استقبلت دور الصحف المصرية خريجى الدفعة الأولى فى قسم الصحافة والترجمة والنشر بكلية آداب القاهرة عام 1958 بالترحاب.. احتضنت الخريجين وبادرت بتعيينهم فى أقسامها المختلفة وأطلقوا عليها «دفعة الأمل» تقديرا لخطوة جامعة القاهرة العريقة تحويل معهد الدراسات العليا إلى قسم يقبل الشباب الحاصلين على التوجيهية «الثانوية العامة»، بدأ بالاستعانة بأساتذة من الكليات الأخرى ومعهم خبراء أصحاب خبرة نادرة فى العمل الصحفى ومترادفاته.
كانت الدفعة التى من ضمنها الصحفى الشاب لطفى أبو الغوث ناصف ابن عمدة قرية أتريس.. واستقبلتها الجمهورية تحت قيادة الصحفى القدير الأستاذ جلال الدين الحمامصي.. ابن دمياط المهندس البارع فى الإخراج الصحفى والتعبير بالقلم: محققا وكاتبا ومحللا للأحداث حتى الرياضية منها.
أهدى الجمهورية ملحقا تصدره الخميس أسبوعيا عنوانه «الخميس» أصبح نواة -فيما بعد- للعدد الأسبوعى لجريدة الشعب حتى الآن. كما استعانت به كلية الآداب فى التدريس العملى للخبر والموضوع الصحفى ..وتواصلت مهمته مع بدايات عمل كلية الإعلام تلك التى خرجت من عباءة قسم الصحافة صاحب التاريخ الحافل من النجاح.. المنافس للجامعات الأجنبية.
وظل حتى الدفعة الأخيرة المنبع الرئيسى للمؤسسات الصحفية ووكالة أنباء الشرق الأوسط وأقسام العلاقات العامة بالوزارات والمؤسسات العامة.. ويسبح الجميع فى محيط الإعلام بجدارة واستحقاق.. انعكست على التطور الإيجابى لمهنة البحث عن المتاعب ومعها جناحا الإعلان والتوزيع..بل والطباعة أيضا..
حيث كانت مناهج الدراسة النظرية والعملية تتطور فى كل لحظة وتستجيب للحاجات الآنية والمهام المستحدثة أيضا.
عندما بدأت رحلتى للتدريب على الفن الصحفى بالجمهورية الغراء.. تحت رعاية مشكورة من الأستاذ الحمامصى وجدتنى ارتبط تماما بالدفعة الأولى التى تخصصت لأول مرة عمليا فى الصحافة الميدانية وتشرفته بالانضمام إلى مجموعة الصحفيين الشبان: لطفى ناصف ومحمد المختار وعيد أبو القاسم ووحيد غازى وسالم أباظة وإسماعيل عبد التواب..
حيث تبدأ المهمة بانتظار تفريغ كوبونات رغبات القراء لإعداد موضوع الأسبوع الفائز بأكبر عدد من الأصوات.. بعدها يتم الانطلاق ساعة صفر تتواصل لثلاثة أيام على الأكثر.. بالتعاون مع التصوير وأحياناً الرسامين وبالطبع جراج الدار.
تنطلق الكتيبة إلى عملها: التواجد على أرض الواقع، استقصاء الحقائق، واستيفاء المستندات، ثم الصياغة التى يحرص الأستاذ الحمامصى على مراجعتها فى صورتها النهائية.
بعدها يسعد الجميع بالانطباع الإيجابى للقراء واستجابة المسؤولين.
ظل الأمر هكذا حتى نضج أعضاء الفريق.. استقر البعض ومعهم د.لطفى «فيما بعد حصل على الدكتوراة فى التحقيق الصحفى من كلية الصحافة بليبزج الألمانية» الذى استقر وأصبح أحد أعمدة التحقيق الصحفى ونجح تماما فى إعداد قدراته الصحفية والعامة وكان مثقفا من طراز رفيع..متحدثا موضوعيا فى القضايا العامة.. مما أهله ليكون من أصغر الكتاب سناً.. الذين أصبحوا فى أعمدة صفحة الرأى بالجريدة، ناهيك عن واجبات متعددة ناجحة: منها رئاسة التحقيقات الصحفية.. والإشراف على قسم المحافظات.. ووضع خطة عمل متكاملة للنهوض بالتواجد الصحفى ومساندة خطة الدولة للنهوض بالأقاليم.. واكتشف مجموعة مختارة من المراسلين الجامعيين أصحاب الموهبة الذين رحبت بهم نقابة الصحفيين أعضاءً بها..وسرعان ما أصبح قسم المحافظات بالجمهورية منارة مضيئة نهضت على أساسها الصحف الإقليمية.. وكانت مناسبة أن يتولى د.لطفى مسئولية رئاسة تحرير جريدة أنباء سيناء الحبيبة لعدة سنوات..
من المراحل المهمة فى حياة الفارس الراحل.. تلك التى قضاها فى ألمانيا بين ليبزج لدراسة الصحافة واعداد الدكتوراة، مزاملا لزوجته الفاضلة دكتورة ميرفت صادق الأستاذ بكلية التربية الرياضية..
ثم الاستقرار فى برلين مراسلا للجمهورية.. محققا نجاحا ملموسا للجميع..
وكان طبيعيا عند عودته أن ترحب به جامعات عربية فى ليبيا والعراق لتدريس الفن الصحفى لطلاب الصحافة والإعلام بها، ونجح فى تخصيص الوقت المناسب لتأليف مجموعة من الكتب المتخصصة فى الصحافة أفادت -وما زالت-العديد من أجيال الطلاب.
وكان طبيعياً أيضاً أن يستثمر د.لطفى حصاد النضج وكم المعرفة وما وصل إليه من خبرات متميزة، ليعمل نائباً لرئيس التحرير المسئول عن إصدار الجريدة يومياً.. بالتناوب مع زملاء مميزين..
وعرف بين الجميع بالمحبة والود، استراح شباب الصحفيين للتعامل معه والاستماع لنصائحه..
وبجوار ذلك كان حريصاً على كتابة مقاله الاسبوعى فى صفحة الرأى الأربعاء اسبوعياً..
وفى نفس الوقت كانت من أولوياته رعاية أحوال أسرته ابنه الوحيد مهندس البترول والخبير المرموق وبناته الثلاث طبيبات وعالمات..
وعلى المستوى الاجتماعى لمسنا -نحن الأصدقاء بالعمل والقريبون منه- كيف أحب أبناء قريته أتريس حيث كان حريصا على التواجد المنتظم فى بيت العائلة..والمفتوح دائما للأهالي.. يستمع إليهم ويسعى لحل مشاكلهم ويطمئن على أحوالهم وتأكدنا من هذه المشاعر الطيبة «سلوك ابن الأصول» خلال أكثر من مناسبة كنا -نحن محررو الجريدة- نذهب إليه عندما تسمح الظروف «غالبا أيام الجمع» نلتقى فى مجلس عربى أصيل وكرم حاتمى مشكور..
وخلال الأسابيع الأخيرة مع مؤشرات قرب الرحيل ..عن 88 عاما حافلة بالعطاء ..خاض دكتور لطفى أبو الغوث ناصف معركته الأخيرة ضد المرض بشجاعة نادرة ..
رحل عنا فى شهر مبارك وترك كل ما هو مطلوب فى الإنسان النقى :صدقة جارية، ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به..
رحل وستظل أعماله باقية ومكانته محفوظة ..كواحد من هؤلاء الفرسان الذين عشنا فى رحابهم..وتدفعنا أعمالهم الطيبة إلى الدعاء الدائم لهم بالرحمة وسكنى الجنات..والعفو والمغفرة..