على قدر الجهد والعرق يأتي الحصاد، وعلى مدى عشر سنوات لم تجتهد الدولة فقط بل قاتلت، لم تدخر وسعًا إلا وبذلته، ولا طريقًا إلا وسلكته، ولا فرصة إلا استثمرتها، من أجل البناء، في كل المجالات انجازات تسجل، وفى كل الملفات تغيير ملموس، وفي كل القطاعات نقلة مختلفة، أرقام ما كنا نسمعها إلا في إطار الأحلام التي نتمناها والدولة التي كنا نسعى أن نراها.
لكننا الآن نعيشها واقعاً، ونحصد ثمارها، نلمس بأيدينا التنمية التي تجسدت على الأرض، حصاد القمح في توشكى ليس كل شيء بل هو رسالة ورمزية لحصاد أكبر تحققه الدولة المصرية الآن، القمح عنوان الأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي، ولهذا يأتي يوم حصاده عيدًا، وبالأمس كان العيد عيدين، عيد حصاد محصول القمح، وعيد الاحتفال بعودة توشكى من خلال نصف مليون فدان جديدة انضمت للرقعة الزراعية، مثل هذا الرقم كان يحتاج عقودًا حتى نسمعه، لكنه تحقق في سنوات معدودة، وكخطوة أولى وليست أخيرة، الرقعة الزراعية ستزيد أكثر وأكثر خلال السنوات القادمة، المخطط الوصول إلى 4.5 مليون فدان والحصاد سيتوسع.
لكن لكل حصاد ثمن ولكل نتاج تكلفة، وما وصلنا إليه الآن ليس هينًا، بل محسوب في خانة الانجازات الكبرى التي تسجل في موسوعة الأرقام القياسية، والوصول إليه تطلب استثمارات بأرقام كبرى أيضا، نتحدث عن 11 تريليون جنيه على الأقل كتكلفة لما حدث من بناء في مصر، وبجانب ذلك مضاعفة الموازنة السنوية لتقترب من 3 تريليونات من أجل مواصلة البناء، تكلفة كبيرة تتطلب أن يحافظ المصريون على كل ما تحقق، وأن يتمسكوا به.
كل انجاز وصلنا إليه له ثمن ومثل كل خدمة لها مقابل دفعته الدولة كى توفر للمواطن كل احتياجاته قدر الإمكان لكن التكلفة كبيرة رغيف العيش تكلفته نقدية 30 ضعف ما يدفعه المواطن، ولم تتوقف الدولة عن توفيره ولم تمس سعره، تحملت الفارق بما يزيد على 120 مليار جنيه حتى لا ترهق المواطن، الكهرباء تقدم للمواطن ينصف سعرها الحقيقي، ومواد الطاقة كذلك، والعلاج أرقام بمئات المليارات يقينا الدولة – كما أكد الرئيس السيسي- لن تمس حقوق الغلابة، ولن تحمل المواطن أعباء إضافية، الرئيس حريص على ألا يترك المواطن يواجه الأعباء وحده لأنه يعتبر مساندة الدولة له فرض عين.
لكن في المقابل يجب أن يفهم الجميع كم تتكلف موازنة الدولة حتى تتحقق هذه المساندة وتتوافر هذه الخدمات، لسنوات تعانى الدولة وتئن الموازنة لكن لم تتأخر خدمة ولم تختف سلعة أساسية، حتى في أصعب الأزمات لم تتردد الدولة في توفير ما يحتاجه المواطن، وهذا أمر يجب أن نتوقف عنده طويلًا، تكلفة الدعم وحزم الحماية التي تستهدف التخفيف عن المواطن في الموازنة الجديدة تتجاوز 664 مليار جنيه، رقم ضخم يحتاج قراءة متأنية، وفهما، والأهم أن يسأل كل مواطن نفسه.. ماذا لو لم تتوافر هذه الخدمات، ماذا لو لم تتمكن الدولة من تنفيذ المشروعات التنموية الزراعية والصحية والصناعية ولم تستطع تحقيق ما يتم حصاده الصالح المواطن.
يقينًا الأزمة كانت ستتضخم والمعاناة ستكون أكبر، الأسعار كانت ستتضاعف والبطالة ستزداد والأمن الغذائي سيكون في خطر، ولهذا تحملت الدولة راضية تكلفة الفارق حفاظًا على المواطن الذي من حقه وواجبه أيضا أن يعرف، كيف تتوفر له كل هذه الخدمات والاحتياجات دون أن يتحمل سوى الجزء البسيط من تكلفتها، معرفة المواطن مهمة حتى لا يكون في معزل عن الجهد الذي تبذله الدولة والتحديات والصعوبات التي تواجهها، والثمن الذي تدفعه من أجل توفير ما يريده، المعرفة هدفها أن يكون المواطن بصيرًا بالأمر ويساهم في الحفاظ على ما تحقق، يشارك في ترشيد الاستهلاك، يتقبل بعض التخفيف مثلما يحدث في الكهرباء، يتفهم معنى إقامة المشروعات العملاقة، وأهمية البحث عن أي وسيلة لتوفير أي قدر من التكاليف، أن يفهم المواطن حقيقة الوضع والمعاناة التي تواجهها الدولة وما تحتاجه إليه، ليكون مدركًا الحقيقة بعيدًا عن أكاذيب السوشيال ميديا والأبواق الكارهة.
كثيرون حتى الآن يصرون أن يعيشوا على مقولة مصر خزائن الأرض ونسوا أن هذه الخزائن تم تجفيفها على مدى عقود من السفه والفساد والسرقة، وسوء الاستثمار ثم الخراب والدمار الذي أعقب 2011، وتتحمل الدولة حاليا مسئولية تعويض كل هذا بجهد مضاعف وأفكار مختلفة، المطلوب مساندة مجتمعية ودعم المواطن لهذا الجهد وهو ما لن يتحقق إلا بالوعى والفهم الصحيح للوضع على الأرض وحجم التحدى.