نحتفل هذه الأيام بالذكرى الحادية والخمسين لانتصارات أكتوبر المجيدة التى تحمل معها رائحة المجد والشرف، وتعيد تنشيط الذاكرة الجمعية بما كنا فيه من تحديات وآلام وانكسارات.. وكيف استطاع المصريون التفوق حتى على أنفسهم قبل أن ينتصروا على عدوهم المتغطرس وأعوانه الذين أمدوه ولايزالون بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخباراتية التى أمدت فى عمر المعركة الكبرى التى كاد المصريون يحسمونها فى ست ساعات فقط أفقدوا خلالها عدوهم توازنه وعلموه درساً أحسبه لن ينساه أبداً بعد أن صار لمصر درع وسيف ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
الحق لا يضيع بالتقادم.. هذا أول درس تعلمناه من نصر أكتوبر، وأن عزيمة المصرى لا يفت فى عضدها الحديد متى آمن بحقه وتهيأت الظروف لاسترداده، وأنه لا تنقصنا القوة ولا القدرة على مسايرة أحدث مستجدات العصر وأن المصريين قادرون على تطوير قدراتهم بسرعة مذهلة فى أحلك ساعات الشدة وأكثرها إظلاماً.. والسؤال: هل لا تزال روح أكتوبر حاضرة فى نفوسنا.. وهل تعرف أجيالنا الجديدة مدى عظمة تلك الروح.
إعلامنا وصحافتنا لعبا دوراً استباقياً بالتمويه والخداع الإستراتيجى الذى رسمته القيادة السياسية قبيل الحرب لتضليل العدو، فخاطبت الجبهة الداخلية بلغة والعالم الخارجى بلغة مغايرة؛ وهو ما خلق جواً من التكتم والتعتيم انطلى على أعتى أجهزة المخابرات العالمية وقتها، فضلاً على «الموساد الإسرائيلي» حتى تكونت لديهم قناعة راسخة بأن مصر لن تحارب أبداً وهو ما مهد الطريق أمام قواتنا لصياغة ملحمة قتالية صنعت انتصارات هى معجزة بكل مقاييس العلوم العسكرية توقف أمامها الخبراء بالإعجاب والفحص والدرس واستخلاص الفوائد.
إعلامنا وصحافتنا كانا فى طليعة معركة أكتوبر 73؛ تشد من أزر الرجال، وتسجل كأحسن ما يكون تفاصيل المعارك على الأرض ومشاهد البطولة لحظة بلحظة ليعلم أهل مصر والعالم أجمع كيف ضحى الرجال وكيف تفوقوا وكتبوا بدمائهم الزكية أروع قصص البطولة والوطنية والفداء.
كان شعبنا وجيشنا وشرطتنا وقيادتنا مضرب الأمثال فى الشجاعة والحكمة والصمود والجرأة والتحمل والإخلاص وحب الأوطان والكفاءة وعبقرية التخطيط ودقة التنفيذ بروح قتالية لا مثيل لها.. ولمَ لا والكل كان على قلب رجل واحد والجبهة الداخلية موحدة ليس فيها خائن ولا متخاذل ولا مثبط.. ليس فيها تاجر جشع يستحل قوت الفقراء فيغالى فى الأسعار أو يخفى السلع احتكارًا وتعطيشًا للسوق مستغلاً للأزمات كما يحدث الآن بكل أسف.. ولم يكن هناك طبيب يغالى فى فيزيتا الكشف ولا مدرس يتعايش من الدروس الخصوصية بأرقام لا طاقة لأولياء الأمور بها.. وإعلامنا على أعلى مستوى من المهنية والكفاءة والاستنارة والوطنية فنال احترام الجمهور وحفر مصداقيته بأحرف من نور فى الذاكرة القومية.
ربما يقول قائل: ألسنا اليوم نعيش ظروفاً مشابهة لما كنا فيه قبل نصف قرن غداة العبور العظيم؛ أليست الدولة مضطرة لخوض حرب ضروس ضد الشائعات وأهل الشر والإرهاب وأخطبوط الفساد والإهمال والسلوكيات الخاطئة اجتماعيًا كالتواكل والخرافة والواسطة والمحسوبية وغيرها.. ألسنا نعانى ظروفاً اقتصادية مؤلمة فرضتها تداعيات أحداث يناير 2011 وجائحة كورونا والحرب الأوكرانية وحرب غزة ولبنان وما تبعها من تداعيات اقتصادية صعبة.
إن ما يعيشه بلدنا اليوم من تحديات جسام يجعل معركة الإعلام أشد خطراً مما واجهناه صبيحة يونيو 1967؛ الأمر الذى يعظم الدور الفعال للصحافة والإعلام فى معركة أساسها الفكر والوعي، ورأس الحربة فيها الإعلام والصحافة والرأى العام وتوجيه العقول.
وتتعاظم الصعوبات والتحديات الاقتصادية والجيوسياسية لمنطقة تكاد تتفجر بحروب إقليمية وربما عالمية وشيكة.
والصحافة فى كل الدنيا هى المعبرة عن أحوال الناس وآمالهم.. تترصد الفساد وتفجر القضايا بموضوعية وحياد.. تنقل الأخبار المحلية والدولية وتحلل وتستخلص دلالاتها ومؤشراتها لتضعها بين يدى قارئها وصانع القرار معاً.. وهى بهذا المعنى لسان حال المجتمع، المعبرة عن نبضه، المدافعة عن قضاياه ومصالحه واتجاهاته وطموحاته.