سجى طالبة نابغة، تبلغ من العمر 14 عاما، وتدرس فى مدرسة إعدادية خاصة. وكما هو الحال مع أقرانها من المراهقين، فإنها تفكر وتبدع، وتبحث لنفسها عن دور فاعل فى عالم يعج بالتحديات.
قرأت سجى كثيرا عن أضرار استخدام البلاستيك، وتأثيراته السلبية على الأرض وكل ما عليها، وعلى البحار وما فيها والهواء وما به. ومن هنا، بدأت تفكر بجدية فى سبل حماية الإنسانية من هذه المادة التى لم يخلقها الله، بل ابتكرها الإنسان على يد عالم كيمياء بلجيكى عام 1907، ومنذ ذلك الحين، وبفضل سهولة تصنيع البلاستيك ورخص تكلفته، أصبح يحيط بنا فى كل مكان؛ حتى الوسادة التى ننام عليها، والأوانى التى نأكل ونشرب منها، وربما فى بعض ملابسنا أيضا.
فى أحد اللقاءات الشبابية التى عقدت الشهر الماضي، والتى تناولت موضوع مشاركة المراهقين من الطلاب والطالبات فى الأنشطة المجتمعية التنموية، بهدف مساهمتهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وحمايتهم فى الوقت ذاته من السلوكيات السلبية خلال هذه المرحلة الحرجة من أعمارهم، طرح سؤال على الطالبات المشاركات حول تصورهن لما يمكن أن يقدمه الطلبة من مبادرات داخل مدارسهم ومجتمعاتهم لنشر الوعى الصحى والوقاية من المخاطر.
وهنا، وكأن سجى وجدت فرصتها، فقفزت من مقعدها وتحدثت بحماسة وبراعة عن فكرتها: مشاركة طلاب المدارس أنفسهم فى منع دخول المواد البلاستيكية إلى مدارسهم، كنموذج يحتذى به فى مؤسسات ومواقع أخري، ولإعداد جيل واع بأضرار البلاستيك، يسعى إلى تخليص البشرية منه، بداية بأنفسهم، وعائلاتهم، ومدارسهم، ومجتمعاتهم.
واختتمت سجى حديثها بقولها:أنا بحلم أقابل وزيرة البيئة علشان أعرض عليها فكرتي.»
وقد كان ، إذ حددت السيدة وزيرة البيئة مشكورة موعدا للقائها مع والدتها، لتستمع بنفسها إلى فكرة هذه الفتاة الموهوبة.
ذهبت سجى بصحبة والدتها إلى مقر وزارة البيئة، يملؤها التوتر والرهبة من الموقف، فهى تقابل وزيرة دولة لأول مرة، وتحمل على عاتقها حلما صغيرا تأمل أن يتحول إلى واقع. كانت ملامحها مضطربة، وكلماتها مترددة، لكن السيدة الوزيرة، بحضورها الهادئ ومشاعرها الصادقة، احتوتها بلطف وحنان الأم، قبل أن تكون مسئولة.
ابتسمت الوزيرة لسجي، وشجعتها بكلمات دافئة، وأعطتها المساحة الكاملة لتتكلم، وكأنها تقول لها: «أنا هنا لأسمعك.» ومع مرور اللحظات، بدأت سجى تستعيد ثقتها، وانطلق لسانها يشرح فكرتها بشغف: مشروع وطنى تتبناه وزارة البيئة لمنع استخدام المواد البلاستيكية فى المدارس، من خلال حملات توعية يقودها الطلاب أنفسهم، يكونون فيها قدوة لأقرانهم، ونقطة انطلاق نحو مجتمع أكثر وعيا وبيئة آمنة وصحية.
كان الحديث صادقا ونابعا من قلب فتاة تؤمن بأن العالم يمكن أن يصبح أفضل، وطلبت الوزيرة حضور المسئولة عن ملف البلاستيك فى الوزارة.. وصرحت بأن هذا هو التوجه الحالى للدولة وان هناك العديد من المبادرات التى ستنفذ قريبا جدا فى هذا المجال.. وتطور الحديث الى اقتراح عقد مؤتمر للبيئة المدرسية الآمنة وهو العنصر الثانى والأهم فى محاور العمل فى برامج الصحة المدرسية التى تنادى به منظمة الصحة العالمية
والذى لم تعلمه سجى ان هذا اللقاء مع معالى وزيرة البيئة العالمة الفاضلة ربما يكون من آخر ما تفعله الوزيرة فى هذا المنصب.. حيث إنها قد تم اختيارها كأمينة تنفيذية للبرنامج العالمى لمكافحة التصحر للأمم المتحدة.. شرف كبير لمصر.. وطالما هى ماكانت كذلك بحسن الخلق وحلاوة اللسان والجهد الوافر المخلص..
أريد أن أقول هنا.. أتيحوا الفرصة لأولادنا وبناتنا فى سن المراهقة أن ينطلقوا بأفكارهم.. واسمعوهم.. وانتبهوا لكل كلمة يقولونها.. والله ستسمعون ما يسركم..