نعيش حقبة زمنية غير مسبوقة نرصد فيها حالة من التفكك والتصدع بين المجتمعات، وهذا ما أدى إلى غياب المعيارية فى تناول القضايا ذات الشأن؛ فصار هنالك صعوبة فى إعمال الحق دحرًا للباطل، وفى تطبيق العدل انهاءً لحلقات الظلم، وبالحقيقة فى سبيل تفنيد الزيف؛ فما نراه بوضوح تخلى الضمير الإنسانى عن الخير المطلق، واختيار النفعية المتمثلة فى المادية السبيل والطريق الأوحد، وهذا الخطر الداهم لا سبيل لمواجهته إلا بتفعيل النسق القيمى الذى يعيد الحق لأهله، ويعلو من قيمة الإنسان، ويؤكد على مفردات الطبيعية الإنسانية الخيرة، وينزع فتيل التنافس غير المحمود، ويستبدله بالتكافل والشراكة والتعاون فى صورتها الحميدة التى تضمن البقاء ونقاء النفوس؛ فتشيع ثقافة التسامح بين الناس والتعايش المبنى على أسس الاحترام والمودة والتقدير.
وتشير ماهية القيمة فى الوجدان إلى معيار ومبدأ يقبله المجتمع ويقره ويتمسك به، ومن ثم يسعى من خلال مؤسساته الرسمية وغير الرسمية إلى تشكيل المعتقد الراسخ لهذه القيمة؛ لتصبح إحدى لبنات التفكير ومكون رئيس للقناعة الذاتية، وفى ضوء ذلك تعد موجهة للسلوك فى إطاره الحسن؛ ليتناغم مع أهداف المجتمع الكبرى عبر ممارسات وأقول تصدر من شخص يعى ما عليه من واجبات فيؤديها، ويدرك ما له من حقوق؛ فيطالب بها بالطرائق المشروعة.
ولنوقن بأن الإنسان منا إذا ما عزز لديه النسق القيمي، وترسخت القناعات لديه نحوه؛ فإن سعيه الحثيث تجاه اكتساب الخبرات النافعة فى مجال أو عدة مجالات سيكون مستداما؛ فلا يتوقف عن العمل المتقن والجاد، ولا يسمح بالتهاون فى حقوق العباد والوطن، ولا يضع للمصالح الخاصة قوسا منزعا؛ لشعوره بتحمل المسئولية؛ فهويته القومية تدعمها وتعضدها منظومة النسق القيمى دون مواربة؛ لذا أضحى اعتزازه ومحبته وولاؤه وانتماؤه لوطنه العامل المشترك الأعظم مع المخلصين من أمثاله ببلادنا الحبيبة التى تذخر بثروات بشرية معطاءة.
ولندرك أن استراتيجية المغرض الذى يود الفتك بنسيج المجتمع المصرى وتفتيت لحمته على المدى البعيد تقوم على محاولات ممنهجة تعمل بقوة على إضعاف النسق القيمي، واستبداله بقيم مستوردة لا تتفق مع صحيح المعتقد ولا تتناغم مع مقاصد الشريعة ولا تتسق مع ما يرتضيه المجتمع الأصيل، وهذا يجعلنا نستفيق وندرك أهمية تعزيز النسق القيمى فى النفوس وضرورة غرس الخبرات التى تعضده فى ممارسات شبابنا وأبنائنا بمختلف الأعمار؛ فمما لا شك فيه أن قيمتنا المتجذرة فى جنبات النفوس والتى نسميها بالقيم النبيلة لا غنى عنها؛ فما احوجنا للصدق، والمحبة، والنزاهة، والشفافية، والأمانة، والشرف، والعزة، والمسئولية الاجتماعية، والتكافل، والمساواة والعدالة، وحفظ الكرامة، والحرية المسئولة التى تحترم مشاعر الآخرين، واحترام المعتقدات، والتسامح وقبول الآخر، واحترام التنوع الثقافي، وتقدير العلم والعلماء، واحترام رموز الدولة، والاعتزاز بالحضارة.. وللحديث بقية