الولايات المتحدة ترتبك بين الدعم العسكرى الكاسح والرسائل السياسية المتضاربة
الحرب على غزة خلال شهورها الطويلة كانت كاشفة فى أمور كثيرة، فهى تعيدنا إلى مسلمات – أو سرديات – كان نسيها البعض او انها تراجعت فى الاهتمام، حيث كانت هناك محاولة لتغييرها.. فقد اصبح معلوما للجميع الآن بأن الأزمة فى الاحتلال، وليست فى ردود الفعل عليه، وأن الحلول الأمنية أسوأ الخيارات الممكنة لإدارة الصراع التاريخي، وأقلها حظا فى إنتاج آثار عملية مثمرة، ومما كشفته أيضًا تلك الحرب وذلك العدوان أننا لا نعيش وحدنا فى العالم، ولا نملك سردية مهيمنة كحال العدو، وأن ما نعتبره حقوقا مشروعة وعادلة – وهى بالفعل كذلك – هناك من يختلف معنا فهناك دوائر مشتبكة عضويا مع الملف، ولها سلطة التحكم فى تفاصيله أو تغليب أحد عناصره.
المؤكد ايضا ان المؤمنين بالقضية وبحقوق الشعب الفلسطينى قد أوصلوا رسائلهم الساخنة لكل الأطراف، القريب منها والبعيد، ولكن – مع الاسف – لم يستقبلوا الردود المضادة على وجهٍ سليم، وبالتبعية فإنهم لم يطوروا خطابا صالحا لامتصاص فائض الانحياز والتحريف، والبناء على التحولات الناشئة من رحم العدوان؛ لتصير فاعلاً حيويا فى بنية العقل الغربى على المدى الطويل، والسوابق المتكررة أننا نفوز بالتعاطف فى كل نكبة، ثم يتبخر رصيدها بعدما نتوهم النصر، ونستعجل الشعور بزهو المنتصرين، بينما لم يتوقف النزيف أو يندمل الجرح الغائر.
الوضع شائك فلا أحد مجبر على الإقدام أو الإحجام بميقاتِ الآخرين، ويبدو التناقض واضحا فى أداء الجميع.. فالولايات المتحدة ترتبك بين الدعم العسكرى الكاسح والرسائل السياسية المتضاربة، وأوروبا تتقلب فى غابة من التباين، حتى أن بعضها يدين والبعض يدعم، وفريق يدرس الاعتراف بدولة فلسطين وآخرون يصوتون ضدها، وإقليميا فقد وضع العرب أمام امتحان طارئ على شرط تيار يناصبهم العداء، وهم بين إخلاصهم للقضية وخشيتهم من ارتداداتها، يسعون للموازنة بين خطابين كلاهما صعب. وبينما يمسك رعاة الصهيونية بخِناق النظام الدولي، ولديهم من السلطة والقوة ما يسمح لهم بتمرير أهدافهم الرديئة دون اعتبار لقانون أو أخلاق؛ فإن العرب مضطرون للعمل وفق المسارات الشرعية، والتماس السبل الكفيلة بضبط المشهد واستعادة توازن السرديات، دون الدخول فى صدامات لا تسمح بها البيئة الدولية المختلة، فإننا ننتقد التشوه القيمى وانعدام العدالة كيفما نشاء.. لكننا فى النهاية علينا التعامل والتعاطى مع الوضع القائم.
تلك الحرب كشفت ازدواجية واضحة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ومن هذا الجانب يتم استقطاب المزيد من البشر ممن يمكنهم الدعم والتحرك لمساندة شعب يتعرض للقتل والإبادة والحصار والتجويع، بما يخالف حتى قواعد الاحتلال، بل إن وزراء إسرائيل يمارسون التحريض، وينكرون حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم أو التمتع بأى حقوق، وهى تصريحات انطلقت من وزراء الحكومة المتطرفة، التى تخوض حربا بلا أفق.