ما أسرع مرور أيام الخير.. ها هو شهر البركات يبدأ اليوم ثلثه الثانى بعد ان مرت عشرة أيام سريعاً.. انه العمر يسرع الخطى لمن يعى ويفهم حتى يراجع نفسه ويتوب ويعود إلى الله قبل ان يلقاه.
بالأمس احتفلنا بذكرى العاشر من رمضان وهو يوم النصر فأعادت الذكرى الطيبة إلى الذاكرة ذكريات نصر وانتصار ارتبطت بالشهر الكريم حتى سألنى أحدهم: وهل ما يحدث فى غزة انتصار؟
قلت: نعم هو انتصار لأن الكيان الصهيونى فشل فى تحقيق أهدافه ولأن القضية الفلسطينية عادت إلى النور بعد ان نسيها العالم.. ولأن أهل غزة مازالوا صابرين محتسبين صامدين.. ولأن الكيان لم يفرض الأمر الواقع ولأن المسجد الأقصى يرتفع فيه الأذان برغم الظلم والعدوان نعم هو انتصار لأن العالم كله فهم ووعى وتابع ما يحدث فى غزة وعلى الأقل فهموا الحقيقة أو أكثرها.
هذا هو رمضان شهر الانتصارات وكل عام وأنتم بخير.
نعود إلى انتصارات رمضان والتى جعلتنى اعتبره شهر الانتصارات.. فالصوم أساساً سر بينك وبين الله وعندما تنجح فى هذا السر فهو انتصار للنفس الطيبة.. وعندما تنتصر على شهواتك ورغباتك طاعة لله فهو انتصار لنفسك ولدينك.. وعندما تتوب وتعود إلى الله فهو انتصار لآخرتك.. وعندما تتصدق ولو بتمرة فهو انتصار على أنانيتك.. كل خير نصنعه فى رمضان هو انتصار للخير حتى ولو بكلمة طيبة.. وأى شر نتجنبه ونبتعد عنه هو انتصار لنفسك ولايمانك.
إذا كان الله سبحانه وتعالى قد حبس عنا الشياطين وصفدهم فى رمضان فإن المعركة أصبحت مع النفس الإمارة بالسوء لتكون نفساً لوامة وتصبح نفساً طيبة مؤمنة حالها هو حال المؤمن (سمعنا وأطعنا) ساعتها يكون النصر الحقيقى للمؤمن والمسلم الصائم المصلى المزكى المنفق لوجه الله المطيع لأوامره سبحانه وتعالى هذا هو نصر النفس والذات ولكن رمضان أيضاً شهر الانتصارات فى الحروب والغزوات.
كانت غزوة بدر أولى غزوات الإسلام فى السابع عشر من شهر رمضان فى السنة الثانية للهجرة.. وإذا كانت آخر انتصاراتنا فى العاشر من رمضان (6 أكتوبر) فإن فتح مكة وهو أعظم انتصارات المسلمين كانت أيضاً فى العاشر من رمضان فى العام الثامن للهجرة.
إنه شهر الانتصارات حقاً لمن يفهم ويعي. وهو بشرى خير لانتصارات قادمة إن شاء الله. فهل تعرف أن معركة حطين التى انتصر فيها صلاح الدين الأيوبى كانت فى رمضان وأن معركة عين جالوت التى انتصر فيها المسلمون بقيادة قطز وبيبرس كانت أيضاً فى رمضان؟
لماذا رمضان شهر الانتصارات؟
الإجابة بسيطة جداً لأنك عندما تسعى لطاعة الله وتحاول ان تكون عبداً مؤمناً صادق الإيمان فإنك ستكون صاحب طاقة إيمانية عالية وستكون تلك الطاقة قوة دفع حقيقية وكاملة نحو كل عمل خير نسعى إليه. لأنك ستكون مع الله.. ومن كان معه الله كفاه قد تفعل الخير ولا تصدق أنك أنت من فعل هذا الخير لأن الله منحك طاقة إيمانية وقوة صادقة لهذا الخير نفس الحال مع بركات الشهر الكريم فى كل مواجهة أو معركة مع عدو فإن الله سيمنحك القوة والطاقة والتميز وينصرك ما دمت صادقاً فى إيمانك (وما النصر إلا من عند الله).
فى غزوة بدر كان المسلمون أقل عدداً وعدة لكن الله نصرهم وقتل فى هذه الغزوة صناديد قريش وأبطالها.. ولأنه شهر الطاعة فإن طاعة الله ليست مجرد عبادة بل هى علاقة صدق وحب بين العبد المؤمن وربه.. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان لذلك يكون النصر رسالة من الله لمن يستحقها من عباده ومن هنا انتصر المسلمون فى بدر برغم قلتهم وشهدت تلك الغزوة بطولات تجسدت فى أرض المعركة مازال التاريخ يذكرها حتى الآن.
من يتابع أحداث التاريخ يجد ان أعظم الفتوحات والانتصارات الإسلامية كانت فى شهر رمضان فهل كانت تلك مجرد مصادفة؟
لا انها رسالة إلهية بأن شهر الطاعة والخير والصبر والعطاء يبرز فيه كل خير وطاعة وصبر وعطاء خاصة فى المعارك الحربية فيكون النصر والفتح.
هذا ما حدث فى بدر وبعدها بعدة سنوات فى فتح مكة وإذا كانت غزوة بدر نقطة انطلاق للقوة الإسلامية فى جزيرة العرب وأصبح المسلمون بعدها قوة حقيقية يهابها أهل الجزيرة ولا يتجرأ عليهم أحد منها بعد هذه الغزوة فإن فتح مكة كان نقطة انطلاق أقوى وأكثر تميزاً حيث بدأ الناس يدخلون الإسلام أفواجاً بعد الفتح وأصبح المسلمون هم الأقوى فى جزيرة العرب على الإطلاق وهو أكبر فتح للمسلمين لأن بعدها بدأت قوة الإسلام وفتوحات هنا وهناك.
وكان فتح مكة فى العاشر من رمضان أيضاً حيث تحرك المسلمون بقيادة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فى المدينة ومعه حوالى عشرة آلاف صحابى لفتح مكة.. خرجوا من المدينة وهم صائمون عابدون مؤمنون.. ولم يلق المسلمون صعوبة فى فتح مكة حيث كان واضحاً استسلام أهل مكة خوفاً من المسلمين باستثناء بعض المناوشات خاصة بين خالد بن الوليد وبعض رجال قريش.. وكان فتح مكة أكبر انتصار للمسلمين وبدأ بعده دخول العرب أفواجاً فى دين الإسلام.. وكان الرسول حول الكعبة ومعه عدد من المسلمين وبدأ فى تحطيم الأصنام بالكعبة وصلى عليه الصلاة والسلام داخل الكعبة وخرج ليجد أهل مكة ينتظرون ليحدد مصيرهم بعد الفتح فسألهم: يا أهل مكة ماذا ترون أنى فاعل بكم؟ قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال عليه الصلاة والسلام: فإنى أقول لكم كما قال يوسف لاخوته: لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء..!!
وهنا وضع الرسول الكريم أساساً وقاعدة فى فتوحات المسلمين بعد ذلك وهي: العفو والصفح عند المقدرة وهناك دروس أخرى كانت هى القوة الدافعة لمعارك عديدة وفتوحات متميزة حدثت فى شهر رمضان طوال تاريخ الإسلام ولعل أهم الدروس التى يتعلمها المسلم من الصوم هو الصبر.. وبالصبر الصادق لوجه الله تستطيع أن تحقق أهدافك وما تريده.
وقد شهد رمضان أيضاً فتح بلاد الأندلس.. وفتح بلاد النوبة جنوب مصر وكذلك معركة عين جالوت.
ولم تكن عين جالوت وحدها هى التى شهدت انتصار مصر للأمة الإسلامية على أعدائها أو ان تغير مجرى التاريخ فى المنطقة فقد سبقها أيضاً معركة حطين وكانت كذلك فى شهر رمضان شهر الخير والبركات والانتصارات وسبقت حطين معركة عين جالوت بأكثر من 230 عاماً.
لقد شهد رمضان فتوحات عديدة سواء فى بلاد الروم أو الفرس فى معركة الفارسية واليرموك وغيرها.
همس الروح
>> بعد الإفطار.. اشغل فمك بالأكل والشرب والعبادة بدلاً من القيل والقال واضاعة ثواب الصوم.
>> من يحب حقاً لا يغير مشاعره حتى لو كثرت أخطاء من تحب لأن الحب مقره القلب لا العقل.
>> الاعتذار عن الخطأ لا يقلل من قيمتك بل يزيد قدرك.
>> لا تبكى على الدنيا ما دام آخرها الرحيل.
>> هدوء المقابر لا يعنى ان أهلها جميعاً فى الجنة فلا تخدعك المظاهر.