هذه المسيرة، انظر لنفسى وأقيم قناعاتى وإلى أين وصلت بي.
>>>
أجدنى قد راهنت ومنذ اللحظة الأولى على رجل المرحلة صالحا مصلحا عفيفا عزيز النفس مجرداً مؤمناً واعياً راعياً للحقوق، اليوم أرى مصر راسخة ثابتة مستقرة بعد أن تغير وجهها وصارت فى مصاف الدول ولو كره الكارهون، مصر يا سادة شهدت خلال سنوات قليلة إنجازات تحتاج إلى قرون، فقط عليك أن تعرف ان نسبة المعمور فى مصر زادت من 7 ٪ إلى 14 ٪ بتكلفة تصل إلى ١١ تريليون جنيه، وقد قضت على الإرهاب وفلوله وفتحت كل الملفات المؤجلة بكل قوة، وخلقت لنفسها بنفسها سياقا ميزها بين الأمم.
>>>
المنطقة حولها مشتعلة وهى متفرغة للبناء الداخلى وتساهم بكل قوة وتطل فى محاولة إطفاء تلك الحرائق، مصر لم تتورط فى أى حرب رغم كل الضغوط ولن تتنازل عن سيادتها وقرارها رغم كل الظروف، فى هذه الأثناء أرى أننا بحاجة ماسة إلى من يجمع لنا ما جرى خلال «سنوات الغليان الخمسة» من خلال سردية مصرية وطنية واعية