قالوا عن إسرائيل.. إنها ولاية أمريكية فى الشرق الأوسط!!.. وقالوا.. بل هى مجرد مستوطنة أمريكية.. وقال نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكى إن إسرائيل.. هى حاملة طائرات أمريكية ثابتة فى شرق البحر المتوسط!! ما الفرق.. ما الهدف.. وضد من؟! أسئلة صعبة.. وإجاباتها أصعب!!
والآن.. تجمعت سحب الظلام الأسود للحرب وجنون التصعيد العسكرى بصورة مخيفة فى سماء إسرائيل ولبنان.. والشرق الأوسط.. وذلك خلال الساعات والأيام الماضية.
فقد هدد الجيش الإسرائيلى بغزو جنوب لبنان.. وتدمير وتصفية القدرات الصاروخية لحزب الله اللبنانى وهدد حسن نصر الله.. وقادة الحزب بقصف العمق الإسرائيلى من تل أبيب وحيفا.. حتى ديمونة بالصواريخ والمسيرات.
وأكدت صحف تل أبيب أن حرب لبنان الثالثة قد بدأت فعلا.. فيما يبدو وتؤكد الضربات الوقائية الاستباقية التى تعرض لها حزب الله اللبنانى خلال الأيام الماضية.. أن أمريكا لا تقف مع إسرائيل بأساطيلها وقواعدها فقط.
بل تقف معها بكل ما لديها من أجهزة المخابرات والمعلومات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية.. ويزيد عددها عن 71 جهازاً مخابراتياً.. لعل المخابرات المركزية.. هى أشهر الفروع حول العالم.
هناك أيضا جهاز «العيون الخمسة».. الانجلوساكسوني.. الذى تقوده أمريكا.. وتشارك فيه بريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا وهى تتكون من أجهزة لادارات وتنصت واستطلاع الكترونى دقيقة للغاية.. وموزعة على مختلف قارات العالم والهدف هو رصد واعتراض كل ما يدور حول كوكب الأرض من اتصالات تليفونية ولاسلكية.. فى كل مكان ولن ينسى الألمان فى برلين أن جهاز تليفون المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل.. كان دائما تحت الرقابة الأمريكية بصورة معروفة ومفضوحة وشبه معلنة.
ومن يتابع عمليات الاغتيالات الإسرائيلية الدقيقة بالقنابل والصواريخ من طهران إلى بيروت.. لابد أن يدرك أن «عيون أمريكا الخمسة» تقف مع إسرائيل بكل قوة وتقدم المساعدات الرهيبة الكفيلة بمساعدتها على تحقيق سلسلة المفاجآت التكتيكية الدموية ضد حزب الله.. أجهزة اتصالاته – بيدجر – وأجهزة القيادة والسيطرة لديه كما أن عمليات رصد الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز تتم أيضا من خلال شبكة الرادارات الأمريكية المنتشرة من أمريكا وكندا حتى استراليا ونيوزيلندا فى أقصى جنوب شرقى كوكب الأرض الأقمار الصناعية ترصد عمليات الاطلاق.. والرادارات تحدد المواقع والأساطيل الأمريكية تتصدى للصواريخ وتحاول إسقاطها.
نوعية جديدة
هذه نوعية جديدة من الحرب وعمليات التصعيد العسكرى التى لم يسبق لها مثيل فى تاريخ الحرب.. بحكم التطور الرهيب فى تكنولوجيا المعلومات والرصد الالكتروني.. والاعتراض بالصواريخ.. وقريبا الاعتراض بأشعة الليزر المدمرة وبالمدافع الالكيرومغناطيسية.
فإلى أين تتجه بنا الحرب الجديدة فى الشرق الأوسط؟!
قبل وفاته ربما بأيام قليلة.. حذر هنرى كيسنجر.. من أن التقدم الهائل فى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى والمعلومات والاتصالات قد فتح الأبواب واسعة أمام حرب السايبر الواسعة فى هذا العالم وقد كانت الدول والشعوب تخشى فى الماضى مخاطر اشتعال الحرب النووية وأصبح العالم اليوم يشعر بالخوف والذعر من القنابل النووية وحروب السايبر وحرب الفيروسات الالكترونية التى يمكن أن تصيب كل شيء فوق كوكب الأرض.. بالدمار والشلل التام.
الاستنزاف الطويل
وذكرت صحف فى تل أبيب أن حزب الله يريد مواصلة استراتيجية حرب الاستنزاف الطويلة ضد إسرائيل وأكدت أن حزب الله قام بتوجيه ضربة صاروخية لإسرائيل فى أعقاب موجات الغارات الجوية الإسرائيلية المتوالية على مواقعه فى جنوب لبنان وفى سهل البقاع وقد تمكن حزب الله من توجيه ضربة صاروخية عنيفة لقاعدة رامات ديفيد الجوية الإسرائيلية قرب حيفا وقد سبق تصويرها بالطائرات بدون طيار التابعة للحزب من طراز «الهدهد» الشهيرة كما أطلق حزب الله صاروخا من طراز كروز على إسرائيل يزيد مداه على 002 كيلو متر.. فيما وصلت صواريخ حزب الله إلى عمق يزيد على 06 كيلو مترا داخل إسرائيل.
لكن حتى الآن من الواضح أن حزب الله لا يريد حربا شاملة مع إسرائيل ويحرص على الاحتفاظ بقوة النيران الصاروخية الكثيفة لديه لاستخدامها فى ضرب العمق الإسرائيلى ومنشآت الاقتصاد والمال والأعمال والمياه والكهرباء.. وحتى المدارس والجامعات واعترف مسئول إسرائيلى بأن الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة سوف تجعل حزب الله يقوم بالرد بقوة بالصواريخ فى تل أبيب وحيفا.
وذكرت جيروزاليم بوست الإسرائيلية أنه من الواضح أن حرب لبنان الثالثة قد بدأت فعلا.. وأن الجيش الإسرائيلى يخطط لغزو واجتياح قرى الريف فى جنوب لبنان.. حتى نهر الليطانى وإقامة منطقة حزام أمنى لحماية مستوطنات شمال إسرائيل فى هذه المنطقة.
لا بديل
وقال جنرال إسرائيلى سابق يدعى جيرشون هاكومين.. إنه لا يوجد بديل آخر أمام الجيش الإسرائيلى سوى غزو جنوب لبنان.. من أجل تأمين عودة سكان مستوطنات شمال إسرائيل إلى بيوتهم.
وأشار إلى أن الموقف الأمريكى مازال يطالب الأطراف بضبط النفس وعدم التصعيد.. لأن الرئيس الأمريكى بايدن يشعر بالخوف فعلا من مخاطر قيام إيران بالتدخل فى الحرب إلى جانب حزب الله.. ضد إسرائيل.
وذكر الإسرائيلى هيرب كيتنون إن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على ضرورة مواجهة التهديدات والمخاطر متعددة الجبهات.. خصوصا فى غزة ومع حزب الله فى الشمال.. وضد إيران فى أقصى الشرق على الخليج العربي.
وأعلن نتنياهو مؤخرا أنه لابد من تأمين عودة سكان شمال إسرائيل إلى مستوطناتهم وبيوتهم.. وقال إن الموقف القائم يتطلب تغييرا فى توازن القوى بين إسرائيل وحزب الله.
هكذا يتضح أن عملية انفجارات أجهزة الاتصالات من طراز «بيدجر» كانت مجرد عملية تصعيد عسكرى مخطط.. بهدف إجبار حزب الله على الاستسلام والقبول على الأقل بالهدنة.. والامتناع عن قصف شمال إسرائيل بالصواريخ.
استراتيجية خطيرة
ويحذر تاير هايمان مدير معهد الأمن القومى الإسرائيلى من أن التصعيد العسكرى المتواصل ضد حزب الله.. يبدو جزءا من استراتيجية خطيرة وضعها نتنياهو.. لكن هذا التصعيد قد يخرج عن سيطرة كل الأطراف.. حتى أمريكا.. وفى النهاية سوف تتعرض إسرائيل لخسارة قدرتها على تحقيق المفاجآت التكتيكية فى المعارك.
واعترفت صحف تل أبيب بأن سكان مدن إسرائيل الكبرى أمضوا ليلة الاثنين الماضى فى المخابيء تحت الأرض.. وأكدت الصحف أن هدف إسرائيل هو ردع حزب الله ودفعه للقبول بوقف إطلاق النار فى حين يتمسك حسن نصر الله بضرورة أن يتم وقف اطلاق النار فى غزة أولا.. وقد وصلت صواريخ حزب الله إلى ٠٧ مدينة ومستوطنة فى شمال ووسط إسرائيل.. منها الناصرة.
ضربات استباقية
وأكد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى أن الجيش الإسرائيلى يقوم بضربات وقائية استباقية.. لتدمير صواريخ حزب الله ومنصات اطلاقها.. قبل أن تنطلق وتنفجر داخل إسرائيل وأكد من جديد أن سلاح الطيران الإسرائيلى هو ذراع إسرائيل الطويلة وذكرت صحف تل أبيب أن الطائرات الإسرائيلية المكثفة أدت إلى تدمير مئات الأهداف من مواقع ومنصات صواريخ حزب الله.
وأشارت إلى أن الحملة العسكرية الإسرائيلية الراهنة تستهدف إجبار حزب الله على الاستسلام والموافقة على الحل الدبلوماسى الأمريكى بالتراجع بمليشياته إلى ما وراء نهر الليطانى فى جنوب لبنان من هنا تعهد نتنياهو بتغيير موازين القوى فى الشمال مع حزب الله لصالح إسرائيل.. وتوجه إلى الرأى العام الإسرائيلى بالتأكيد على أن إسرائيل تواجه مرحلة صعبة ومعقدة.. وطالب سكان إسرائيل بالالتزام بتعليمات قيادة الجبهة الداخلية.. لإنقاذ حياتهم من مخاطر انفجارات صواريخ حزب الله.
وفى واشنطن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية إرسال المزيد من القوات والطائرات الأمريكية إلى الشرق الأوسط.. تحسبا لتزايد التوتر واحتمالات اتساع نطاق الاشتباكات والحرب بين إسرائيل وحزب الله وحذر المراقبون الأمريكيون من أنه لو تعرض وجود حزب الله اللبنانى للخطر.. فمن المؤكد أن يتسع نطاق الحرب ويمتد إلى إيران فى حرب إقليمية واسعة.. خارج نطاق سيطرة جميع الأطراف ولذلك دعا وزير الدفاع الأمريكى ما أسماه بالأطراف الخارجية بالامتناع عن التدخل فى المعارك الدائرة بين إسرائيل وحزب الله.. فى إشارة واضحة إلى إيران.
الموساد.. والثقة المفقودة
وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن العملية الإسرائيلية الاستعراضية التى أدت لانفجار أجهزة اتصالات بيدجر لدى حزب الله.. استهدفت فى الأساس أن يستعيد جهاز المخابرات الإسرائيلى الموساد الثقة ويسترد ماء وجهه بعد الفشل المخابراتى الإسرائيلى خلال هجوم حركة حماس فى 7 أكتوبر 3202.
وأكدت لوموند أنه من الواضح أن إسرائيل قد دخلت فى رهان محفوف بالمخاطر الكبرى من خلال هذا التصعيد العسكرى المفاجئ مع حزب الله.
وذكرت نيويورك تايمز إن إسرائيل ارتفعت بسقف المخاطر مع حزب الله إلى أقصى درجة.. وانها تتصور أن حزب الله يمكن أن يعلن الاستسلام تحت وطأة هذه الغارات الجوية ويتوقف عن قصف شمال إسرائيل بالصواريخ.
وذكرت نيويورك تايمز إن إسرائيل تبدو فى الواقع بعيدة تماما عن هذا الهدف حتى الآن.. وأن هذه قد تكون مغامرة جديدة من نتنياهو يحاول بها إنقاذ صورته أمام الرأى العام الإسرائيلي.
وأكد الأمريكى باتريك كينجزلى إن إسرائيل مازالت بعيدة عن تحقيق أهدافها.. لأن ترسانة صواريخ حزب الله.. تتواجد فى أنفاق عميقة تحت جبال ومرتفعات جنوب لبنان.. ولا يمكن لصواريخ وقنابل الطيران الإسرائيلى الوصول إليها.
واستبعد بشدة أن تلين إرادة حزب الله أمام الضغط العسكرى الإسرائيلى أو المبادرة الأمريكية الفاشلة وقد أكد زعيم حزب الله.. حسن نصر الله.. أن ميليشياته فى انتظار دخول الدبابات الإسرائيلية إلى أراضى جنوب لبنان بصواريخ كورنيت المضادة للدبابات.. وذكرت نيويورك تايمز إنه من الصعب حاليا أن تقوم إسرائيل بعملية تدخل عسكرى برى وغزو جنوب لبنان.. بدون أن تقوم باستدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للحرب فى الشمال ضد ميليشيات حزب الله.
وخريطة الحرب التى تواجه إسرائيل حاليا.. تمتد من غزة فى الجنوب إلى الضفة الغربية فى شرق ووسط إسرائيل.. وحتى الحدود مع لبنان فى الشمال كما أن جنود الاحتياط يشعرون بالإرهاق التام من جراء المعارك التى امتدت أكثر من 11 شهرا ضد ميليشيات حماس فى غزة.
إسرائيل تبدو بعيدة تماما عن تحقيق الهدف بإجبار حزب الله على الاستسلام كما يقول كينجزلي.. لكنها اقتربت بشدة من الحرب الشاملة مع حزب الله.. وربما الحرب الإقليمية الواسعة مع إيران وميليشيات الحوثى فى اليمن.
أسئلة بلا نهاية
وهنا تبدأ الأسئلة حتى فى تل أبيب.. ولا تنتهي.. مثل حروب إسرائيل الدموية تماما.. التى تبدأ.. ولا تتوقف.. ولا تنتهي!!
ويتساءل الإسرائيلى ياكوف ناجين ويقول هل حقا أن الولايات المتحدة قد سمحت لإسرائيل وأطلقت يدها للحرب ضد أعدائها.. فى حزب الله وضد الحوثيين.. وحتى إيران؟!
وكيف يمكن لأمريكا أن تقف ضد الجميع؟! كيف يمكن لأمريكا أن تقف ضد روسيا فى أوكرانيا.. وكيف يمكن لأمريكا أن تقف مع إسرائيل ضد كل أعدائها؟! وكيف يمكن لأمريكا أن تقف مع تايوان ضد الصين فى جنوب شرق آسيا؟!
إن وقوف أمريكا ضد الجميع.. أو ضد العالم كله يعنى شيئا واحدا.. هو أن أمريكا قد وضعت استراتيجية للهزيمة وليس للنصر!!
لا.. للحرب الشاملة
ويتساءل الخبير الاستراتيجى الإسرائيلى إيهود إيلام بطريقة أخرى ومختلفة تماما.. ويقول.. لماذا يجب على إسرائيل وحزب الله تجنب الحرب الشاملة؟!
ويقول إن إسرائيل وجهت ضربات معقدة لجزب الله مؤخرا.. من خلال انفجارات شبكة اتصالات ميليشيات الحزب وهذه العملية وحدها يمكن أن تؤدى إلى تصعيد خطير فى حرب الاستنزاف الدائرة بين الجانبين.. منذ هجوم حماس فى أكتوبر الماضي.
ويؤكد الواقع أن إسرائيل متورطة فى حرب متعددة الجبهات.. ضد حماس فى غزة وضد حزب الله فى لبنان.. بهدف استعادة قدرتها.. على الردع منذ الفشل فى مواجهة حماس.
ويقول إيهود إيلام.. ماذا يحدث الآن بين إسرائيل وحزب الله وإيران بالتبعية؟!
ما يجرى حاليا من معارك دموية.. هى عبارة عن حرب استنزاف طويلة يحاول فيها كل طرف استهلاك وتدمير القدرات العسكرية للطرف الآخر.. على مدى ساحة زمنية مفتوحة بدون الاضطرار لحشد قوات برية ضخمة على الجانبين.
ويحذر إيهود إيلام بوضوح من تورط إسرائيل فى حرب شاملة مع حزب الله.. على الأقل فى هذا التوقيت.. لأن مثل هذه الحرب تنطوى على خطأ استراتيجى قاتل.. لأسباب عديدة.
أولا.. حزب الله.. هو أقوى جماعة مسلحة فى الشرق الأوسط.. قد يكون الجيش الإسرائيلى أكثر قوة.. بسلاح الطيران وقواته البحرية لكن حزب بالله لديه ترسانة هائلة من الصواريخ من كافة الأنواع قادرة على الوصول إلى أى مكان داخل إسرائيل.
ثانيا.. فى أى حرب شاملة سوف نكتشف أن حزب الله قادر على اطلاق آلاف الصواريخ والمسيرات يوميا ضد المدن الإسرائيلية.
دفاع جوي.. عاجز
ولن تتمكن شبكة الدفاع الجوى الإسرائيلية من مواجهة آلاف الصواريخ التى يمكن أن يطلقها حزب الله يوميا.. وسوف تؤدى إلى خسائر بشرية غير مسبوقة بين سكان المدن الإسرائيلية الكبري.. بالاضافة إلى الدمار الهائل فى المدن والمنشآت.
فى المقابل.. ربما يتمكن الجيش الإسرائيلى من تدمير مواقع وحصون حزب الله.. لكن حزب الله.. يتمكن دائما من إعادة بناء قدراته العسكرية كما فعل من قبل عدة مرات.
ثالثا.. الحرب الشاملة مع حزب الله قد تؤدى فى النهاية إلى انهيار دولة لبنان بالكامل وقد هددت إسرائيل بأن تعيد جنوب لبنان وربما لبنان كله للعصر الحجرى من خلال الغارات الجوية والقصف الاستراتيجى لكل مكان فى لبنان.
عند تدمير لبنان.. تختلف المصالح تماما بين أمريكا واسرائيل أمريكا لا تريد لدولة لبنان أن تنهار.. كما أن إيران يمكن أن تتدخل فى الحرب وسيناريو الصراع والحرب مع إيران لا يمكن تخيله وهو أمر مستبعد فى التوقيت الحالى لدى أمريكا وحتى حلف الناتو ولذلك لابد أن تأخذ إسرائيل بالمصالح الأمريكية فى الاعتبار.
واسرائيل مازالت تعتمد على الدعم العسكرى والمالى الأمريكى بصورة مطلقة.. وهذه هى القيود الأساسية التى تفرض على إسرائيل ضرورة تجنب الحرب الكبرى فى لبنان.
بلا مفاجأة
وهناك حقيقة أخرى كما يقول إيهود إيلام.. وهى أن الغارات الجوية الكثيفة حاليا على حزب الله.. تؤكد أن إسرائيل لم تتمكن من صنع المفاجأة فى الحرب والمعارك.
وحزب الله فى حالة تأهب قصوى استعدادا للحرب.. وهو مستعد للحرب فوق الأرض وتحت الأرض داخل الأنفاق.. فى المقابل مازال الجيش الإسرائيلى مرهقا من المعارك العنيفة ضد حماس فى غزة ويحتاج من 3 إلى 4 سنوات لإعادة البناء وتشكيل فرق عسكرية وألوية جديدة تضاعف من حجم القوات البرية الإسرائيلية.. الجيش الإسرائيلى بحاجة إلى 81 كتيبة جديدة على الأقل.
والجيش الإسرائيلى بحاجة للمزيد من المعدات والأسلحة والصواريخ والقنابل الأمريكية الثقيلة.. ويحتاج إلى جمع المزيد من المعلومات المخابراتية عن حزب الله.. بالتعاون مع المخابرات الأمريكية والناتو.
يؤكد الخبير الاستراتيجى الإسرائيلى أنه فى كل الأحوال.. فإن الحرب الشاملة مع حزب الله سوف تكون مليئة بالمخاطر والمفاجآت العسكرية الرهيبة وسوف تدفع فيها إسرائيل ثمنا باهظا.
والحقيقة أن كل سيناريوهات النهاية فى الحرب الشاملة مع حزب الله سوف تكون سيئة جدا بالنسبة لإسرائيل.
وربما كانت عملية تفجير أجهزة اتصالات حزب الله.. مفاجأة مخابراتية كبري.. لكنها فى النهاية لا تضمن النصر لإسرائيل.
الحرب بالنوايا
وحتى لو تمكنت إسرائيل من احتلال شريط حدودى فى جنوب لبنان فلن تستطيع البقاء هناك طويلا.. وسوف يعود سيناريو التسعينات من جديد.. حين انسحبت إسرائيل ليلا من تلقاء نفسها!!
وأكد الخبير الاستراتيجى الأمريكى جورج فريدمان.. إن النوايا لها أهمية خاصة فى الحروب العربية.. الإسرائيلية وقال إن إسرائيل قد تجاوزت العديد من الخطوط الحمراء فى حرب الاستنزاف الطويلة مع حزب الله اللبناني.. لكن من الواضح أنها لا تريد حربا شاملة.. غير مأمونة العواقب بالنسبة لمدن العمق الإسرائيلى فى تل أبيب وحيفا وديمونة وإيلات.
وهذا يؤكد أن الضربات الجوية الإسرائيلية محسوبة.. رغم ما فيها من عنف.. أدى إلى سقوط 053 قتيلا وأكثر من 0021 جريح فى جنوب لبنان.
اعترفت إسرائيل بأن حزب الله ظل يطلق الصواريخ بلا توقف على مدن شمال إسرائيل.. كما أطلق حوالى عشرة صواريخ بعيدة المدى على أهداف فى حيفا وما حولها.. وحتى مناطق شمال الضفة الغربية.. وذلك لأول مرة وأكد الجنرال الإسرائيلى السابق أن حزب الله مازال يملك ترسانة مخيفة من الصواريخ بعيدة المدى دقيقة التوجيه.. قادرة على الوصول إلى تل أبيب وحتى جنوب إسرائيل.
أكد الخبراء أن معارك حرب الاستنزاف بين حزب الله وإسرائيل وصلت إلى مرحلة جديدة من التصعيد.. هى بالتأكيد أقرب إلى الحرب الشاملة وقد جاء رد حزب الله الانتقامى على إسرائيل محسوبا.. وجاءت الغارات الجوية الإسرائيلية فى صورة عملية تصعيد محسوبة.. رغم أن الطيران الإسرائيلى قام بـ056 طلعة جوية ضد مواقع حزب الله.. ومازالت إسرائيل عاجزة عسكرياً عن المغامرة بالتدخل البري.. وغزو أراضى جنوب لبنان.
تغيير موازين القوي
وهنا نعود إلى حقائق ووقائع هذا العالم فى القرن الحادى والعشرين.. حيث تتصارع مختلف القوى والأطراف فى تغيير موازين القوى العالمية وتغيير خطوط وحدود خريطة العالم.. بالحرب والصراعات المسلحة.
ويؤكد الأمريكى كارتر مالكسيان فى مجلة فورين أفيرز.. إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة على ردع أعدائها.. كما أن نظرية الردع العسكرى الأمريكية القديمة غير قادرة على التكيف مع حقائق المتغيرات العالمية فى هذا القرن.
ويقول إن أمريكا وحلفاءها فى الناتو.. يواجهون «أزمة ردع» أو أزمة انعدام القدرة على الردع.. الصين تستعد لغزو تايوان وروسيا تواصل الحرب ضد أوكرانيا.. وإيران تهدد بالانتقام من إسرائيل وحزب الله اللبنانى يواصل قصف شمال إسرائيل بالصواريخ بلا انقطاع ونجح الحوثيون فى إغلاق البحر الأحمر فى وجه الملاحة الإسرائيلية بل إن صواريخ الحوثيين فى اليمن استهدفت سفن الأسطول الأمريكي.
وكل هذه التطورات الخطيرة قد تؤدى لإجبار أمريكا على التورط فى حرب كبرى عالمية.. أو أن تضطر لإعلان الاستسلام.. تورط أمريكا فى الحرب يعنى فشل قدرة الردع الأمريكية.. واستسلام أمريكا للأمر الواقع يعنى نهاية الامبراطورية الأمريكية ونهاية عصر الهيمنة الأمريكية.
استراتيجية بلا جدوي
وتبدو استراتيجية الردع الأمريكية حتى الآن بلا جدوي.. خصوصا فى صراعات الشرق الأوسط وفى مواجهة الجماعات المسلحة الموالية لإيران.. التى تهدد وجود وبقاء دولة إسرائيل ويقول كارتر مالكسيان إنه لو أن أمريكا تريد الاحتفاظ بقدرتها على الردع فى الشرق الأوسط فلابد أن تقوم بتأكيد قدرتها على ردع إيران والجماعات التابعة لها.. وتؤكد قدرتها على الانتقام والحسم.
ويوضح أن التركيز على ميليشيات حزب الله وميليشيات الحوثيين فى اليمن لا يكفى لردع أعداء أمريكا وإسرائيل.. لأن الوسيلة الوحيدة للردع الإقليمى الشامل فى الشرق الأوسط هى الوقوف ضد إيران.
ردع ميليشيات الحوثيين فى البحر الأحمر يبدأ بردع وضرب إيران فى عمق الأراضى الإيرانية ويطالب بضرورة بقاء الأساطيل الأمريكية فى البحرين الأحمر والمتوسط لاعتراض وإسقاط صواريخ إيران وحزب الله.. قبل وصولها إلى إسرائيل.
وهنا لابد أن نتساءل.. هل إسرائيل ولاية أمريكية فى الشرق الأوسط؟! أم هى مستوطنة أمريكية.. أم هى كما قال نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي.. إسرائيل هى حاملة طائرات أمريكية ثابتة فى شرقى البحر المتوسط؟! لماذا.. وما الهدف.. وضد من؟!
هكذا يتضح أن السنوات العشر القادمة حاسمة فى تاريخ العالم وفى عام 4202.. سوف يتقرر مصير أوكرانيا فى أوروبا.. ومصير إسرائيل ولبنان وإيران.. فى الشرق الأوسط.
وفى النهاية.. سوف نجد أن الصراعات الرهيبة بين روسيا والصين من جهة وأمريكا وحلف الناتو من جهة أخرى سوف يعيد رسم خريطة العالم.
وقال هنرى كيسنجر قبل وفاته إنه رغم التقدم الهائل فى تكنولوجيا الذكاء الصناعى وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلا أن المستقبل فى هذا العالم.. يبقى هو اللغز الغامض الذى يستحيل التنبؤ بما فيه وما يمكن أن يحدث.. أو لا يحدث..
لكنهم كانوا يقولون فى باريس قديما إن الحياة مجرد قصة حب.. واليوم يقولون.. إن الحياة.. أصبحت قصة حرب!!