التكافل الاجتماعى يتجسد
فى أجمل صوره
يحل علينا شهر رمضان الكريم بنفحاته العطرة كل عام حاملاً معه أجواءً روحانية تبعث الطمأنينة فى القلوب، وتعيد ترتيب الأولويات فى حياة الإنسان، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر التقرب إلى الله بالطاعات والعبادات، حيث تتجلى معانى الإيمان فى أبهى صورها، وترتقى الروح عبر الذكر والصلاة والصيام وقراءة القرآن.
رمضان هو الشهر الذى أنزل فيه القرآن الكريم هداية للبشرية ونوراً يضيء دروب المؤمنين، قال تعالي: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» ففى هذا الشهر المبارك، يحرص المسلمون على ختم القرآن، ويكثرون من الذكر والاستغفار، متقربين إلى الله بالدعاء والقيام، طامعين فى رحمته وعفوه ورضوانه.. رمضان شهر المحبة والتسامح، فرصة ذهبية لنزع الضغائن من القلوب، ولمّ الشمل ونبذ الفرقة والخلافات، تتجسد فيه أسمى معانى الأخوة والمودة. فكم من خصومات زالت فى هذا الشهر المبارك، وكم من قلوب التقت بعد فراق، وكم من أيادٍ تصافحت بعد قطيعة! موسم المغفرة، يتسابق الجميع لفعل الخير، ابتغاءً لمرضاة الله.
من أجمل ما يميز رمضان «لمة العيلة» حول مائدة الإفطار، حيث يجتمع الأهل والأحباب فى جو من الألفة والود، يتشاركون لحظات السعادة والروحانيات، يتبادلون الأحاديث والضحكات، يتبادلون الذكريات والزيارات، تتوطد العلاقات الاجتماعية، ويعم الدفء والطمأنينة فى النفوس .. ولا يمكن أن نذكر رمضان دون الحديث عن الأصوات التى أصبحت جزءاً من ذاكرة هذا الشهر المبارك، وفى مقدمتها صوت الشيخ محمد رفعت، الذى كان ولا يزال رمزاً للخشوع، حيث تزين تلاواته أجواء رمضان، فيأخذ المستمع فى رحلة إيمانية عبر آيات الذكر الحكيم، كما لا يكتمل رمضان دون صوت الشيخ النقشبندي، الذى أضفى على الشهر نكهة روحانية فريدة بإنشاده وابتهالاته التى تلامس القلوب، وأشهرها «مولاى إنى ببابك»، التى أصبحت جزءًا أصيلاً من الطقوس الرمضانية.
رمضان شهر العبادات والعمل الصالح والتقرب الى الله بالصدقات وإطعام الفقراء، يتسابق الجميع لتقديم يد العون للمحتاجين، سواء عبر موائد الرحمن أو توزيع المساعدات، فيتجسد التكافل الاجتماعى فى أجمل صوره، وفى العشر الأواخر، تزداد الأجواء الروحانية، حيث يتحرى المسلمون ليلة القدر، التى هى خير من ألف شهر، تلك الليلة التى يملأها السلام والسكينة، والتى وعد الله فيها بغفران الذنوب لمن قامها إيمانًا واحتسابًا، إنه شهر تهذيب النفس والروح، والتقرب إلى الله، والعودة إلى القيم النبيلة، ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو صيام القلب عن الأحقاد، واللسان عن الغيبة، والعين عن النظر الحرام، إنه مدرسة يتخرج منها المؤمن وقد تطهرت روحه، واستقامت جوارحه، وزادت علاقته بربه، ليخرج من رمضان إنسانًا جديدًا، متسلحًا بالإيمان، مستعدًا لمواجهة الحياة بروح نقية ونفس مطمئنة، كل عام ونحن جميعاً فى خير وسلام ومصرنا فى ترابط ومحبة.