أرشح البيان المشترك الذى صدر أمس الأول، فى ختام لقاء القمة بالقاهرة بين الرئيس السيسى وسمو أمير دولة الكويت الشقيقة، ليكون وثيقة رئيسية يتم البناء عليها، والإضافة إليها كمشروع للبيان الختامى الذى يصدر عن القمة العربية القادمة التى تستضيفها مملكة البحرين الشقيقة هذا الشهر.
زيارة أمير الكويت لمصر أول أمس، هى الأولى له منذ توليه قيادة الدولة.. وعادة ما تتسم لقاءات القمة الثنائية بين مصر والكويت ـ على قلتها ـ بطبيعة خاصة، وثقل مميز، داخل الإطار العام للعلاقات المصرية الخليجية والعربية بصفة عامة، وهذه ملاحظة شخصية من واقع متابعتى لهذه اللقاءات.
أما لماذا أرشح البيان المصرى الكويتى المشترك كنواة لمشروع البيان الختامى العربي، فلأن العرف السياسى والدبلوماسى جرى على أن تتغلب الصياغات الدبلوماسية على لغة البيانات المشتركة للقاءات القمة، حيث يتم الاكتفاء ببيان الأطر العامة للقضايا التى جرى تناولها فى المباحثات ومواقف الدولتين تجاهها دون تفصيل كبير.
البيان المصرى الكويتى جاء مختلفاً، سواء فى تحديد القضايا التى تناولتها مباحثات الزعيمين، وهو تحديد اتسم بالوضوح والشمول، أو فى صياغة الموقف المشترك للبلدين تجاه كل من هذه القضايا، وهى صياغة استخدمت لغة مباشرة، ومفردات محددة، وتفصيلات دقيقة.
لقد تناولت مباحثات الزعيمين ـ وفقاً للبيان المشترك: القضية الفلسطينية من خلال الحرب العدوانية الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى فى غزة ـ الأزمة الليبية ـ الأزمة السودانية ـ قضية الأمن المائى المصرى تسوية القضايا العالقة بين دولتى الكويت والعراق الشقيقتين.. هذا بالطبع، فضلاً عن دعم العلاقات الثنائية المصرية الكويتية والتعاون المشترك فى كافة المجالات.
وما لفت انتباهي، حقيقة، أن «البعد القومى العربي» كان حاضراً فى صياغة الموقف المشترك لمصر والكويت فى هذه القمة وبيانها الختامي، بل كان هو الخيط الواضح الذى نسج منه هذا الموقف.
وعلى سبيل المثال:
> كان هناك رفض تام لأى تدخلات خارجية فى الشأن الليبى الداخلي، وكذلك أى تدخلات خارجية فى الشأن السودانى لدعم أى من الأطراف الداخلية عسكرياً.
> تسوية كل من الأزمتين ملكية خالصة للشعبين فى ليبيا والسودان.
> ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا فى مدى زمنى محدد، وحل الميليشيات وإعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية تحت سلطة تنفيذية موحدة قادرة على حكم سائر الأراضى الليبية وتمثيل جموع الشعب الليبي.
> دعم الكويت الكامل للأمن المائى المصرى باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن المائى العربي، ورفضها التام لأى عمل أو إجراء يمس حقوق مصر فى مياه النيل والتضامن معها فى اتخاذ أى إجراء تراه لحماية أمنها ومصالحها المائية.
> أما الأكثر إثارة للانتباه فى البيان، فهو تأكيد الدولتين.. مصر والكويت على التزامهما المتبادل بضمان وحماية أمن ومصالح بعضهما البعض، وحرصهما الراسخ على حماية «الأمن العربى المشترك، باعتباره كلاً لا يتجزأ».
هذه النقطة الأخيرة بالذات تمثل ـ فى رأيى جوهرة هذا البيان والقمة التى أصدرته، وهى التى يجب أن تكون عنواناً للقمة العربية القادمة، وحجر الأساس فى رؤيتها لمستقبل عالمنا العربى دولاً وشعوباً، وفى توجيه علاقاتها الخارجية متعددة الأطراف بكل دول العالم كبيرها وصغيرها، وتكتلاته وشراكاته.
هذا الالتزام المصرى الكويتى يجب أن يتسع ليصبح التزاماً عربياً شاملاً ومتبادلاً بضمان وحماية أمن ومصالح بعضنا البعض، وحرصنا الراسخ على حماية الأمن العربى المشترك باعتباره كلاً لا يتجزأ.
ولو توصلنا إلى ذلك بصورة جادة، فسوف يكون مصدر القوة الرئيسى لنا فى السيادة على إقليمنا ومنطقتنا، وفى تسوية قضايانا وفى مقدمتها القضية الفلسطينية وفق مقررات الشرعية الدولية، وفى فض التشابكات والتداخلات التى مزقت، ليس كياننا العربى العام، بل بعض دولنا وشعوبنا من داخلها.
فى إطار هذا الالتزام، إن توافقنا عليه بحسن نية وبإخلاص فى التنفيذ، يمكننا إحياء اتفاقية الدفاع العربى المشترك، سواء بصورتها الحالية، أو بالتعديلات التى يتطلبها تنظيم العلاقة بينها كاتفاقية جماعية، وبين الاتفاقات الثنائية مع أطراف أخرى داخل أو خارج الإقليم.
وفى إطار هذا الالتزام يمكننا وضع أسس قوية وراسخة.. وعلى قدم المساواة للعلاقات العربية كقوة إقليمية، بدول الجوار.
فى هذا الإطار يمكننا أن نحمى معاً إقليمنا ومصالحنا.. ليس مطلوباً أن ندخل فى حروب، أو نتورط فى صراعات مسلحة داخل أو خارج إقليمنا العربي، إلا فى حالة الحرب على الإرهاب فقد وضع البيان المشترك بين مصر والكويت الأسس السياسية للتعامل العربى مع القضايا الإقليمية والدولية، وهى كما جاء فى نصه:
«التنسيق الوطيد بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وضرورة تغليب ثقافة السلام والحوار والتسوية الدبلوماسية للنزاعات والخلافات فى منطقة الشرق الأوسط، فى سبيل تحقيق التنمية والتعايش السلمى بين دول المنطقة، بما يتسق مع قيم التسامح واحترام سيادة الدول على أراضيها وعدم التدخل فى شئونها الداخلية».
ومن يتفق معنا على هذه الأسس ويلتزم بها فأهلاً به.. بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.