بعد اعتذار وتنحى كامل بك عزيز وكيل النائب العام فى الإسكندرية عن قضية ريا وسكينة بعد أن ظل 12 يومًا يحقق دون جدوى ولم يصل إلى أى دليل إدانة دامغ ضد ريا وسكينة، كلفت سلطة الاحتلال النائب العام سليمان بك عزيز وكيل النيابة العمومية ورئيس نيابة القاهرة لاستكمال التحقيقات وبعد ثلاثة أيام من وصوله انتهى لاتهام ريا وسكينة بقتل وسرقة السيدات. ورغم تضارب الاعترافات وتعارضها، ورغم الإعلان عن قتل (24) سيدة ولم يتم الافصاح سوى عن (17) منهن فقط، ورغم وصف جميعهن بالبغايا، واتهامهما بتنفيذ القتل والسرقة من خلال إدارة بيوت سرية للأعمال المنافية للآداب، الا ان بيوت وملاهى الهوى كانت مرخصة ومعلنة فى ذاك الزمن بناء على رغبات الاحتلال، وتم فرض هذا السلوك الشاذ على المجتمع المصري، فما الداعى من قيام المتهمتين بأعمالهما المنافية للآداب سرا. ورغم أن حالة الإعدام الوحيدة لامرأة كانت فى سنة 1883.. مع بداية إنشاء المحاكم الأهلية، إلا ان الاحتلال اصر على تنفيذ الاعدام فى هاتين السيدتين حتى يكونا عبرة لمن تحاول الوقوف ضد الاحتلال. ويبدو ان الفريد ملنر (1854-1925) وزير المستعمرات البريطانية فى توقيت واقعة ريا وسكينة (1919 ـ 1921) كان يهوى تشويه سمعة المناضلين اتباعا للسياسة العامة للاحتلال فى تشويه الحقائق وتعمية الرأى العام وتغييب الوعى الجمعى لدى الشعوب المحتلة والمستنزفة وكذلك فعل سابقه والتر لونج (1854-1924) مع الزعيم سعد زغلول، ومن قبلهما الأسبق الفريد ليتلتون (1857-1913) الذى اتهم الزعيم مصطفى كامل، ومن بعدهم ونستون ترشل (1874-1965). ولا ينكر أحد أن الاحتلال أيا كان اسمه بريطانياً، فرنسياً، صهيونياً فجميعهم يمارسون ذات السلوك الدعائى العدائى تجاه النماذج البطلة لدى الشعوب المحتلة، فتصم حكومات دول الاحتلال جميع المقاومين من الوطنيين بأنهم ارهابيون، وتلاحقهم بالصفات الاجرامية، كما لا تتحرج فى توجيه الادانات العلنية لهؤلاء الفدائيين الوطنيين، كما كان يفعل الصهاينة ضد أهالينا الأبطال فى سيناء فى الفترة ما بين يونيه 67 وقبيل أكتوبر 73، وكذلك فعل الانجليز ضد نيلسون مانديلا وسجنوه بتهمة مقاومة سلطة الاحتلال وألقى القبض عليه مراراً وتكراراً لأنشطة مثيرة للفتنة، وحوكم بالخيانة 1956-1961 ثم أُلقى القبض عليه بتهمة الاعتداء على أهداف حكومية، وفى عام 1962 أُدين بالتخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، وحكمت عليه محكمة ريفونيا بالسجن مدى الحياة، ومكث مانديلا 27 عاماً فى السجن. كذلك فعل الانجليز فى الهندوستان وتم سجن الماهاتما غندي، وقام أرشيبالد ويفل نائب ملك بريطانيا وحاكم الهند بسجن غاندى واتهمه بتبنى مؤامرة للإطاحة بالحُكم والنفوذ البريطانيّ وإنشاء هندو راج، ووصفه بأنَّه سياسى خبيث، وحقود، وذكى للغاية… ونعود لفرضية فدائية ريا وسكينة، ومن خلال مشهد النهاية فى فيلم «حرب كرموز» عندما أعلن قائد الشرطة المصرية: «حكمت المحكمة العسكرية على المتهم يوسف امين المصرى بالاعدام رميا بالرصاص وذلك بتهمة القتل العمد والتمرد على الاوامر العسكرية فى وقت الحرب وتعريض حياة المدنيين للخطر».. وهنا تقدم قائد الشرطة وهمس للبطل المصرى الذى قتل عدداً من جنود وضباط الاحتلال البريطانى وقال له: «أنت مذنب يا يوسف» فرد يوسف مستسلما لقدره ومؤمنا بقتله للانجليز: «ايوة ، مذنب» فقاطعه قائد الشرطة المصرية، وبإيمان لا يقل عن قناعة يوسف بقتله للانجليز: «لا مش مذنب يا يوسف، انت ما قتلتش غير دفاعاً عن النفس، وما تمردتش على الاوامر العسكرية انت اتمردت على ناس ما لهمش انهم يدوك اوامر، وما عرضتش حياة المدنيين للخطر، انت دافعت عنهم وعن شرفهم».