بالتأمل فى التاريخ الإسلامي.. نجد أن حروب المسلمين ضد أعدائهم كانت غالبيتها فى شهر رمضان الكريم.. منذ أن بدأ الرسول- صلوات الله عليه- غزواته ببدر وانتهاء فى العصر الحديث بنصر العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر رغم أنه شهر الصيام الوحيد طوال العام مما يتطلب الصبر على الطعام والشراب.. وهما عنصران مهمان للمسلم يزودانه بالطاقة والقدرة على التحمل.. وهى أمور يحتاجها المحارب خلال مواجهته للأعداء حيث الكر والفر والمراوغة وحمية الوطيس.
كان من الممكن تفادى الحروب فى هذا الشهر الفضيل.. هكذا يعتقد البعض.. ولكن المسلم الذى اعتاد على صيام هذا الشهر لأنه تدرب تدريباً إلهياً على كيفية الامتناع عن تناول الطعام والشراب من الفجر وحتى غروب الشمس فى كافة الفصول خاصة شديدة الحرارة.. لذا فلا فرق عند المحارب المسلم بين أن يقاتل أعداءه ويذود عن وطنه فى أى أشهر العام حتى ولو رمضان فى الرمضاء الذى اشتق منه الاسم بل وثبت بالدليل الواقع وبشهادة المحاربين أن الصيام كان بمثابة طاقة وتحمل أكبر، وأنه لا يشعر لا بجوع ولا بعطش وهو يصول ويجول سواء على فرسه قديماً أو وهو حامل لبندقيته أو عدة القتال، وهذا عرفته من بعض الذين حاربوا فى العاشر من رمضان عندما سألتهم عن كيفية تحمل الجوع والعطش فكان الجواب.. بلا.. فقد واصلوا الصوم مع أن من حقهم الإفطار فهى رخصة شأن المسافر والمريض.. بل أكد البعض أن الصيام كان حافزاً على العزم والقوة وشحذ الهمم لأنهم تسلحوا بالإيمان وأطاعوا دعوة الله بالجهاد فى سبيله دفاعاً عن الإسلام ونصرته ولأن رمضان كان محفزاً للجهاد عند المسلمين فى صدر الإسلام لذا كان أكبر دافع لهم للقتال والانتصار فى الحرب.
وبالتأمل فى سير تاريخ المعارك الإسلامية الكبرى التى وقعت فى شهر رمضان وجدنا أنها حوالى عشرة.. بدأت بغزوتين مهمتين للرسول- صلى الله عليه وسلم- الأولى «بدر الكبري» يوم 17 رمضان فى السنة الثانية للهجرة النبوية والتى انتصر فيها نصراً مبيناً على كفار قريش رغم كثرة عدتهم وأعدادهم.. فقد كان عدد المسلمين حوالى 313 والكفار 1000 وانتهت بنصر مؤزر من الله وقتل 70 مشركاً وأسر مثلهم وكان أهم ما تم قتله هو رأس الكفر والشرك عمرو بن هشام «أبوجهل»، وكانت الغزوة الثانية هى «فتح مكة» فى السنة الثامنة للهجرة حيث دخل مكة بعشرة آلاف من الصحابة وحطم 360 صنماً داخل وخارج الكعبة المشرفة، أما الثالثة فكانت معركة القادسية سنة 15 هجرية بقيادة الصحابى سعد بن أبى وقاص وهى معركة فاصلة مع الفرس عبدة النار وعانى فيها المسلمون من الأفيال الضخمة التى فوجئوا بها خلال المعركة ولم يعتادوا على مشاركة مثل هذه الحيوانات أو حتى رؤيتها لأن الخيل فرت منها بمجرد مشاهدتها للفيلة وهربت ولكن بالصبر وببركة شهر رمضان انتصر المسلمون.
ومن أهم المعارك أيضاً فى شهر الصيام هو فتح بلاد الاندلس سنة 92 هجرية بقيادة طارق بن زياد ومعه 12 ألف مقاتل مسلم استطاعوا هزيمة الجيش القوطى وقوامه 40 ألف قوطى وقتلوا ملكهم وتمكنوا من نشر الإسلام فى شبه الجزيرة الاندلسية «اسبانيا حالياً» ومن المعارك المهمة أيضاً لنصرة الإسلام هى موقعة حطين سنة 584 هجرية بقيادة صلاح الدين الأيوبي.. حيث كانت معركة فاصلة بين الصليبيين والمسلمين.. وحقق الله للمسلمين النصر وحرروا القدس الشريف وبيت المقدس من دنسهم ردحاً طويلاً من الزمن، ولا ننسى معركة «عمورية» القريبة من أنقرة عاصمة تركيا حالياً والتى وقعت سنة 223 هجرية لنجدة امرأة هاشمية صرخت بأعلى صوتها قائلة «وا معتصماه» مستنجدة بالخليفة العباسى عندما اعتدى الروم على المسلمين فى قرية «عمورية» وقتلوا الكثير من المسلمين وسبوا النساء.. فكانت الصرخة التى لباها على الفور المعتصم عندما وصلت أذنيه حيث جهز جيشاً عظيماً فى رمضان مع أنه كان من الممكن تأجيلها لما بعد رمضان، ولكنها عقيدة المسلم بأن الموت فى سبيل الله فيه الثواب أضعاف مضاعفة.
كما لا ننسى معركة «عين جالوت» والتى لولاها لاحتل التتار كافة بلاد المسلمين.. فقد كانت تلك المعركة سنة 685 هجرية بقيادة سيف الدين قطز ضد أشرس عدو جاء من وسط آسيا واجتاح بلاد فارس وبغداد مقر الخلافة العباسية.. وكانت جنود هولاكو.. لا ترحم صغيراً ولا كبيراً ولا تحترم التعاهدات بالأمان.. وكانوا يأتون على الأخضر واليابس كالجراد وظلوا فى غرورهم وصلفهم ووحشيتهم حتى وصلوا بجحافلهم إلى الشام تميداً للتمدد غرباً نحو مصر.. إلا أن المصريين انتصروا عليهم عند قرية «عين جالوت» بالقرب من نابلس فى فلسطين.. ولم يكتفوا بذلك بل لاحقوهم حتى حدود بلاد فارس شرقاً وكسروا شوكتهم للأبد.
أما عن آخر حروب المسلمين الرمضانية فى العصر الحديث فكانت «العاشر من رمضان» حيث انتصر المصريون عام 1973 على الإسرائيليين فى 6 أكتوبر وحطموا أسطورة الجيش الذى لا يقهر وعبروا خط بارليف المنيع بعد دكه بـ222 طائرة حربية وعبروا للضفة الشرقية لقناة السويس فى ٦ ساعات، واستعاد المصريون بقيادة الرئيس أنور السادات سيناء كاملة بعد احتلال دام لها حوالى ست سنوات لم يهنأ فيها العدو بسبب عمليات الاستنزاف التى سبقت وكانت المفتاح لنصر العاشر من رمضان «أكتوبر المجيد» والذى يدرس فى الأكاديميات العسكرية العالمية.. والحديث عن نصر أكتوبر لن ولم ينته.. ولن ينتهى الحديث عنه لأنه فخر مصر والعرب.
>> وأخيراً:
> العاشر من رمضان.. نصر كبير بفضل بسالة الجندى المصرى الذى يخشاه العدو الإسرائيلى حتى الآن.. ويخشى مواجهته ثانية.
> كان الله فى عون الأشقاء فى غزة.. فهم يصومون رمضان فى ظروف غاية فى الصعوبة.. يمارس فيها الاحتلال سياسة التجويع.
> أتمنى سرعة الوصول إلى وقف تام لإطلاق النار.. رأفة بحال أهل غزة.
> وعموماً مصر.. لم ولن تتخلى عن الأشقاء الفلسطينيين.. حيث تفتح معبر رفح على مصراعيه لإدخال المعونات وتقوم بإيصال الوجبات الساخنة لإفطار الأشقاء وسحورهم.. بالإضافة إلى جهودها الحثيثة للوصول إلى حل أزمة الدولتين.