الخوف.. النوم المضطرب.. ضعف الثقة بالنفس.. القلق.. السلوك العدوانى.. كراهية الآخرين.. التشتت الذهنى..ضعف التفكير.. الخلط بين الواقع والخيال.. أهم الأمراض النفسية
نوع جديد من الإرهاب المقنع يمارس ضد الأجيال الجديدة من خلال انتشار الألعاب الإلكترونية التى استولت على اهتمام المراهقين، وتسللت إلى أعماق وجدانهم وأصبحت شاغلاً لحياتهم اليومية، وأصبح الاستغناء عنها أمراً بالغ الصعوبة، لشعور الممارسين لها، انها العالم الجديد -الافتراضى -الذين هاجروا إليه بحثاً عن السعادة والترفيه والمرح، وإذا بهم يقعون ضحايا لهذه الألعاب بفعل الموسيقى العنيفة والترددات العالية والنغمات الحادة المصاحبة لكثير من الألعاب الإلكترونية الشهيرة، والتى تجعل التوتر والغضب يسيطر على اللاعبين، إلى حد الاندماج ويتم تقمص الشخصية العدوانية التى تستهين بحق الحياة وتدفع باللاعبين إلى ممارسة قتل وايذاء الأخرين بل وقتل انفسهم دون وعى منهم، نتيجة للتحولات المرضية السيكولوجية والبيولوجية والعقلية التى تعتمل فى نفوسهم بفعل هذا النوع من الموسيقي.
عن مخاطر موسيقى الألعاب الإلكترونية وما تحدثه من إضرار على متغيرات الشخصية لدى المراهقين،
اصدرت الدكتورة سالى سليمان كتابها فى علم النفس الموسيقي، المعنون «ضجيج أسود.. ما وراء موسيقى الألعاب الإلكترونية «اخترقت به حاجز الصمت، ومزقت استار الخطر الكامن وراء موسيقى الألعاب الإلكترونية، فعرضت لمفهوم الألعاب الإلكترونية ونشأتها وتطورها واهميتها والأسباب التى تدعو إلى ممارستها ومجالاتها وأنواعها، وأنواع اللاعبين الذين يمارسونها، والمقصود بموسيقى الألعاب الإلكترونية وتأثيراتها على متغيرات الشخصية لدى المراهقين، وكشفت عن السر الخفى للموسيقى والعلاقات المعقدة بين الحانها والعقل البشرى وقد رتها على تشكيل الحالة المزاجية والعقلية وما ينجم عنها من تحولات عصبية تؤثر على توجهاتنا العقلية والفكرية والسلوكية.
كما عرضت تفصيلاً للنظريات المفسرة للألعاب الإلكترونية، ولم تغفل التنبيه إلى اتخاذ هذه الألعاب الإلكترونية وسيلة مقنعة لاشاعة مفاهيم تعظيم القوة والهيمنة الأمريكية، وتبريرات الاعتداء على استقلال الشعوب لتحقيق أهداف العولمة.
عرضت الكاتبة لأهم النتائج التى خلصت اليها فى رسالته لنيل الدكتوراه فى موضوع «موسيقى الألعاب الإلكترونية وعلاقتها بمتغيرات الشخصية لدى المراهقين»، من خلال دراستها لحالات عملية، وتحليلها لما توصلت إليه التحقيقات فى العديد من الجرائم الشهيرة التى ارتكبت فى أمريكا وأنحاء أخرى متفرقة من العالم.
يفوق إدمان المخدرات
كانت أهم هذه النتائج، ان إدمان الألعاب الإلكترونية قد يفوق إدمان المخدرات، ويؤدى فى الجانب السيكولوجى إلى امراض نفسية كثيرة، مثل :»الخوف، النوم المضطرب، ضعف الثقة بالنفس، القلق، السلوك العدواني، كراهية الآخرين، التشتت الذهني، ضعف التفكير، الخلط بين الواقع والخيال». وعلى الجانب الاجتماعى يؤدى إلى الميل للعزلة والانطواء، وعدم التعاون مع الأخرين والشك فيهم، وضعف العلاقة مع أفراد الأسرة والأصدقاء لانشغالهم لساعات طويلة باللعب. وفى الجانب الجسدي، يؤدى إدمان الألعاب الإلكترونية إلى تعرض اللاعبين للسمنة نتيجة للجلوس طويلاً، وتوتر الأعصاب، وآلام فى اليدين، وتشنجات عضلية وعصبية شديدة نتيجة للتركيز العالى جداً أثناء القتال داخل اللعبة، خاصة مع تأثير الموسيقى التى تساعد اللاعبين على الاندماج.
كما تشير هذه النتائج إلى أن المراهقين بطبيعتهم لايميلون إلى العنف وارتكاب جرائم القتل، لكنهم يتعلمونه من خلال أعمال العنف التى يتم ممارستها فى هذه الألعاب.
بصفتها نوعاً من أنواع التسلية والمتعة والترفيه، وان من أهم عوامل الجذب للاندماج فى كل لعبة هى الألحان والايقاعات والمقامات المستخدمة وفقاً للقصة حيث يطلب من اللاعب قبل البدء ارتداء السماعات المخصصة لتجربة أكثر واقعية.
بالرغم من كل هذه المخاطر التى تهدد الجيل الناشئ وهم البنية التحتية لمستقبل البلاد، فان الكاتبة لا ترفع الراية البيضاء امام هذه التحديات، اعتماداً على مواجهتها من خلال مثلث التربية وصناعة الوعي، المتمثل فى الأسرة والمدرسة والثقيف والإعلام، اعتماداً على ان أفكار ومشاعر اللاعبين تتأثر اولا بالبيئة المحيطة، ولذا فان الأسرة هى نقطة البداية، وهو ما يستوجب رفع مستوى الوعى لدى الأسرة بأهميةمرحلة المراهقة باعتبارها أكثر المراحل العمرية تأثيراً فى تكوين الشخصية، ومن ثم فاننا نتوجه للآباء والأمهات بضرورة بذل الاهتمام الواجب والرعاية الحثيثة للمراهقين.
متابعة كيفية سعيهم نحوالترفيه وشغل أوقات الفراغ والتعرف عن قرب على اتجاهاتهم السلوكية والفكرية والحرص على التواصل المستدام معهم للقضاء على العزلة داخل الأسرة، وتشجيعهم على التواصل مع الآخرين. وضرورة مواكبة آولياء الأمور للتطورات الحديثة فى المجال الرقمى والتعامل مع المنصات الإلكترونية
الآباء والمدرسة
مشاركة الأبناء فى ممارسة الألعاب للتعرف على محتواها، واسداء النصح فى توجيه رقيق للأبناء، حتى لا يهملوا واجباتهم المدرسية والمنزلية. وضرورة الملاحظة الدقيقة لما يطرأعلى ابنائهم من تغيرات أو مظاهر للإدمان، حتى يمكن التدخل المبكر لتلافى الاخطار الناجمة عن الافراط فى ممارسة الألعاب الإلكترونية.
فيما يتعلق بالمدرسة، من الضرورى العودة إلى التوسع فى الأنشطة المدرسية لصقل مهارات المراهقين والعمل على استيعابهم فى أنشطة مفيدة تمتص طاقاتهم وتوجههم للعمل الجماعى درءا لمخاطر العزلة والانطواء والانكفاء على الذات. مع توجيه المنظومة الإعلامية لاشاعة الوعى بمخاطر الألعاب الإلكترونية ذات المحتوى الهدام والعمل على رفع مستوى الفكر والرأى المستنير، وتنمية الرقابة الذاتية لدى المراهقين والشباب، والتصدى للغزو الثقافى بوضع مخطط قومى فكرى وثقافى يدعم الولاء ويعمق الانتماء لدى المراهقين وطلائع الشباب، وتسليحهم بالقيم النبيلة ومكارم الأخلاق حفاظاً عليهم من الانزلاق فى ثقافات هدامة معادية للمجتمع، مع تكاتف الأجهزة المتخصصة المختلفة لايجاد بدائل مسلية ومفيدة لمواجهة التيار القادم والمستمر فى التدفق حيث إن هذه الألعاب فى تطور مستمر. وفى هذا المجال، من الأهمية بمكان ان يقوم رجال الأعمال بأداء الوظيفة الاجتماعية لرأس المال، بتوجيه جزء من استثماراتهم لتصميم ألعاب إلكترونية ذات محتوى وطنى وأخلاقى وفنى يستلهم التراث العريق، ومن النتائج المهمة أيضاً، ضرورة تنظيم ورش نوعية للمساهمة فى تكوين وعى كاف لدى الأطفال والمراهقين، لمساعدتهم على فهم كيفية إدارة الوقت، وزرع أفكار إيجابية عن أهمية احترام الجسد والسلامة وقيمة الإنسان وحقه فى الحياة سليماً معاً فى دون اتجاه سلبى نحو القتل أو الانتحار. وفى حالات الإدمان، يتم مساعدة المراهقين بجلسات علاجية مبكرة لدى المتخصصين فى العلاج النفسي، بالإضافة إلى العلاج السلوكى والمعرفى بالعمل على تغيير العادات والأفكار بطرق بديلة تقوم على التحفيز نحو الخير والعمل الإيجابي.. وبأعمال هذه النتائج يمكن لنا ان نضمن ممارسة رشيدة آمنة للألعاب الإلكترونية.
تدعو فى النهاية الأوساط التربوية والتعليمية والتثقيفية والإعلامية لتبنى إستراتيجية قومية لإنتاج ألعاب إلكترونية أخرى بديلة تعزز منظومة القيم ومكارم الأخلاق وتدعو للتقدم وخير الإنسانية، كما تدعو الأباء والأمهات والمعلمين إلى انهاء العزلة بينهم وبين الأبناء والتلاميذ والطلاب والاقتراب منهم ومشاركتهم اهتماماتهم لترشيد ممارستهم لهذه الألعاب الإلكترونية.