تعرضت مدينة لوس أنجلوس وولاية كاليفورنيا الأمريكية لحرائق دمرت أحياء كاملة وأجزاء واسعة من المدينة والولاية. ومع ذلك لم يقترح أحد فى واشنطن أن يتم ترحيل سكان لوس أنجلوس وكاليفورنيا إلى كندا فى الشمال أو المكسيك فى الجنوب، لإعادة بناء وإعمار المدينة والولاية، لتكون ريفييرا أمريكا الشمالية والعالم.
غزة وسكان قطاع غزة، هم ضحايا العدوان الاسرائيلى وضحايا جرائم الحرب الاسرائيلية ومخططات الطرد وترحيل السكان العرب من أرضهم بالقوة، من مخططات اسرائيل والصهونية العالمية القديمة.
يبدو أن الغرب يريد الآن استكمال مشاهد وجرائم التطهير العرقى للسكان فى غزة، تحت العنوان البراق لريفييرا الشرق الأوسط، المفتوحة لأى أحد، ماعدا أبناء الأرض أصحاب الحق فى الأرض من أبناء الشعب الفلسطينى، لكن العالم لم يتحول بعد لقرية غربية ولن يتحول كوكب الأرض إلى قرية غربية مطلقاً.
كشفت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية أن رئيس الوزراء الاسرائيلى نتنياهو سبق له أن اقترح فى وثيقة من تسع صفحات تحويل قطاع غزة إلى دبى أخرى على شاطئ البحر المتوسط، وتم ذلك بالتحديد فى مايو 2024 وهذا يعنى أن تصريحات ترامب جاءت من صندوق نتنياهو واليمين الصهيونى الاسرائيلى العنصرى المتطرف.
رحب صهاينة العالم فى تل أبيب وخارجها بتصريحات ترامب، باعتبارها تضع نهاية لفكرة فلسطين نهائياً، وهذا يعنى أن حرب 1948 لم تنته بعد ولن تنتهى، مادامت اسرائيل دولة قائمة فى فلسطين وفى الشرق الأوسط.
أكدت «واشنطن بوست» الأمريكية أن اقتراح ترامب بترحيل وتهجير سكان غزة إلى الأبد، ليس له سوى معنى واحد وهو إشعال نيران الحرائق والحرب فى كل مكان من الشرق الأوسط، وتورط أمريكا من جديد فى مستنقعات الحرب إلى الأبد.
أثارت اقتراحات التهجير نيران الغضب بين أبناء الشعب الفلسطينى، وفى مصر والأردن والسعودية وجميع الدول العربية.
فكرة خيالية
أجمعت الصحف الأمريكية على أن اقتراحات التهجير من المستحيل قبولها.. وذكرت «نيويورك تايمز» الأمريكية أنه من الواضح أن ترامب لا يريد إعادة رسم خريطة قطاع غزة والشرق الأوسط فقط، بل ان ترامب يريد إعادة رسم خريطة العالم خلال السنوات الأربع المقبلة فى إطار تقاليد الاستعمار فى القرن الـ 19.
تحدث ترامب عن جزيرة جرينلاند، ثم عن ضم كندا وقناة بنما، والآن يتحدث عن استيلاء أمريكا على قطاع غزة، وفى النهاية فإن أمريكا لا تملك أى حق قانونى يبرر امتلاكها لأراضى قطاع غزة وترحيل سكانها بالقوة إلى الدول العربية المجاورة فى مصر والأردن فى جريمة تطهير عرقى كاملة الأبعاد.
تبقى حقيقة، وهى أن غزة ليست أرضاً بلا صاحب، لأن أصحابها مازالوا يعيشون فوقها، حتى وهى فى حالة دمار شامل بسبب العدوان الاسرائيلى.
لن يتمكن ترامب من تنفيذ فكرته الخيالية، إلا اعتماداً على الآلاف من الجنود الأمريكيين، الذين يجب عليهم امتلاك غزة وطرد سكانها منها بالقوة المسلحة، هكذا نجد أن اسرائيل تقوم بقتل عشرات الآلاف ودمرت المبانى والمنشآت فى كل مكان، وفى النهاية يأمر الرئيس الأمريكى ترامب باستكمال العملية القذرة التى قامت بها اسرائيل طوال 16 شهراً من الحرب الدموية المدمرة على قطاع غزة، ونتنياهو يهدد بمواصلة الحرب.
جريمة.. بالقوة الأمريكية
يقول الأمريكى باتريك كينجزلى إن خطة ترامب، غير قابلة للتنفيذ.. وهى خطة ليس لها هدف سوى إسعاد اليمين الاسرائيلى المتطرف بقيادة نتنياهو، والهدف إثارة الخوف والفزع فى قلوب أكثر من مليونى فلسطينى يعيشون وسط الدمار والفزع على مدى 16 شهراً من الحرب.. وأخيراً جاءت المفاجأة الكبرى فى زلزال تصريحات ترامب التى أثارت الغضب فى أوسط الرأى العام الأمريكى، الذى يرفض الفكرة من أساسها، خصوصاً إرسال الآلاف من الجنود الأمريكيين إلى غزة بهدف طرد سكانها منها.
فى النهاية، لن تتم إقامة دولة فلسطين المستقلة، لكن سوف يتم ارتكاب جريمة تطهير عرقى جديدة بالقوة الأمريكية.. وهذه نكبة فلسطينية جديدة بعد نكبة 1948 التى تم فيها طرد 800 ألف فلسطينى من مدنهم وقراهم، لإقامة دولة اسرائيل.. ومن الواضح اليوم أن الفلسطينيين يفضلون الحياة فى الخيام وفى العراء بجوار بيوتهم المدمرة، على ترك أراضيهم والتحول إلى لاجئين بلا أرض أو حقوق فى دولة أخرى.
قالت صحيفة «لوموند» الفرنسية إن الرئيس الأمريكى ترامب حين تولى الرئاسة فى واشنطن، أقسم على الدفاع عن الدستور الأمريكى، وتعهد ترامب بأن مقياس النجاح لديه لن يكون فقط بالحروب التى ينتصر فيها، لكن بالحروب التى يضع نهاية لها، أو بالحروب التى لا يدخلها مطلقاً.
استعمار وإمبريالية
لكننا نجد ترامب يقف فى واشنطن إلى جوار نتنياهو، ليتعهد بالاستيلاء على قطاع غزة، بعد أن يتم طرد أبناء الشعب الفلسطينى نهائياً من أراضيهم هناك، تحت اسم ريفييرا الشرق الأوسط.
تؤكد «لوموند» أن ترامب يتحدث بناء على التحالف الأعمى مع اليمين الاسرائيلى المتطرف.
وقد حدث من قبل خلال فترة رئاسته الأولى، أن أعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقام بنقل السفارة الأمريكية إليها، كما اعترف بالسيادة الاسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية.
اليوم يشارك ترامب بتصريحاته فى جريمة حرب جديدة، ويقترب ترامب خطوة أكبر من اليمين الصهيونى، ويقترب أيضا من إعلان ضم الضفة الغربية لإسرائيل.. وتقول «لوموند» الفرنسية إن هذا ليس له اسم سوى أنه الاستعمار والامبريالية الأمريكية- الاسرائيلية الجديدة.. ترامب يرفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره فوق أرضه فى غزة والقدس والضفة الغربية.
حق القوة
تؤكد «لوموند» الفرنسية أن ترامب يلجأ لسياسة نفى الحق ورفض الاعتراف بالحق، ويلجأ لسياسة «حق القوة» الأمريكية- الاسرائيلية، ويجعل من هذه السياسة المبدأ الحاكم لدى أمريكا، القوة العالمية الأولى.
فى النهاية- كما تقول «لوموند»- لا يمكن إقرار السلام الدائم إلا من خلال حل الدولتين، وليس بالقضاء على الشعب الفلسطينى وطرده بالقوة من أرضه.. العرب يرفضون التطبيع مع اسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة، كما أن مصر والأردن يرفضان أفكار ترامب تماماً، ويرفضان الاشتراك فى جريمة تطهير عرقى وتصفية للقضية الفلسطينية يقودها دونالد ترامب.
وجهان لعملة واحدة
لكن هذه ليست مشكلة ترامب الكبرى فى الأيام الأولى من رئاسته، لأن المشكلة الأكبر والأكثر تعقيداً لديه أزمات الاقتصاد الأمريكى، بعد أن ارتفع حجم الدين القومى الأمريكى إلى 37 تريليون دولار، وارتفع حجم العجز فى الموازنة الفيدرالية الأمريكية إلى نحو 2 تريليون دولار.. مأزق غزة ليس هو الأوحد فى جدول أعمال دونالد ترامب.
يتساءل المراقبون حول العالم، هل هذا هو النظام العالمى الجديد، أم أن العالم أصبح قرية أمريكية؟!.. أمريكا يمكن أن تقدم الدعم بالمال والسلاح لإسرائيل، ولكن هل يمكن أن تصبح أمريكا واسرائيل وجهان لعملة واحدة وإلى هذه الدرجة؟!
هل يمكن أن يتصور أحد أن الرئيس الأمريكى يقوم بالتخطيط المباشر لليمين الصهيونى المتطرف فى تل أبيب؟!.. وهل يمكن أن تقوم أمريكا بدور الاحتلال الاسرائيلى والاستيطان فى غزة لحساب اسرائيل؟!
أفكار ملياردير العقارات
هل يمكن أن يصبح الجيش الأمريكى فى خدمة الاحتلال الإسرائيلى لقطاع غزة، وأن تتم عملية التطهير العرقى تحت رايات الأعلام الأمريكية؟!
تساءلت «نيويورك تايمز» وقالت: كيف يفكر دونالد ترامب؟!، وقالت: هذه صفقات ملياردير العقارات الكبير فى مدينة نيويورك، وهذا فن الصفقات فى البيت الأبيض على طريقة دونالد ترامب!.. هل هى المقامرة أم التفاوض، أم التطهير العرقى الأنيق باسم ريفييرا الشرق الأوسط؟!
لقد وقف رئيس الوزراء الاسرائيلى نتنياهو بجوار ترامب وهو يبتسم، وهو يتصور أنه الثعلب الصهيونى الكبير، أذكى من فى اسرائيل والعالم، بما يؤكد للرأى العام فى تل أبيب أنه يقود اسرائيل إلى الأمن والتوسع الإقليمى والاستيطان بلا حدود.
اقتراح يهز إسرائيل
اعترف الاسرائيلى دان بيرى بأن شطحات ترامب الخيالية مستحيلة التنفيذ، بل انها تشكل خطراً شديداً حتى على الواقع السياسى الاسرائيلى.
قال فى «الجيروزاليم بوست» إن تصريحات ترامب الجنونية بترحيل وتهجير أكثر من مليونى فلسطينى من غزة وتحويل الأرض هناك إلى ريفييرا الشرق الأوسط بعد أن تقوم أمريكا بالاستيلاء عليها، يمكن أن تهز الواقع السياسى الاسرائيلى ذاتها بعنف.
تساءل دان بيرى: هل يمكن إرهاب وإجبار أبناء الشعب الفلسطينى على الرحيل ومغادرة غزة بالقوة؟!، ويؤكد أن اقتراح ترامب ليس إلا رسالة ميتة بكلمات غير قابلة للحياة أو للتنفيذ على أرض الواقع.
وقد رفضت جميع الدول العربية بقيادة مصر اقتراح ترامب نهائياً، ورفضه الفلسطينيون.. وفى النهاية لابد أن نعترف بأن الدولة الفلسطينية هى مصدر وجود وحياة أى إنسان فلسطينى، ولن يقبل الشعب الأمريكى بأن يتورط الجيش الأمريكى فى مستنقع الحروب وإراقة الدماء فى الشرق الأوسط من أجل تنفيذ شطحات ترامب الخيالية وصفقاته التى لا تقبل التنفيذ، ثم ان ترامب نفسه يقول إنه لا يريد الحرب.
يؤكد الاسرائيلى دان بيرى أن تصريحات ترامب لا تمثل رؤية استراتيجية على الاطلاق، وإذا كانت مجرد صفقة فإنها صفقة خائبة لن يستجيب لها أحد نهائياً.
تهديد للسلام مع مصر
حذرت صحف تل أبيب بشدة من أن مقترحات ترامب تشكل تهديداً خطيراً ولم يسبق له مثيل لاتفاقية السلام بين مصر واسرائيل، وهى حجر الزاوية للأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط على مدى 50 عاماً مضت.
أكدت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن اقتراح ترامب يهدد بالفعل اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل، وقالت إن مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى ترى فى مخططات تهجير أبناء غزة ما يهدد أمنها القومى بصورة مباشرة.
أوضحت «واشنطن بوست» أن مصر قد خاضت حرباً طويلة ضد الارهاب فى سيناء وبذلت جهوداً أمنية جبارة من أجل نشر الأمن والاستقرار فى سيناء، وتقوم حاليا بواحد من أكبر مشروعاتها القومية للتنمية الاقتصادية والبشرية فى سيناء، ولا يمكن أن تقبل مصر بأن تتعرض مشروعاتها التنموية الكبرى لأى خطر.
القمة العربية
تقوم مصر حاليا بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بالإعداد لعقد قمة عربية طارئة فى القاهرة خلال الأيام المقبلة، القضية من أجل توحيد المواقف والرؤى العربية تجاه مقترحات ترامب.
تقوم المواقف المصرية والعربية على أسس ثابتة وواضحة لا تتغير، وهى أولاً رفض التهجير والتطهير العرقى لأبناء الشعب الفلسطينى فى غزة، وثانياً رفض أى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، ثالثاً ضرورة التمسك بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة فى حدود الرابع من يونيو 1967 وأنه لا بديل لقيام دولة فلسطينية فوق أرض فلسطين.
لا.. للتطاول الإسرائيلى
لم تتردد مصر فى أن تدين بشدة تطاول كبار المسئولين فى اسرائيل الذين طالبوا بإقامة الدولة الفلسطينية فى أراضى المملكة العربية السعودية.
وقد أعلنت المملكة العربية السعودية من جديد تمسكها بمبادرة السلام العربية ورفضها أى مشروعات صهيونية لا تؤدى لقيام دولة فلسطينية مستقلة فى غزة والضفة الغربية والقدس.
هناك موقف عربى موحد يقف صفاً واحداً ضد المشروع الصهيونى، وضد جرائم الحرب الاسرائيلية وضد التهجير وكل محاولات تصفية القضية الفلسطينية.
يأتى انعقاد القمة العربية الاستثنائية فى توقيت مهم للغاية.. الأمريكيون يعتبرون أن الرئيس ترامب تولى الرئاسة فى نقطة تحول تاريخية بالنسبة للولايات المتحدة، ويبدو انها أيضا نقطة تحول تاريخية لعلاقات أمريكا بكل الحلفاء والشركاء وحتى الأعداء، وهى أيضا نقطة تحول بالنسبة للعالم العربى.
لم يتحول العالم بعد إلى قرية أمريكية، ويقول ضابط المخابرات البريطانى السابق أندرو فوكس إن ترامب يستعرض قوة وعضلات أمريكا فى الشرق الأوسط وحول العالم.. لكن ما يطرحه ترامب حول غزة يعتبر من الشطحات الخيالية البعيدة جداً، هو يحاول استعراض قوة وعضلات أمريكا حتى يحصل على ما يريده، أو حتى يحصل على شىء يمكن أن يقدمه ويقوم بتسويقه لدى الرأى العام الأمريكى على أنه انتصار جديد لأمريكا ولترامب، كما يفعل مع كندا والمكسيك والصين.