الداعون لها يجعلون منها هدفاً لا نتيجة.. ورياضة لها مدربون و«منتخبات»
استغلال الشباب والمراهقين و«الموتورين».. فى إثارة «الحراك المجتمعى»
الثورات الملونة تمت بتنسيق مطلق وتدريب مسبق
«العائدون».. يحملون موازين مختلة للقيم.. اغتراب نفسى.. وغرابة فى التفكير
هناك «مراكز» ودول متخصصة فى التدريب على «رياضة التثوير»
أكتب هذه الأكتوبة بمناسبة «ثورة» بنجلاديش التى ما فتئ بعض المغرضين يستغلها ويسقطها على البلدان «المراد تثوير» أهلها، لذا أكتب عن اختطاف حقيقة الثورة من كونها فعلا إنسانيًا نادرًا وحدثًا فريدًا فى عمر الشعوب والأمم وتحويلها إلى ما أسميه «رياضة التثوير» من أجل «عولمة كتالوج الثورة» وتنفيذه كلما أريد تنفيذه. وسيأتى بعد ذلك بيان مراحل التثوير من حيث التخطيط ثم التسخيط ثم التقنيط، ثم مزاعم التفريط والتنميط، ثم التمطيط والتوريط والتغميط، ثم التنويط والتخليط والتسليط، ثم التوسيط والتشطيط والتوريط، ثم التحنيط.. وهى مراحل سيربطها القارئ الكريم بوقائع عايشناها فى فترة من الفترات، وفيما يلى بيان ذلك.
يبدو أن العولمة الطاغية آخذة فى مسخ كل أوجه التفرد بين البشر أفرادًا وأممًا، حتى صار للغضب مثلاً، تعبير على الوجوه والألسن يتناقله البشر ويكررونه وإن تباعدت الجغرافيا، وللتعليم مسارات «معولمة» تزاحم البرامج التعليمية الوطنية، وعلى ذلك فقِس!.
لكن العجيب أن ترى فى موجة «الثورات الملونة» التى بدأت منذ العقد الأول للقرن الحادى والعشرين فى بلاد متباعدة فى الانتماء القارى والثقافي، كل هذا التقارب من حيث البداية والمضمون وسوء المآل! لذلك، تستهدف هذه الأكتوبة رصد أوجه التماثل التى ربما ترقى لأن تكون «كتالوجًا» أو «مقياسًا»، «بلغة الدراسات الإنسانية والاجتماعية» لما يحدث فى البلدان المراد «تثوير» أهلها. وسيلى ذلك –بإذن الله– عرض لأهم سمات ذلك «الكتالوج» وأساليبه من واقع الرصد والمتابعة.
أولاً: أصبحت «عولمة التثوير» قافزة على الخصوصيات التى توجب الاختلاف فى أسباب الغضب وتجلياته وتعبيراته؛ حتى كادت تلك الخصوصيات تذوب ذوبانًا عجيبًا بين أمم لا جامع بينها من حيث الثقافة ولا التاريخ ولا الجغرافيا والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ثانيًا: أصبح التثوير «رياضة» لها «مدربون» و»منتخبات» «أي: نخب» يُلتَجَأ إليها فى «المُلمات».. أى حيثما وكلما ظهرت إرادة لتثوير شعب من الشعوب.
ثالثًا: الثورات لحظات فارقة قليلة –بل نادرة– فى تواريخ الأمم، تتباين فى أسبابها وخطواتها ونتائجها، لكنها اليوم أصبحت أقرب ما تكون إلى نمط واحد كما سيأتى بيانه؛ بل أصبح لها منتديات ومراكز «للتدريب» على خطواتها وكيفية تنفيذها ومقاومة ما يعترضها!.
رابعًا: الثورات فى حقيقتها تنم عن أعراض مرضية على مستويات شتى فى أمة ما أو مجتمع ما، بما يفضى إلى قيامها.. أى أنها نتيجة تفاعلات شتى على مدى زمنى طويل.. أما اليوم فالداعون إليها يجعلون منها هدفًا لا نتيجة، ويرغّبون فيها بمنطق «ثوروا تَصِحّوا»!.
خامسًا: كتالوج التثوير الحالى له سمة أصيلة أسميها «مغايرة الوسائط»؛ بمعنى أن الحاصل على أرض الواقع والانشغال الأمين بمستقبل الأمة يقتضى معايشة كل تفصيلة من تفاصيل الحياة الباعثة على الغضب «الحقيقي، لا المصطنع» ثم الثورة «التلقائية» التى تعبر عن تلاقٍ غير منسق «بالكامل» بين عموم الناس وقيادات مؤسسية أو فردية– مؤسسية «حزبية – حركية»؛ أما «رياضة التثوير» فقد أنتجت الثورات الملونة «مثل ما يسمى بالثورة البرتقالية فى شرق أوروبا» أو الثورات المزهرة «مثل ما يسمى بثورة الياسمين فى تونس أو الصبار فى مصر» بناء على «تدريب» مسبق وتنسيق «مطلق» وعدم اكتفاء بالداخل: أى بأصحاب القضية والوطن! فضلاً عن مغايرة الوسائط من حيث التحشيد والتعبئة والتسخيط لا عبر الشارع والمنشورات كما فى القديم، بل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. أى أن ما يسمى بالثورة يتشكل افتراضيًا ثم ينزل إلى الشارع، وبعدها يحدث «التطاعُم»: أى التغذية المتبادلة بين الافتراضى والواقعي.
سادسًا: ربطًا بفكرة وجود «مراكز» ودول متخصصة فى التدريب على «رياضة التثوير»، إذا بنا نجد لذلك نتيجة ما كان المرء يتخيلها.. ولبيان ذلك أقول إن منطقتنا عانت أشد المعاناة من فكرة «العائدين»؛ أى شباب البلدان العربية الذى سافر للحرب فى مكان ما بزعم نصرة الدين ثم عاد إلى بلاده محمَّلاً بغربة النَّفْس وغرابة الفِكْر، واستحلال الحرام وتحريم الحلال، وتعجيل ما حقه التريث وتأجيل ما حقه التعجيل، وهكذا، وفق موازين مختلة فكرًا وفلسفةً وفهمًا وفقهًا وإدراكًا.. فأضحى عندنا العائدون من أفغانستان «إبان الحرب السوفيتية» والبلقان والبوسنة والهرسك ثم العراق وسوريا ثم أفغانستان مجددًا وهكذا.. هؤلاء العائدون لا يحسنون فنًا فى الحياة إلا الحرب والقتل، ولا يفهمون من الدين إلا فرضه وفق فهم سقيم.. لكن «رياضة التثوير» أنتجت لدينا أيضًا فكرة «العائدين» من التثوير.. بمعنى أصحاب التجارب السابقة فى إشعال الثورات وتأجيجها وتقديم مصالحهم الفردية والجماعية والحزبية على مصالح الأمم والشعوب، وهكذا. وسيظل هؤلاء حملة سلاح رصاصاته المفاهيم المغلوطة والنصوص المجتزأة، يمارسون «رياضة التثوير» «من بُعد»، ويجدون لأنفسهم ملاذًا فى بلدان أخرى غير البلدان التى يرجون فيها التثوير!
سابعًا: من فصول «كتالوج التثوير» أيضًا فصلٌ معنيٌّ بتحديد الفئات المستهدفة لإفشاء رسائل التثوير والتعويل عليهم فى النهوض بمقتضياتها.. تلكم الفئات هى الشباب والموتورون بالأساس، ثم أى ملتحق بهم لأى سبب. وهذه الوسوسة لتلك الفئات مبنية على استنهاض روح «الثأر» المزعوم عند الموتورين الذين يبتنون ماضيًا بروايات مكذوبة لكنها تجد رواجًا عندهم وعند غيرهم «كحالة الجماعة الإرهابية فى مصر»، أو على حقيقة سكانية مفادها أن نحو ستين فى المائة من شعبنا هم دون الأربعين من العمر.. والشريحة الأكبر منهم من صغار الشباب والمراهقين الذين لم يعاصروا أحداثًا جسامًا، بل يرون «استنساخًا» لكتالوج الثورات من حولهم، وبذلك يتسنى التلاعب بمعارفهم وذاكرتهم وفهومهم من أجل التثوير.. فهل تكون ميزتنا الأكبر «شبابية المجتمع» هى نكبتنا؟ لأننا بصدد أجيال شابة لم تر ولم تشهد ولا تعرف سوى التطلعات غير المنطقية كما وكيفا وكيفية.