ويأتى عيد الأم الذى يوافق 21 مارس من كل عام بمثابة فرصة للتعبير عن الشكر والامتنان لها تقديرًا وإجلالاً لدورها وتضحياتها الغالية ومحاولة لرد الجميل لكل أم فهو مناسبة تذكرنا بأصدق حب وهو حب الأم رمز العطاء والتضحية والقوة.
تعد مصر هى أول دولة عربية تحتفل بعيد الأم فى 21 مارس وكانت البداية عام 1956 عندما قامت إحدى الأمهات بزيارة الصحفى الراحل مصطفى أمين فى مكتبه بصحيفة أخبار اليوم وقصت عليه قصتها، وكيف أنها صارت أرملة وأولادها صغار ولم تتزوج وكرست حياتها من أجلهم حتى تخرجوا فى الجامعة واستقلوا بحياتهم وانصرفوا عنها تماما فكتب مصطفى أمين فى عموده الشهيرة «فكرة» يقترح تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها.
ومن هنا جاءت فكرة تقدير مجهودات الأم، فقد كتب مصطفى أمين فى عموده اقتراح بتخصيص يوم للأم وكذلك كتب على أمين ووافق أغلبية القراء على الفكرة وشاركوا فى اختيار يوم 21 مارس الذى يوافق أول أيام عيد الربيع ليكون عيدًا للأم يحتفل به كل عام واحتفلت مصر بأول عيد أم يوم 21 مارس 1956 ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية.
ويأتى تكريم السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى والسيدة قرينته لى فى احتفالية تكريم المرأة المصرية والأم المثالية عام 2021 ومن قبلها عام 2008 كأحد أهم التكريمات التى حصلت عليها فى حياتى وزاد من أهميته تكريمى كأم لكل الصحفيين وهو الأمر الذى أسعدنى ومنحنى شعورًا بالرضا تكليلاً لحياتى العملية والاجتماعية.
هذا وتزداد أحلام وتطلعات المرأة المصرية يومًا بعد يوم منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية وحتى اليوم وهو الذى آمن بقدراتها وامكاناتها ومكنها من تحقيق المكتسبات لتفتخر بها بين الأمم متطلعة للمزيد وهو ما انعكس عليها حيث حظيت بحقوقها وبلغت بكفاءتها المناصب القيادية بدعم من قيادته السياسية ومهدت لها الطريق لمشاركة واسعة النطاق فى كافة القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
وتظل كلمة الرئيس السيسى خلال إحدى حفلات تكريم المرأة المصرية والأم المثالية وسامًا على صدر كل أم مصرية والذى أكد أن المرأة المصرية العظيمة كانت ومازالت دعمًا وظهيرًا لوطنها وأن قوة المرأة المصرية هى التى صنعت مجد هذا الوطن، وهى رمز العطاء والتفانى والتضحية المتجردة من أى مصلحة وهى سر الحياة وأكد الرئيس أن انحيازه للمرأة المصرية هو عن قناعة تامة وإيمان حقيقى بأن احترام المرأة وتقدير دورها وتمكينها وحمايتها هو واجب وطنى والتزام سياسى وليس هبة أو منحة بل هو حق أساسى لها (وعلينا جميعًا أن نتخذه كمنهج حياة ودونه لن يتحقق أى نجاح منشود).
«الجمهورية الأسبوعي» فى هذا الملف ترصد بداية الاحتفال بعيد الأم.. ولماذا اكتسبت الأم هذا التوافق المجتمعى للاحتفاء بها وتكريمها على جهودها والحفاظ على الأسرة وحماية المجتمع.. وإلى التفاصيل.
يعد الاحتفال بعيد الأم أو «ست الحبايب» من الاحتفالات التى ظهرت فى القرن العشرين تكريمًا لدور الأمهات فى تربية الأبناء وتأثيرهن فى مجتمعاتهن ويختلف تاريخ الاحتفال بعيد الأم من دولة إلى أخرى وقد نشأت الرغبة فى خلق يوم للاحتفال بالأم فى مطلع القرن العشرين بعد ما وجد المفكرون الأوروبيون والغربيون الأبناء فى مجتمعاتهم يهملون أمهاتهم ولا يرعونهن الرعاية الواجبة.
حينها، قرروا دفع الأبناء إلى الاهتمام بأمهاتهم والتعبير عن الامتنان لوجودهم فى حياتهم من خلال جعل يوماً من العام للاحتفال بهم.
أول احتفال فى التاريخ
يعد أول احتفال بعيد الأم فى التاريخ عام 1908 عندما قررت الناشطة الأمريكية أنا جارفيس الاحتفال بوالدتها التى كانت لديها فكر بأنه إذا تعاونت الأسر المتحاربة مع بعضها البعض لتكريم الأم والاحتفاء بها سينتهى النزاع بينهم وسيتحول الكره الذى فى قلوبهم إلى محبة، فكانت دائما ما تشير إلى أنه سيأتى يوم ما وفى مكان ما ينادى شخص ما بالاحتفال بعيد الأم.
بعد وفاة والدتها، أقسمت أنا أن تكون ذلك الشخص الذى سينادى بضرورة إقامة احتفال لعيد الأم، وفى عام 1907 أصدر المسئول عن ولاية فرجينيا الأمريكية قراراً بناء على طلب آنا بإقامة احتفال بعيد الأم يوم 21 مايو.
استمرت آنا فى كتابة خطابات تنادى من خلالها بأن يصبح عيد الأم عيداً قومياً فى جميع الولايات المتحدة الأمريكية فى يوم الأحد الثانى من شهر مايو.
بالفعل، بحلول عام 1909 أصبحت كل ولاية أمريكية تقريبا تحتفل بعيد الأم فى هذا اليوم.
انتشرت فكرة جارفيس على نطاق واسع، حتى استجاب الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون آنذاك لهذه الاحتفالات وخصص رسميا الاحد الثانى فى مايو عام 1914 لقضاء العطلة لهذا الاحتفال.
بحسب موقع «بى بى سي» البريطاني، فإن عدة دول تتبع التاريخ الأمريكى للاحتفال بهذا اليوم، مثل استراليا والنمسا وبلجيكا وبنجلاديش والصين وكندا وكولومبيا والبرازيل وكرواتيا والاكوادور واستونيا وفنلندا وألمانيا واليونان والهند وإيطاليا واليابان ولاتفيا وماليزيا ومالطا والفلبين وجنوب أفريقيا وسويسرا وتايوان وهولندا وتركيا وفنزويلا وزامبيا.
أما عن بريطانيا فتحتفل بهذا العيد فى الأحد الأخير من شهر مارس كل عام، ويسمى بـ «أحد الأمهات«، أما النرويج فهى الدولة الوحيدة التى تحتفل بعيد الأم فى شهر فبراير.
بالنسبة لعيد الأم المصرى فقد جاء بناء على اقتراح لعلى أمين وأيده فيه شقيقه مصطفى أمين، وفى هذا السياق كتب على أمين فى عموده، قائلاً لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه «يوم الأم«، ونجعله عيدا قوميا فى بلادنا وبلاد الشرق، وفى مثل هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها شكراً أو ربنا يخليك، لماذا لا نشجع الأطفال فى هذا اليوم أن يعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل، ويتولوا هم فى هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلا منها؟ ولكن أى يوم فى السنة نجعله عيد الأم؟«.
المقال لاقى إعجاب القراء، وتمت الاستجابة لدعوته وتخصيص يوم 21 مارس لهذا اليوم.
وهو أول أيام فصل الربيع، ليصبح رمزاً للجمال وتفتح الزهور وللعطاء والحياة، وكان أول احتفال عام 1956.
جاءت هذه الفكرة إلى الكاتب الصحفى المصري، بعد زيارة إحدى الأمهات للصحفى مصطفى أمين فى مكتبه بالجريدة.
وقصت السيدة عليه حكايتها وكيف أنها صارت أرملة وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرست حياتها من أجلهم حتى تخرجوا فى الجامعة وتزوجوا واستقلوا بحياتهم وانصرفوا عنها تماما، فكتب مصطفى أمين وعلى أمين فى عمودهما الشهير «فكرة» يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة يوم لرد الجميل وتذكير بفضلها.
جذور الاحتفال
تعود جذور عيد الأم إلى الحضارات القديمة التى احتفت بدور المرأة الأم، ومن أبرز هذه الحضارات:
اليونان القديمة: احتفل اليونانيون بالأم من خلال تكريم «ريا«، والدة الإله زيوس، حيث كان يقام مهرجان سنوى لتقديم القرابين والهدايا لها.
الرومان: خصص الرومان احتفالا يعرف باسم «هيلاريا«، وهو عيد لتكريم «سيبيل«، إلهة الأمومة والخصوبة، وكان يشمل طقوسا دينية وأياما من الاحتفالات.
المصريون القدماء: كرم المصريون القدماء الإلهة «إيزيس«، التى كانت تعتبر رمزاً للأمومة والرعاية، وكان يقام لها احتفالات خاصة.
< تطور عيد الأم فى العصور الوسطي؟
<< بدأت الكنيسة فى أوروبا بتخصيص الأحد الأمومى (Mothering Sunday) وهو يوم يحتفل به خلال فترة الصوم الكبير، حيث كان يسمح للناس بزيارة كنائسهم الأم وقضاء الوقت مع أسرهم وأمهاتهم، كان هذا اليوم مميزاً للأبناء الذين يعملون بعيداً عن عائلاتهم، حيث يعودون إلى منازلهم ويقدمون الهدايا والورد لأمهاتهم، غير أنه لا يوجد تاريخ موحد لعيد الأم عالمياً، حيث تحتفل به الدول فى أيام مختلفة ومن أبرزها:
ــ الولايات المتحدة وكندا واستراليا واليابان والهند: يحتفلون بعيد الأم فى الأحد الثانى من مايو.
ــ المملكة المتحدة وأيرلندا ونيجيريا: يحتفلون به فى الأحد الرابع من الصوم الكبير
<< الدول العربية مثل مصر والسعودية والامارات:
يحتفلون به فى 21 مارس وهو بداية فصل الربيع كرمز لتجدد الحياة
الأرجنتين: تحتفل بعيد الأم فى الأحد الثالث من أكتوبر.
إندونيسيا: يتم الاحتفال به فى 22 ديسمبر تكريماً لدور الأمهات فى النضال من أجل حقوق المرأة.
ويعد الاحتفال بعيد الأم فى الولايات المتحدة وكندا مناسبة عائلية مهمة، حيث يتم تقديم الهدايا مثل الزهور والشكولاته، ويتم تناول الغداء أو العشاء مع الأمهات فى المطاعم كما يرسل الأطفال بطاقات معايدة مكتوبة بخط اليد تعبيراً عن حبهم وامتنانهم.
وفى المملكة المتحدة وأيرلندا يرتبط عيد الأم فى هذه الدول بالمناسبات الدينية، ويشمل تقديم الهدايا والورد للأمهات، بالاضافة إلى تحضير كعكة تقليدية تعرف باسم «Simnel Cake» وهى كعكة محشوة بالفواكة المجففة ومغطاه بطبقة من اللوز.
وفى المكسيك، يحتفل بعيد الأم فى 10 مايو كل عام، حيث تقام الحفلات الموسيقية وتنظم الولائم العائلية تكريماً للأمهات كما يعتبر الغناء جزءاً اساسياً من الاحتفال، حيث يقوم الأبناء بغناء الأغانى التقلدية لأمهاتهم.
فى الصين يشبه عيد الأم الاحتفالات الغربية، ولكنه يعتبر ايضا فرصة لتكريم الأمهات البطلات اللاتى قدمن تضحيات من أجل أسرهن، يقدم الاطفال الهدايا الرمزية مثل الورد، وخاصة زهرة الزنبق، التى تعبر عن الحب والاحترام للأمهات.
وفى اليابان، يحتفل بعيد الأم فى الأحد الثانى من مايو، ويتميز بتقديم زهور القرنفل الحمراء التى ترمز إلى الحب والنقاء كما يقوم الأطفال برسم صور أمهاتهم كجزء من الاحتفالات فى المدارس.
وفى الهند رغم أن عيد الأم لم يكن تقليدياً جزءاً من الثقافة الهندية، إلا أنه أصبح شائعاً فى السنوات الأخيرة، حيث يتم الاحتفال به على الطراز الغربي> من خلال تقديم الهدايا والاحتفال بالعائلة.
وتحتفل الارجنتين بعيد الأ فى الأحد الثالث من أكتوبر، ويتميز هذا اليوم بتنظيم الاحتفالات العائلية الكبيرة، حيث يجتمع أفراد الأسرة لتناول الطعام وتقديم الهدايا للأمهات ويتم الاحتفال بعيد الأم فى اندونيسيا يوم 22 ديسمبر فقط ولا يقتصر الاحتفال على تكريم للأمهات بل ايضا فرصة للتوعية بحقوق المرأة ودورها فى المجتمع ويتم تنظيم الأنشطة الثقافية والمهرجانات، كما يكرم بعض الأمهات البارزات لإنجازاتهن، ولتعزيز مشاعر الحب بين أفراد الأسرة.
(زينب الرفاعي.. أول أم مثالية فى مصر)
سجل التاريخ فى مارس 1956 أول احتفال بالأم فى تاريخها الحديث فيما عرف بيوم لاختيار من تلقب بـ «الأم المثالية» ووصف كثيرون هذا الاحتفال آنذاك بأنه نقطة تحول فى محيط الحياة الاجتماعية وهى الفكرة التى لاقت حفاوة شديدة من قبل المصريين اعترافاً بقيمة الأم وتقديراً لها فى يوم خاص بها.
كان المعيار الذى يتم على سأساسه اختيار الأم المثالية لأولة مرة فى هذا العام، أن تكون امرأة احسنت خدمة بيتها وزوجها وأبنائها دون اعتبار آخر، وتجعل منهم مواطنين صالحين يفيدون بلادهم بخلقهم ومبادئهم وشخصياتهم ولا يقتصر الأمر على أن تكون من تلد وحسب، وألا يقل عمر ابناء الأم المثالية عن 15 سنة، حسبما دونت الكاتبة الكبيرة الاستاذة أمينة السعيد فى عمودها بعدد مجلة «المصور» الذى احتفل بالأم عام 1956.
وعندما كانت وزارة التربية والتعليم، هى المنوطة باختيار الأم المثالية فى هذا الوقت قبل أن تقع هذه المهمة على وزارة الشئون الاجتماعية وجدوا أن كل الشروط تنطبق على سيدة بسيطة تدعى زينب حسن الرفاعى بعد أن قدم لها فى هذه المسابقة ابنها الأكبر عبدالمحسن، والتى كانت تقطن بمدينة المنصورة، مع زوجها الشيخ إبراهيم الكرداوي، وهو من أقدم المدرسين بوزارة المعارف، وابناؤها 3 أولاد و9 بنات، وعلى الرغم من أنها كانت ربة منزل لا تقرأ ولا تكتب، فإن ذلك لم يعق دون انجازها رسالتها على أكمل وجه، ولم يقلل ايضا من اصرارها على أن يتعلم كافة ابنائها، وبالفعل وفى عام 56 كان 2 من أولادها الثلاثة قد بدأ حياتهم العملية بعد استكمال دراستهم وعملا بالتدريس، كما تخرج 7 من بناتها التسع فى مدرسة المعلمات وعملن بالتدريس أيضا.
كانت زينب الرفاعى «أم عبده كما كان يطلقون عليها» لا تكف عن ترسيخ قيمة العمل فى بناتها بشكل خاص، وشجعتهم بالفعل على ذلك حتى لو اضطرهن ذلك لنقل اقامتهن إلى محافظة اخرى سعياً وراء العمل واحتراماً لقيمته.
كانت قيمة جائزة «الأم المثالية» عام 56 عبارة عن 500 جنيه وشهادة تقدير واحتفالية فى نادى المعلمين بالدقهلية تلتها احتفالية كبرى وتكريم رسمى من قبل وزارة التربية والتعليم، ثم احتفلت مجلة «المصور» بها بعمل تقرير مفصل عنها من داخل منزلها وسط ابنائها واحفادها الذين كان عددهم فى ذلك الوقت 28حفيداً.
(اجتماع عائلى أسبوعياً)
ويتذكر بنات زينب الرفاعى لها، كيف كانت مثالاً أيضا للزوجة المثالية، حيث انها لم تجعل زوجها الشيخ الأزهرى يشعر يوماً بأن هناك عجزاً ما فى مصروف البيت، أو تعيره هما، واستمرت فى تحمل المسئولية برغم سوء ظروفها الصحية، وكانت تعقد اجتماعا عائليا أسبوعيا يعرض خلاله كل فرد بالأسرة مطالبه وتناقشها معهم وتقسمها كالتالي: الضرورى العاجل، غير العاجل، جزء يمكن تجزئته، جزء غير ضروري، وتبدأ التنفيذ وفقا لبنود الميزانية كم نفتقر هذه الأيام لنموذج جميل مثل ما نسجته زينب الرفاعى وعائلتها.
ولم تبخل السيدة زينب الرفاعى وزوجها الشيخ إبراهيم الكرداوى على أبنائهما وبناتهما فى سبيل تعليمهم جميعا حتى لو اضطروا للسفر خارج المنصورة بلدتهم، فسافرت إحداهن للزقازيق ثم للقاهرة للتعليم وأخرى للقاهرة للدراسة بمعهد الموسيقى العربية، فهى لم تحصل على اللقب من فراغ فقد آمنت بحق بناتها فى التعليم، ولم تحرمهن منه بل يسرته لهم فى زمن لم تكن للفتاة هذا الحق وكان على أقصى تقدير يتعلمن الكتابة والقراءة وكفي، حتى أصبحت أماً لسبعة من المدرسين والمدرسات وحماة لستة من المدرسين والمدرسات.
تحمل المسئولية
ولم يتوقف عطاء الأم المثالية الأولى بمصر عند هذا الحد، حيث حرصت على أن تكون كل ابنة لها هى بمثابة الأم لأختها الأصغر، فخرجن للدنيا متحملات المسئولية وفى الاجازة الصيفية من الداراسة المدرسية والجامعية تجعلهن يقمن بإعداد جهازهن بأنفسهن قبل الزواج، فكنا يقمن بتطريز ملاءات الأسرة والمفارش، فأصبحن على دراية كبيرة بالحرف اليدوية وبارعات فيها وعندما أنهت إحداهن دراستها وحصلت على ترتيب الثانية على «مصر» آنذاك كان لابد من السفر للعمل بمدينة أسيوط، وهنا كان اعتراض العائلة على سفرها فحسم الأب الشيخ الأزهرى الأمر ووافق على السفر لأنه يعلم كيف تربت ابنته وما تحمله من أخلاق وأنها لابد أن تؤدى دورها تجاه بنات مجتمعها وألا تبخل بعلمها عليهن وسافرت تؤدى رسالتها وكان ذلك سنة 1944.
وروت حفيدتها السيدة عايدة سلامة، كواليس الحياة الأسرية فى منزل جدتها زينب الرفاعى وذكرياتها معها، إذ قالت جدتى كان لديها 9 فتيات و3 شباب، كان الأبوان يحرصان على تعليم كلاهما، فى ظل الظروف والوقت الذى لم يكن متاحا به تعليم
الفتيات، حيث وضعوا خطة فى التربية لتعليمهم، فكانت المدينة آنذاك مقتصرة على مرحلة التعليم الأولي، ولم تكن المدارس متوفرة، ما جعل الفتيات يسافرن لتلقى تعليمهن فى مختلف المحافظات.
أضافت عايدة سلامة. إن والدتها السيدة فوزية الكرداوى حصلت على دبلوم المعلمات فى مدرسة داخلية بمدينة الزقازيق واحتلت الترتيب الرابع وسط أشقائها، والثالثة وسط الفتيات فكانت من المتفوقات داخل المدرسة ما أهلها لاستكمال تعليمها بالقاهرة، إذ حصلت على دبلوم المعلمات الراقى عام 1944، والمركز الثانى فى مصر حيث عقد حفل لهم وتكريم داخل قصر عابدين.
ذكرت أن جدها إبراهيم الكرداوى تأثر بفكر زوجته السيدة زينب الرفاعى لذا فقد أصر على بيع الأرض الذى يملكها حتى يستطع استكمال مسيرته مع الأنباء لتلقى تعليمهم ما وجه الانتقادات له بعد ما باع أرضه، فكان يرد بكل منطقية معللاً انه يعطى كل واحدة من الفتيات عزبة خاصة بالتسليح بالعلم، وهو أفضل من الجهل.
لم تقف الانتقادات التى وجهت للأب على بيع أرضه التى يملكها، إذ واجه اللوم من جديد لإتاحته للفتيات مغادرة أرض المنصورة. قام جدى بعمل حفل قبل سفر والدتى وحضره العديد من الأهل والأصدقاء المقربين، وعبروا عن قلقهم خاصة كان النظام المتبع حينها عامًا دراسيًا كاملاً دون العودة، وكان يرد عليهم بضرورة تأدية دورها فى تعليم الأجيال القادمة مثلما تعلمت هي:
قالت عايدة سلامة إن جدتها زينب الرفاعى كانت تقوم بتعليم بناتها أصول الخياطة والحياكة.
حرصت أن تكون كل ابنة لها هى بمثابة الأم لأختها الأصغر، فخرجن للدنيا متحملات المسئولية، وفى الإجازة الصيفية، كانت تجعلهن يعددن جهازهن بأنفسهن، فكن بطرزن ملاءات الأسرة، والمفارش، فأصبحن على دراية كبيرة بالحرف اليدوية وبارعات فيها، ولا تزال تلك المشغولات داخل منزل الأسرة.
عن كواليس الأم المثالية فى تاريخ مصر، قالت الحفيدة، لم تحصل جدتى على اللقب من فراغ فقد آمنت بحق بناتها فى التعليم، ولم تحرمهن منه بل يسرته لهن فى زمن لم يكن للفتيات هذا الحق، وكن على أقصى تقدير يتعلمن الكتابة والقراءة.
أضافت أن الكاتبة الصحفية أمينة السعيد أشادت فى مقال لها بمجلة «المصور» بالسيدة زينب الرفاعى وقالت خلاله إن العبرة ليست فى كثرة أعداد الأولاد، وإنما العبرة فى تربيتهم بشكل جيد وشغلهم أماكن مرموقة داخل المجتمع، معظم البنات كن أنهين دراستهن فى تخصصات مختلفة، وكذلك الشاب فكان الابن الثانى عبدالسلام الكرداوي، يعمل كمدير مدرسة، ومحمود الكرداوى كان مهندساً فى محافظة الإسكندرية، والفتيات كن مدرسات وتزوجن من مدرسين وأطلق على الأسرة اسم «أسرة المعارف» كلهم مربون ومعلمون
كانت السيدة زينب الرفاعى قد أصيبت بعد سنوات من التكريم، بالشلل النصفي، وحتى توفيت عام 1969 وقبل سنوات قامت الأسرة بعمل جروب على تطبيق الرسائل واتساب، يضم الاحفاد والمعارف لتبادل الذكريات عن جدتهم العظيمة أول أم مثالية فى مصر.