عشت سنوات طوال خارج مصر.. والحياة بعيدا عن الوطن هى دائما وابدا بعض من الموت وخاصة عندما تكون فى بلاد لا تعرف فيها الليل من النهار ولا رمضان من شعبان.. ولم أسعد إلا عندما كانت الاقامة والحياة فى امتداد اخر لمصر فى مملكة البحرين الوادعة الآمنة التى هى فى اعماقها وتقاليدها وعاداتها ايضا جزء من النسيج الاجتماعى لمصر وثقافتها وتقديسها للمناسبات الدينية.
وفى كل هذه السنوات كان رمضان لا يأتى إلا عند الاستماع لأغنية محمد عبدالمطلب وهو يردد رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه وبقاله زمان، غنوا وقولوا شهر بطوله غنوا وقولوا اهلا رمضان وكانت اغنية عبدالمطلب هى بمثابة رؤية هلال شهر رمضان فما أن تذاع الاغنية فى الاذاعة المصرية إلا وكان ذلك إيذانا بقدوم شهر رمضان فما أن تذاع الاغنية فى الاذاعة المصرية إلا وكان ذلك إيذانا بقدوم شهر رمضان ليغنى بعده عبدالعزيز محمود.. مرحب شهر الصوم مرحب، لياليك عادت فى أمان بعد انتظارنا وشوقنا اليك جيت يا رمضان، مرحب بقدمك ونعيش ونصومك بعد انتظارنا وشوقنا اليك.. ثم يغنى الثلاثى المرح ليسعدونا ويبهجونا بأحلى اغنيات رمضان.. أهو جه يا ولاد «هيصوا يا ولاد» أهو جه يا ولاد «زقططوا يا ولاد».. جبتلنا معاك الخير كله والصبح نقوم ونحضر له، قمر الدين وبلح على تين والمغرب للمدفع واقفين.. ولولا الحبايب لولا جينا «يا الله الغفار» ولا تعبنا رجلينا «يا الله الغفار» أهو جه يا أولاد أهو جه يا أولاد.
وهذه الاغانى الجميلة الرائعة الخالدة هى مدفع رمضان الذى بشرنا بقدوم الشهر الجميل.. هذه الاغانى التى تزلزل القلوب وتبهجها وتدخل الفرحة فى النفوس هى ترنيمة رمضان التى تمنحنا شعورا متميزا خالصا بالهدوء والسكينة والسلام مع النفس.. انه ر مضان شهر الرحمة والغفران والتجلى فى عبادة الرحمن.
>>>
وهل هناك مذاق لرمضان بدون صوت قيثارة السماء الشيخ سيد النقشبندي.. هل هناك اجمل من الشيخ وهو يردد ويناجى الخالق.. مولاى مولاى مولاى إنى ببابك قد بسطت يدي.. من لى ألوذ به إلاك يا سندي.. أقوم بالليل والاسحار ساجية أدعو وهمس دعائى بالدموع ندي، بنور وجهك إنى عائد رجل.
وشكرا.. شكرا يا رئيس مصر الراحل يا محمد انور السادات فقد كنت انت صاحب قرار اللقاء بين قيثارة السماء النقشبندى وعبقرى الالحان بليغ حمدى عندما طلبت من وجدى الحكيم ان يجمع بينهما فى عمل مشترك وظل النقشبندى رافضا.. مينفعش أنشد على الحان بليغ الراقصة، ولم يكن يعلم ان بليغ سوف يقدم له لحن الخلود الذى سيظل باقيا.. مولاى إنى ببابك قد بسطت يدي.. من لى ألوذ به إلاك يا سندي.
وعندما يأتى المساء.. وعندما نجلس فى انتظار مدفع الافطار وعندما يجلجل صوت النقشبندى ويناشد الخالق.. عندما تتوقف زقزقة العصافير لتستمع إلى ابتهالات النقشبندي.. عندما يحل سكون مفاجئ على ارجاء المكان.. فان الأكف الضارعة ترتفع وتحدق فى السماء.. مولاى من لى سواك يرى قلبى ويسمعه.. مولاى رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه وبقاله زمان، غنوا وقولوا شهر بطوله.. غنوا وقولوا أهلا رمضان.
>>>
وعندما يغنى الثلاثى المرح «جبتلنا معاك الخير كله».. فإننا نتذكر واقعنا، والايام الصعبة التى مرت بنا قبل رمضان وحيث كنا نخاف من وقوع ازمات جديدة فى الشهر الفضيل.. وكنا نخشى ان تزداد المعاناة مع الحياة فى الشهر الذى يحلو لنا فيه الاستمتاع بالحياة ولان الله سبحانه وتعالى رءوف بعباده وبنا فإن شهر رمضان يهل علينا وقد أتى بالخير كله.. انفراجة ما بعدها انفراجة وأمل ما بعده أمل.. وابتسامات تفاؤل ما بعدها ابتسامات.. فقد بات واضحا اننا نخرج من عنق الزجاجة.. وان بعد العسر يسراً.. بات واضحا ان هناك تحسنا وان هناك بوادر نهاية لأزمة كانت مستحكمة.. بات واضحا ان النيل الذى روانا بالخير سيظل يجرى متدفقا بخير لا ينقطع على هذا البلد الآمن المطمئن.. بات واضحا ان شهر رمضان قد عادت لياليه فى أمان بعد انتظارنا وشوقنا إليه.
>>>
ولا يأتى رمضان دون أن نتذكر صباح وفؤاد المهندس.. والراجل ده هيجننى طير مفاتيح عقلى منى هيجنني، ييجى رمضان وخناقه يزيد عايز طباخة سكة حديد اللحمة ثلاثة أشكال وطيور بجنيه وريال ويوماتى رز ومكونة وكنافة باللوز وعب تونة غير السلطات والمحشيات والمشويات والحلويات، وان قلت يا خويا الاكل كتير الاكل كتير وبلاش بعزقة وبلاش تبذير وبلاش تبذير، يصرخ ويقول يا اخواتى صايم وراجل شقيان ومراتى عاوزة تجوعنى حتى فى رمضان دى مصيبة ايه دي؟ يا عالم فهموه رمضان ماعمروش قال كده رمضان قال احمدوه والحمد مش بالشكل ده..!
ويا صباح يا صوت الجمال.. كلنا فى الحقيقة فؤاد المهندس.. لكن نلاقى فين الطيور اللى بجنيه وبريال.. ده احنا اللى اتجننا.
>>>
وشعرت بسعادة غامرة وانا استمع إلى احد كبار السن بعد ان بلغ سن المعاش وقد اخبرنى ان بدأ من جديد العودة للدراسة وذلك بالانتساب لاحدى كليات الحقوق.. قال لى ان امله فى الحياة دراسة القانون وان يكون محاميا للغلابة..! الرجل لم يخضع لسنوات التقاعد والملل وانتظار الموت.. الرجل قرر أن تكون له رسالة جديدة فى الحياة.. هذه الروح الوقاية على الطريق للقضاء على المرض والوحدة واليأس.. هذا رجل يعرف معنى ان تكون موجودا فى الحياة.. فى كل يوم هناك جديد.. وهناك امل.. وهناك شكر على نعمة الوجود.