هذا أبى الفنان محمد عوض، طبعاً تعرفه.. وهذه أمى السيدة قوت القلوب وكيل وزارة السياحة.. وهذه زوجتى راندا، وهى فنانة وأنت تعرفها طبعاً.. أما هذه الصغيرة الأمورة، فهى ابنتى »جميلة«.. وبعد قليل سترى عاطف أخى الذى يدرس فى أكاديمية الفنون.. وهذا علاء أخى الذى شارك فى أكثر من عمل فني.. وهذا أنا.
قلت لصديقى المخرج عادل عوض: تشرفنا يا افندم.
وبعد السلام.. وقبل أن أجلس، جاء الأب وأخذنى من يدى إلى طاولة الطعام.. يلا يا سمارة ناكل لقمة أنا جعان، وإلا فلا يكون قدامك إلا سندوتش جبنة رومى طالعة من الفرن.. هذه أكلة عادل، وأكلتى أيضا.. لكن فى غير مواعيد الطبيخ الرسمية، وكأنى أعرفه من سنوات.. أصبحت فرداً من عائلة «عوض» من أول لقمة.. فهو من الشرقية بجذوره وهى عاصمة الكرم، وإن كان من مواليد العباسية حى الأكابر نجيب محفوظ وصلاح أبوسيف وفؤاد المهندس وعبدالحليم نويرة ساحر الكرة وعبدالكريم صقر وتوفيق الدقن.. وبينه وبين بيتنا خمس دقائق.. زامل فؤاد المهندس فى مدرسة فاروق الأول أو اسماعيل القباني، ولكن المهندس يسبقه بعدة سنوات واشتغل وكان يصرف عليه.. الآن «عوض» تكلف بالعمل إلى جانب الدراسة، لكى يتولى أمره «اخواته البنات» بعد وفاة والده، ونجح فى العمل كما نجح فى الدراسة بجامعة عين شمس قسم فلسفة.. وكان المعيد الذى يقوم بتدريس بعض المواد له الكاتب الكبير أنيس منصور، الذى تفرغ بعد ذلك للصحافة ورأس تحرير مجلات عديدة.
العباسية، حيث الحديقة الكبرى مكان مسجد النور حالياً والمحطة الرئيسية التى تنطلق منها كل أنواع المواصلات، الترام والتروللى والأتوبيس إلى أنحاء القاهرة.. فيها الرياضة والفن والثقافة والجدعنة والحياة الشعبية بكل ما تحمله الكلمة من معني.. وقد حكى الأستاذ عوض كيف كان الأستاذ فؤاد المهندس يخاف من خياله وكانت خطيبته أم أولاده فيما بعد تسكن على أطراف العباسية بالقرب من المقابر والمكان أشبه بالصحراوى وفيه كل كلاب المنطقة.. والمهندس يستدرج «عوض» ويشترى له الحلوى والتسالى ويسرح معه بالكلام حتى يصل إلى بيت خطيبته فى حماية «عوض» الذى لا يجد من يعيده إلى قلب العباسية.. ودون حلوى أو تسالي، إلا ما تبقى منها.. وفى كل مرة يستدرجه الخواف «فؤاد»، يقرر «عوض» ألا يقع فى الفخ، لكنه يفعلها محبة فى صديقه.
ومن فؤاد إلى مسرح الريحاني، يقف على الرصيف المقابل انتظاراً لحضور نجمه المحبوب لكى يراه من بعيد لبعيد وهو ينزل من «الحنطور»، ثم ينتظر حتى يخرج بعد انتهاء العرض، ولكى يجرى خلف الحنطور حتى يصل حيث يسكن فى العمارة الشهيرة «الايموبليا».
عندما امتلك «عوض» شقة فى قلب ميدان التحرير بالقاهرة، تحولت إلى دوار العمدة.. ورغم أنها فى الدور العلوي، لكنهم يصعدون، حسن يوسف ورشدى أباظة وأمين الهنيدى والمهندس وشويكار وخيرية أحمد وسعاد حسنى ونبيل الهجرسي.. وعندما كان «عادل» الابن الأكبر فى طفولته، كانت سعاد تخطفه لكى يكون معها من استوديو إلى آخر، فإذا كبر وتحول إلى الإخراج، فهذا هو الأمر الطبيعي.. ونفس الحال لعلاء الأوسط ولعاطف الذى حصل على الدكتوراة فى فنون تصميم الاستعراضات.. ولم تكن الصغيرة «جميلة» حتى إن بلغت الثانوية العامة تخطط لدخول الوسط الفنى مثل أمها «راندا» التى حاولت ريا وسكينة اختطافها فى المسرحية الشهيرة التى لعبت بطولتها سهير البابلى والأسطورة شادية.
بيت «عوض»، هو بيت الأحبة والكرم.. والزوجة التى عرفها فى كلية الآداب محبة للثقافة والفن بقسم اللغة الانجليزية، وظلت ترافقه فى كل خطوات حياته يداً بيد وكتفاً بكتف فى السراء والضراء، حتى انها لم تتحمل فراقه ورحلت بعده بأربعين يوماً فى ختام درامي، لكى تضع له الأقدار العنوان الأمثل «الحب إلى النهاية».. حافظت على البيت وسط شائعات أحاطت بعوض مع نجمات شهيرات هن الأجمل.. ولكن الرجل الذى لا يعرف الطعن من الخلف ولا الخيانة، كان يعرف أن الست قوت القلوب جوهرة نادرة لا يمكن تعويضها بحال.
حضرت مشكلة وقعت بين صديق عمره «المهندس» وبين عوض، مع متعهد جاء لأخذ مسرحية لهما إلى لبنان.. وفؤاد ليس ميالاً للرحلة لأسباب عديدة نفسية ومادية، ورغم احتياج عوض للرحلة وله فى لبنان جماهيرية هائلة تنتظره.. لكنه جاء فى صف صديقه وتحامل على نفسه، ولم يبلغ فؤاد بشيء، وضاعت الرحلة واحتفظ بصديقه.. وهكذا كان حاله مع أقرب المقربين إليه، وهو سعيد عبدالغنى زميل دراسته فى الآداب والصحفى الذى ظل مرتبطاً بجريدة «الأهرام» رغم انتشاره كممثل، وكان يحرر صفحة أسبوعية عن السينما وأخبارها.. ويشهد الله ونحن فى المهنة ونعرف الكثير من أسرار، أن «عبدالغني» لم يستغل هذه الصفحة أبداً لمصلحته كممثل، حتى إن الغالبية لم تكن تعرف أن الصحفى هو نفسه الممثل، وقالوا إنه تشابه فى الاسماء.. وكان بذلك أهم صحفى محترف دخل مجال التمثيل، لأن الغالبية من الزملاء كانوا يشاركون إما فى أدوار صغيرة أو كظهور شرفي، مثل حلمى هلال «روز اليوسف»، وصلاح جاهين «الأهرام» وفعلها محمود سعد وإبراهيم عيسى وحمدين صباحى مجاملة ليوسف شاهين وخالد يوسف.. هكذا كان «عوض» يستمتع بالوفاء للأصدقاء وبالعطاء، وهى ميزة تخص أكابر النفوس والمشاعر.. ولما اختلفنا أنا وعادل أثناء تصوير فيلم «كريستال» الذى كتبت له السيناريو، انحاز لصفى على حساب ابنه وشرح لى مبرران عادل وكلها خلافات فنية، لأن صداقتى قائمة مع عادل وزوجته وابنته جميلة التى أصبحت من جميلات الفن وقطعت شوطاً هائلاً بحضورها المتميز رغم عمرها الفنى القصير، وقد ربطت اسمها باسم جدها عوض، كما فعلتها أمها «راندا» واختارت «عوض» لكى يكون لقبها وكانت تعيش معه تحت سقف واحد حباً فى الأب والزوجة.. وعندما جاءت جميلة كان من المستحيل أن تفارق جدو لحظة واحدة، فهى فاكهة البيت كله، ولم يكن الفن فى دماغها كما قلت، لكن عادل أراد أن يسجل لحظة فى لقطة عابرة ظهرت خلالها فى فيلم «كريستال» فى مشهد «المولد»، وأمها المتسولة تحملها على كتفها وكانت لقطة للذكري.
الغزو الأمريكي
محمد عوض، أخذ الكثير من الفن.. وبعد نجاحه المدوى فى مسرحية «جلفدان هانم» التى كتبها على أحمد باكثير، التى أخرجها عبدالمنعم مدبولي، لم يتوقف عن المساهمة فى الإنتاج لنفسه ولغيره سينمائياً ومسرحياً، وقد تحولت صرخته الشهيرة: أنا عاطف الأشمونى مؤلف الجنة البائسة إلى حكاية فى الشارع المصرى والعربي.
وبعد رحيل «عوض»، صرخ ابنه عادل فى أكثر من لقاء تليفزيوني:
أين مسرحيات أبى التى تصل إلى المائة؟!.. أين تاريخه؟!.. بعد أن اكتشف أن التليفزيون المصرى لا يذيع سوى 3 مسرحيات فقط من هذا العدد الكبير، إلى جانب عدة أفلام أنتجها «عوض» وبعضها تم تصويره فى لبنان وأمريكا، وقد سافر إلى هناك مع فرقته وطاف الولايات المتحدة كلها واستثمر وجود الفرقة وصور أحد أفلامه هناك «رحلة العجائب» وأخرجه حسن الصيفي، ولعبت بطولته نبيلة عبيد لأن الفرقة كانت تعمل بالمسرحية ليلاً، وبالنهار لديها وقت فراغ، استثمره عوض فى هذا الفيلم.. وبهذه العقيلة الإدارية، ظل محافظاً على فرقته المسرحية التى استنفدت جهده وماله، وهو يدفع إيجار المسرح الذى يأتى عليه الوقت بلا عروض فى مواسم الامتحانات أو لظروف غير عادية تتعرض لها البلاد.. لكن يدفع الأجور والمرتبات، وكان من الزملاء من يرفض أن يتقاضى هذا الأجر بلا عمل.
رحلة أمريكا أثمرت عن حصوله على حقوق توزيع أفلام شارلى شابلن فى مصر.. ولكن هذه العقلية فشلت فى إدارة مشروع زراعى بمنطقة الصالحية على قطعة أرض دفع فيها الكثير، لأنها تحتاج إلى تفرغ تام، ولم يحصل منها إلا على بعض البطيخ والبرتقال، وأخذت منه الكثير.. وهذا هو سر ارتباطه بالسيارات ماركة «فولفو» له ولأولاده، لأنها تتحمل سفره إلى ريف الشرقية بحثاً عن الجنة البائسة.. وهكذا زرع البطيخ، فإذا بالأرض تطرح أفلاماً ومسلسلات ومسرحيات.
أطلق اسم عادل على ابنه الأول، حباً فى الفنان عادل خيرى الذى كان بديله إذا مرض، وخلاف ذلك هو يلعب الأدوار الصغيرة فى فرقة الريحانى وكان صاحبها بديع خيرى مؤلفه الملاكى الذى ارتبط به، وزامل نجيب لسنوات دون أن يعرف أنه مسلم، إلا فى شادر العزاء وهو أيضا ما جرى مع بديع.
كان ينظر إلى «حنطور» الريحانى من بعيد لبعيد، ولما دخل فريق التمثيل بكلية آداب عين شمس وهو يدرس الفلسفة، فكر فى الاستعانة بمحترفات من خارج الجامعة لجذب جماهير الطلاب، وطلب ذلك من عقيلة راتب ومارى منيب وغيرهما، وبكل طيب خاطر استجابوا له، ولما انضم إلى فرقة الريحانى لم يكن له موضع يبدل فيه ملابسه، وأفسحت له مارى منيب بعض الأرفف فى دولابها يضع فيها ما يخصه.. فإذا غاب بطل الفرقة، نادوا على «عوض» من فوق دكة البدلاء لكى ينزل إلى الملعب، حتى رشحه مدبولى ليلعب بطولة «جلفدان هانم».. ويسمى ابنه الثالث باسم بطل المسرحية «عاطف»، وكان قبلها يستعد لأداء دور الأستاذ دسوقى الوكيل بتاعه مع فؤاد المهندس فى مسرحية «أنا وهو وهي»، ولما جاءت «جلفدان» ترك «دسوقي» لصاحب النصيب، ولكى يسأل الناس من هو ذلك الشاب النحيف اللطيف، أنه عادل إمام الذى رفض الكوميديا، ولكن مدبولى بخبرته أقنعه بأنه الأصلح لذلك، وكان وجاءت مسرحية «نمرة ٢ يكسب» لكى تؤكد نجومية «عوض» وتضعه فى الصدارة وكان جديداً أن يخرج بطل المسرحية بشخصيته ويدخل بشخصية أخرى فى نفس اللحظة، فما كان يلهب مشاعر الجمهور، وهو ما يعنى أن عوض أحسن اختيار الشخصيات البديلة لكى تكون بنفس حجمه وطوله، وتوالت عليه عروض السينما، لكنه لم يغفل أبداً عن الإنتاج لكى يحقق رغباته الفنية.. فى هذه المرحلة ارتباط مع حسن يوسف، ويوسف فخرالدين والمخرج حسام الدين مصطفى بأفلام الثلاثيات «الفرسان الثلاثة، الشياطين الثلاثة، شياطين البحر، المساجين الثلاثة».
لم تتوقف رحلات محمد عوض مع فرقة الكوميدى المصرية التى كونها على رحلات أمريكا، فقد لاحظ أن الجاليات العربية تحتفل بهم إلى حد البكاء، لأنها تذكرهم بلغة أوطانهم التى افتقدوا الحديث بها أو الاستماع إليها، فلم تكن هناك أقمار صناعية أو وسائل تواصل والأشواق لكل ما هو عربى يزلزل كيانهم.. لذلك امتدت العروض إلى المكسيك، والفرقة تقدم مسرحيات متنوعة، فيها موسيقى وأغاني، ومعه المطرب الشعبى محمد طه بجلبابه ومزامير فرقته ويتم تغيير أعضاء الفرقة فى أقل الحدود، لكن نبيلة عبيد مع خيرية أحمد الثنائى الدائم، إلى جانب نبيل الهجرسى ويتم استدعاء بعض الأسماء من مصر، كما فعل مع المخرج حسن الصيفى الذى أخرج فيلم «رحلة العجائب» فى أمريكا، وكان من أوائل الأفلام المصرية الملونة، التى عرضها بنظام «سينما سكوب»، وظهر فيه محمد عوض بملابس الكاوبوى ولم يتوقف انتاجه بوجود شركة واحدة، بل أصبحت ثلاث شركات للإنتاج المسرحى والسينمائى وتوزيع الأفلام.
لم يتوقف نجاح «عوض» على المسرح وله فيه تاريخه العريض، والقليل يعرف أن له مسرحيات عالمية وليست كوميدية كما اشتهر عنه.. ومنها على سبيل المثال، مسرحية «القاهرة 80» عن رواية «يوم قُتل الزعيم» للأديب الكبير نجيب محفوظ، التى أعدها مسرحياً وأخرجها سمير العصفورى ومثلت مصر فى مهرجان جرش بالأردن، وكان سعر تذكرة الدخول ٥ دنانير أردنية، وجرى عرضها عام 1989 وكتب عنها الفنان محمد نوح مقالاً نشرته جريدة «الوفد»، أشاد فيه بالعمل الذى خرج على أعلى المستويات الفنية وبأقل الإمكانات مادياً، وكل من شاركوا فى المسرحية أسماء شابة باستثناء عوض بطلها، وظهر فيها لأول مرة الفنان جمال عبدالناصر، وقدم لمحفوظ أيضا «ثرثرة فوق النيل» مع محمود الجندى ولمياء الجداوى وأخرجها أيضا سمير العصفوري، وقدم «سفاح رغم أنفه» تأليف الفرنسى جان جيلون، كما قدم أعمال موليير وشكسبير وشو، فى تجارب متنوعة وغنية.. وبنفس نجاحه المسرحى والسينمائي، أطل على الجمهور تليفزيونياً بمسلسلات «البلياتشو، المعدية، زهرة من بستان، رجال فى المصيدة، قلوب من بسكويت، نوادر جحا، حدث فى بيت القاضي، الطاووس، بنك القلق، ماشى يا دنيا، البرارى والحامول، عش المجانين».. لكنه تحول إلى ممثل شعبى عندما جرى «عرض» مسلسل «برج الحظ» للمخرج يحيى العلمى وتأليف لينين الرملي، وقد تحول اسم العمل إلى شرارة نسبة إلى بطله محمد عوض فى المسلسل، ليكون الاسم مرادفاً للحسد والنحس وهو الطيب البريء.. لكن المصادفة هى التى ربطت بينه وبين الكوارث التى تحدث بوجوده، ورغم مرور أكثر من 45 سنة على عرض المسلسل، لكن الجمهور بمجرد نطق اسم «شرارة»، سوف يستعيذ بالله من حاسد إذا حسد، وهم لا يعرفون مصدر الاسم وحكايته الدرامية.
وهو ما تسبب فى مواقف محرجة عديدة من بعض الناس الذين تفاعلوا مع شخصية «شرارة»، حتى سيطر عليهم الخوف من وجود «عوض» بينهم وهم يعرفون أن المسألة مجرد تمثيل ليس إلا، وغالبا ما كانت تنتهى هذه المواقف بالضحك والاحتفال بعوض، ولم يصدق أحدهم أنه تمثيل، إلا عندما تصادف مشاهدته لعوض فى الشارع، بينما ابنه يزف إليه خبر نجاحه فى الثانوية العامة، ونادى عليه الرجل من البلكونة:
بركاتك يا عم شرارة.. تعالى اشرب الشربات.
الكابتن عوض
امتدت نشاطات «عوض» إلى السد العالي.. فكان يذهب إلى أسوان لكى يقدم مسرحياته، ترفيهاً عن العاملين بهذا المشروع الوطنى العظيم، وحتى تقل اجازاتهم ويتفرغون للمزيد من العمل، وكم من مرة ركب «عوض» قطار البضائع مع ديكورات المسرحية، وكان راضياً مرضياً حتى لو قطع الطريق الذى يبلغ أكثر من 1100 كيلو من القاهرة إلى السد العالي.
وكم من مرة فى فترة حرب الاستنزاف عام 68 إلى 1973، ذهب إلى جبهة القتال يقدم عروضه الترفيهية لجنود مصر الأبطال وهم يتأهبون لتحويل نكسة 67 المؤلمة إلى انتصار أكتوبر 1973 المدوى وكان يحكى لأولاده أن الفنان عندما يشعر بأنه مع دقات نبض الوطن فى الفرح والألم، يؤمن أكثر بدوره ويرد بعض الجميل نحو المجتمع الذى كرمه ومنحه الشهرة والتكريم والتميز.
أحب محمد عوض جمال عبدالناصر وانتهى إلى ثورة 23 يوليو والنهضة التى حققتها فى الصناعة والبناء والتعليم والفن والمعمار.. وكثيراً ما شارك «عوض» فى مهرجانات اعتزال نجوم الكرة لا فرق عنده فى ذلك بين نجوم الأهلى أو الزمالك أو الترسانة أو الاتحاد السكندري.. حتى أصبح من الصعب معرفة هويته، وإن كان الانتماء الأكبر الذى اكتشفته أنه زملكاوى بحكم أغلبية الشلة حسن يوسف وعبدالمنعم مدبولى ورشدى أباظة، وكان عوض فى المباريات هذه لا يعتمد على موهبة كروية، لأن سلاحه أن يقترب من اللاعب الذى معه الكرة ويلقى عليه نكتة أو يقوم بحركة سرعان ما ينهار اللاعب ويترك له الكرة شاكراً، وكان الجمهور يقبل على هذه المباريات وينتظر مسرحيات على أرض الملعب تتم بلا مؤلف، وتسقط فيها قواعد اللعبة.. حتى لو جاء أحد نجوم الفن بمقعد يستريح فوقه قليلاً فى دائرة السنتر أو يقوم بخطف الصفارة من الحكم.. لكن «عوض» كان يفضل أن يقدم للحكم قبلاته وأحضانه لعل وعسى يحتسب له ضربة جزاء حتى لو كانت الكرة عند مرمى فريقه، وليست عند مرمى الخصم.. وللأسف لم تسجل كاميرا التليفزيون مثل هذه المباريات التاريخية، وكان فريد شوقى كبير الأهلاوية يصر على أن يكون هو الكابتن ومن حقه أن يدخن أثناء المباراة لمصلحة الفريق.
فى أيامه الأخيرة، وبعد أن تمكن المرض منه.. كان يسأل عن الأصدقاء والأولاد.. تحيط به الست قوت والأولاد.. وعلى رأسهم جميعاً «جميلة» الحفيدة الأولى والأغلي.. وكان آخر كلماته لابنه عادل:
خلى بالك من جميلة!