إشراف: نهى حامد
«فتش عن المرأة».. مقولة منسوبة لنابليون بونابرت مر عليها الزمن، لكنها مازالت تحمل الكثير من المعانى التى تصف عواقب تدخل النساء فى المطبخ السياسي. تاريخيا، للمرأة دور هام ومؤثر فى الحياة السياسية، وبعضهن خلدن أسمائهن فى سجلات التاريخ بأحداث ووقائع أنارت الحياة فى مختلف الدول. لكن فى الوقت نفسه قد يصبح للسيدات أثر بالغ الخطورة على مصير بلادهن، خاصة إذا اخترن العمل فى الخفاء أو من وراء الكواليس، مع وجود مسئول سواء كان زوجاً أو أحد أفراد العائلة– رضى بدور «الواجهة» لتنفيذ رغبات وقرارات أنثاه. بعض المتسلطات قادرات على اشعال حروب، أو تأجيج صراعات، أو الإطاحة بمسئولين وتنصيب غيرهم دون رادع أو سائل. العمل خلف الستار يلفت الأنظار أكثر من العلن ويعزز فرص المعارضة لتصيد الأخطاء أو ربما كشف المستور فى قصور الحكم، فتكون النتيجة الحتمية للزوجين الحاكمين إما التحقيق، أو العزل أو العزلة.
عام 2024 كان كاشفاً لوجوه حقيقية لعدد من السيدات اللاتى يلعبن أدواراً مؤثرة فى المشهد السياسي لبلادهن وبعضهن كان سبباً فى الفساد وضياع مستقبل الأزواج مثل زوجة رئيس كوريا الجنوبية المستقيل وإخرى يعتبرها الكثيرين السبب الأهم فى المجازر التى ترتكب ضد الفلسطينين وهى سارة زوجة نتنياهو.
كيم يو جونج.. ملامح بريئة وسياسات غامضة
الشقيقة الصغرى «لزعيم» كوريا الشمالية.. ووريثة محتملة للرئاسة
كتبت – منى نصر الدين:
«المرأة الأكثر خطورة فى العالم»، هكذا وُصفت كيم يو جونج شقيقة زعيم كوريا الشمالية التى لعبت الظروف دوراً بارزاً فى تغيير مسار حياتها. فقد صعدت من الظلّ الى السطوع واصبحت أحد أبرز الأوجه فى عالم السياسة للبلاد ممثلة رمزًا «للسلطة والتهديد».
تخفى كيم وراء ملامحها البريئة احلام وطموحات جريئة، بدأت تتجلى عندما قامت بتوجيه التهديدات لجارتهم الجنوبية، وهو ما جعلها جزءاً لا يتجزأ من دوائر السلطة فى نظام سياسى غامض. طوال الأشهر الماضية دافعت كيم يو جونج عن فكرة إطلاق بالونات القمامة على كوريا الجنوبية، ذلك التصرف الذى أثار حفيظة سيول وأشعل موجة من ردود الفعل الغاضبة على المستويين الإقليمى والدولي.
سخرت كيم من ضجر الجارة الجنوبية من القمامة الملقاة على أراضيها – والتى تجاوز عددها 3500 بالون- قائلة إن هذا الأمر يتعلق بـ«حرية التعبير»، وأن البالونات هى «هدايا صادقة» للكوريين الجنوبيين الذين يبكون من أجل حرية التعبير وسيتعين عليهم الاستمرار فى التقاطها.
ولدت شقيقة زعيم كـــوريا الشـــمالية فى 26 سبتمبر 1987 ونشأت فى عزلة نسبية مع شقيقيها كيم جونج تشول وكيم جونج أون فى مجمع خاص فى بيونج يانج، ولا يُعرف الكثير عن حياتها المبكرة، سوى أنها التحقت بمدرسة ابتدائية خاصة فى برن بسويسرا فى التسعينيات قبل أن تعود إلى كوريا الشمالية فى عام 2000.
فى عام 2007 تخرجت فى جامعة شينجيانج للتكنولوجيا، وحصلت على درجة البكالوريوس فى علوم الكمبيوتر من جامعة كيم إيل سونج فى بيونج يانج، وفى العام نفسه عُينت كموظفة مبتدئة فى الحزب الحاكم حزب العمال الكوري.
وبعد إصابة والدها كيم جونج إل بجلطة دماغية فى عام 2008، بدأ أعضاء النخبة السياسية فى كوريا الشمالية فى إضفاء الطابع الرسمى على منصب كيم جونج أون باعتباره الوريث الواضح للسلطة، ومع ارتفاع مكانة كيم جونج أون، ارتفعت أيضًا مكانة أخته.
أول ظهور علنى لها كان فى الصورة الرسمية للمشاركين فى الاجتماع التمثيلى الثالث لحزب عمال شوسون، فى سبتمبر 2010، عندما وقفت بجانب السكرتير الشخصى لوالدها كيم أوك. بعدها بدأت تظهر بشكل روتينى علنًا إلى جانب كيم جونج أون وكبار أعضاء العائلة ومسئولين رفيعى المستوى فى حزب العمال الكوري.
بعد وفاة الاب، عملت كيم يو جونج كواحدة من أقوى حلفاء شقيقها خلال فترة انتقال السلطة، وكانت مسؤولة عن إدارة جدول أعماله. ثم مُنحت منصبًا تحت إشراف لجنة الدفاع الوطنى فى بداية عام 2012 كمديرة للسياحة، لكنها لم تظهر فى التقارير الإخبارية باستثناء نوفمبر 2012، عندما عرض لها التلفزيون المركزى الكورى لقطات من مشاركتها فى عرض عسكري.
فى عام 2014 مرض شقيقها وخضع للعلاج لفترة استوجب معها اختفاؤه عن الأنظار، حينها تم الإعلان عن تعيينها «كمسئول كبير» باللجنة المركزية لحزب العمال الكوري، وتردد أنها ربما تكون قد تولت مهام الدولة لشقيقها المريض.
توالت مشاركة كيم فى الحياة السياسية بجانب شقيقها دون معرفة أى منصب تتولاه، فهى تارة مستشارة للرئيس وأخرى عضو بارز فى الحزب الحاكم، لكنها منذ ذلك الحين نظمت جميع الأحداث العامة الكبرى فى كوريا الشمالية. وقيل إنها شجعت شقيقها على تقديم صورة عنه كـ «رجل الشعب»، من خلال قيامه بجولات فى أرض الواقع، وأيضًا على سبيل المثال، صداقته مع نجم كرة السلة دينيس رودمان.
فى 9 فبراير 2018، حضرت كيم يو جونج حفل افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية 2018 فى كوريا الجنوبية، وكانت هذه هى المرة الأولى التى زار فيها أحد أعضاء أسرة كيم الحاكمة الجارة الجنوبية منذ الحرب الكورية.
دفعت الشائعات حول اعتلال صحة كيم جونج أون عام 2020 إلى التركيز عليها كزعيمة محتملة لقيادة الحكم فى كوريا الشمالية.
ونظرا لخطورة الاخت الصغرى لكيم أصدر الباحث الكورى الجنوبى سونج يون كتاب بعنوان «الأخت: كيم يو جونج من كوريا الشمالية، المرأة الأكثر خطورة فى العالم»، يروى فيه رحلة صعودها إلى السلطة داخل النظام الكورى الشمالى ويصفها بإن لديها خبرة كبيرة فى وظيفتها كنائبة زعيم النظام بحكم الأمر الواقع، وتستعد لتصبح الزعيمة العليا لدولة مسلحة نوويًا يومًا ما.
وقال الكاتب إن كيم يو جونج كانت أكثر من مجرد وجه فى اجتماعات حزب شقيقها، قد يكون كيم جونج أون «الوجه الرئيسى للأمة»، لكن أخته هى «الرقيب الرئيسى والمنفذ».
سارة نتنياهو.. رأس الأفعى الإسرائيلية
رئيس الوزراء الفعلى لدولة الاحتلال.. وزوجها يخضع لأوامرها
بينما يتباهى رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو بوحشيته ودمويته التى يمارسها على الأبرياء فى قطاع غزة، يتصرف كالنعامة أمام الآمر الناهى والحاكم الفعلى لدولة الاحتلال زوجته سارة، التى وصفتها وسائل إعلام عبرية أنها «رئيس الوزراء الحقيقي».
منذ اللحظات الأولى لبدء العدوان الغاشم على قطاع غزة، كان لسارة نتنياهو دور كبير فى تأجيج الحرب وصب المزيد من الزيت على النار لتبقى الأوضاع مشتعلة أملا فى أن يؤدى ذلك إلى استمرار بقائها فى السلطة، أو بقاء زوجها كواجهة لها.
التقت سارة نتنياهو أكثر من مرة بالعشرات من عائلات المحتجزين لدى حماس، لتظهر التعاطف التام، مع الدعوة إلى عودتهم ودعم عائلاتهم. كما تصدرت الكثير من اللقاءات الرسمية لزوجها وكان واضحا تدخلها فى الحوار مع الحضور والرد كشخصية مسئولة وليست فقط كزوجة لرئيس الحكومة.
قالت القناة 12 العبرية إنه خلال احدى لقاءات سارة نتنياهو مع عائلات المحتجزين أظهرت دفاعاً مستميتاً عن الحكومة وعن زوجها، حيث اعترفت بأن الحكومة لم تعلم بأحداث السابع من أكتوبر، وأن المخطط كان أكبر من ذلك، مشيرة إلى أن إيران كانت تريد احتلال أجزاء من إسرائيل.
ووفقا للقناة، ردّ أحد المشاركين فى اللقاء: «أشعر أن الصفقة أصبحت قريبة جداً، والحقيقة أننا وصلنا إلى هنا مع شعور بأن ذلك يمكن أن يحدث فى المستقبل القريب، لكننى أغادر ولدى شعور بأن شيئاً لن يحدث». وهنا تدخلت سارة لتمدح زوجها بقولها: «أتيت إلى هنا ولديّ شعور بأن هناك زعيمًا يفكر فى كل جبهة، نحن مهددون بتدميرنا، وأطلب منكم أن تصدقوا ما أقول وألا تستهينوا بهم».
لم تكتف سارة بالدفاع عن نتنياهو أمام الميكرفونات والشاشات، لكنها فى محاولة مستميتة لتحسين صورته أمام الرأى العام قامت بترهيب الشهود فى قضية الفساد المرفوعة ضد زوجها، وعرقلة العدالة، مما دفع المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية (النائب العام) غالى بهاراف ميارا بطلب التحقيق مع سارة.
كان تقرير فى برنامــج «عــوفدا»، بثته قـــناة 12 التليفزيونية الإسرائيلية قد أشار إلى أن سارة نتنياهو هددت شاهدا فى المحاكمة التى يواجه فيها زوجها اتهامات بالفساد. وأضاف التقرير أنها ضايقت بشكل غير مباشر المستشارة القضائية ونائبها.
وتصاعدت الأزمة بعد التقرير الذى كشف عن مدى نفوذ سارة نتنياهو فى ما وصفه بعضهم بـ»الدولة العميقة» فى إسرائيل، حيث أظهرت التحقيقات علاقاتها الوثيقة مع قيادات الشرطة، وتنظيمها لجانًا إلكترونية تعمل لحسابها، ويشرف عليها عناصر من حزب الليكود.
وكان من الطبيعى أن يخرج نتنياهو مدافعا عن «ولى أمره» واتهم الإعلام الإسرائيلى والسوشيال ميديا والمتظاهرين ضد حكومته بالكذب والمأجورية، وقال إنه يعلم أن تلك الأطراف تستغل زوجته كأداة لضربه سياسيًّا.
لم يكن تقرير «عوفدا» الوحيد الذى يكشف خبايا العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلى وزوجته، فقد كشف تحقيق لصحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية عن وجود «سلطة موازية» تدير شئون الدولة العبرية من وراء الكواليس، متمثلة فى سارة نتنياهو.
سلط التحقيق الضوء على النفوذ غير المسبوق لسارة نتنياهو فى صناعة القرار الإسرائيلي، مشيرا إلى شبكة معقدة من العلاقات والنفوذ أسستها سارة داخل المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية على مدى سنوات، وبحسب الوثائق والشهادات التى استند إليها التحقيق، فإن زوجة رئيس الوزراء أقامت نظامًا موازيًا لصناعة القرار يعتمد على معيار وحيد هو «الولاء الشخصى المطلق».
وحسب رؤية الصحيفة العبرية، هذا المعيار أدى إلى تهميش الكفاءات المهنية وإقصاء أصحاب الخبرات لصالح شبكة من الموالين الذين يدينون بالولاء المطلق لعائلة نتنياهو. وامتد هذا النفوذ ليشمل تعيينات حساسة فى المؤسسة العسكرية والأمنية، ما يثير مخاوف جدية حول تأثير هذه التعيينات على القرارات المصيرية فى ظل الحرب الحالية.
ولفت التحقيق إلى واقعة خطيرة تمثلت فى اعتراف بنيامين نتنياهو نفسه، خلال إحدى جلسات محاكمته فى قضايا الفساد، بقيام زوجته بـ»مبادرات سياسية مستقلة» لم يكن على علم بها. واستشهد التحقيق بشهادات موثقة من مسئولين سابقين وحاليين أكدت وجود «قنوات اتصال موازية» أسستها زوجة رئيس الوزراء مع جهات داخلية وخارجية، متجاوزة بذلك كل الأعراف الدبلوماسية والقانونية المتبعة.
يرجع تأثير سارة نتنياهو على زوجها إلى المرة الأولى التى تولى فيها الحكم فى عام 1996، حينها نشرت الصحف العبرية تصريحات وتسريبات وشهادات عن الدور الحاسم الذى تلعبه فى قرارات زوجها، خاصة فى اختيار أعضاء الحكومة.
ولدت سارة فى مستوطنة -كريات عمال- فى شمال اسرائيل، وعملت فى صباها مراسلة فى مجلة للشباب تابعة لصحيفة -معاريف-. كما عملت فى جيش الاحتلال معدةً نفسيةً، ثم عملت فى قسم العلوم السلوكية فى شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، وحصلت على درجة البكالوريوس فى علم النفس من جامعة تل أبيب عام 1984، ثم درجة الماجستير من الجامعة العبرية فى القدس المحتلة عام 1996.
تزوجت فى 1991، من عضو الكنيست عن -الليكود-، ونائب الوزير حينذاك، بنيامين نتنياهو، وكانت امرأة مطلقة، فقد تزوجت قبل ذلك، عام 1980، من إسرائيلى يدعى دورون نويبرغر. نتنياهو أيضا تزوج وطلق مرتين، وله من إحدى طليقتيه ابنة تنتمى لليهود المتشدّدين (الحريديم)، وقد قطعت علاقتها به منذ سنوات. وله من سارة نتنياهو ابنان أفنر ويائير، الذى لم يخدم فى الجيش، ويقيم فى الولايات المتحدة.
وفق التحقيقات والشهادات الصحفية فى العقود الثلاثة الأخيرة، بعد أن تحولت لـ -السيدة الأولي- تدخّلت سارة نتنياهو فى إدارة شئون دولة الاحتلال، حتى فى القضايا الأمنية والسريّة الحساسة، مثل اقتحامها اجتماع هام فى منزلها بين زوجها وبين رئيس الموساد السابق مئير دغان، الذى توقف عن الحديث عند رؤيتها، لكن نتنياهو طلب منه الاستمرار فى الكلام لأن سارة -شريكة أسراره-.
تضيف «معاريف» واقعة أخرى فى عام 2021عندما تم استدعاء العميد غاى تسور بشكل عاجل للقاء نتنياهو خلال حرب إسرائيل على قطاع غزة فى نفس الوقت، ورغم الحرب، ذهب تسور إلى لقاء نتنياهو، فى فترة كان يسعى فيها إلى تعيين السكرتير العسكرى لرئيس الحكومة، وما أن بدأ اللقاء بينهما حتى دخلت سارة وهمست شيئاً فى أذن نتنياهو، فاستأذن للخروج، وأكملت سارة المقابلة مع تسور، وسألته عن موقفه من خطة الانفصال عن قطاع غزة التى نفذها أرئيل شارون عام 2005. بعد نصف ساعة عاد نتنياهو، جلس دقيقتين مع تسور، وانتهت المقابلة، ولم يحظ الأخير بالمنصب.
من جانبه، يقول المحامى دافيد آرتسى الذى كان مسئولاً كبيراً فى الصناعات الجوية العسكرية الإسرائيلية، وقضى فيها أكثر من أربعين عاماً، إن هناك اتفاقاً خطيّاً بين سارة وبيبى يلزم الأخير باستشارتها فى شئون إدارة البلاد، خاصة تعيين الموظفين الكبار.
وبحسب آرتسي، ينص الاتفاق على ما يلي: منع نتنياهو من الخروج ليلاً دون مرافقتها، حقها فى المشاركة فى الجلسات السرية الحكومية، رغم أنها لا تمتلك تصنيفاً أمنياً يمكنها من ذلك، وتكون مدعوة للمشاركة فى الجلسات بشكل تلقائي، وهى تقرر إن كانت ستحضر أم لا، حقها فى الموافقة المكتوبة على تعيين رئيس هيئة الأركان ورئيسى جهازى الموساد والشاباك، إدارة الشئون المالية لنتنياهو بشكل كامل، بحيث لا يحق لنتنياهو امتلاك بطاقة اعتماد، ويحق لها ذلك، وعند حاجته للمال تقدم سارة له -مصروفه-، وفى حال انتهاك نتنياهو لهذه الشروط ينص الاتفاق على أن تتحول كافة أملاكه إليها.
لم تأت تحكمات سارة فى زوجها من فراغ، ولكنها عقابا له على خيانتها بعد الزواج بعامين، عندما صدم نتنياهو العالم وظهر على الهواء واعترف بخيانة زوجته.
وبحسب «نيويورك تايمز» ظهرت تقارير فى الصحافة العبرية عقب اعترافه، حول شائعات مفادها بأن سارة وافقت على البقاء معه فقط بعد أن جعلته يوقّع على نوع من الاتفاق السرى الذى ينص على أنه لا يستطيع الاتصال بنساء أخريات من دون علمها، ولا يمكنه الذهاب إلى أى مكان دونها.