تحركت السبت الماضى إلى المرج القديمة لتقديم العزاء فى وفاة شقيقة الحاج ممدوح حمادة المسئول عن الإنتاج الزراعى التعاونى الفلاح الأصيل وأخلص شخصية تعاملت معها خلال السنوات السابقة والتى توفيت على جبل عرفات أثناء تأدية مناسك الحج مع زوجها.. وسبحان الله تعالى تعب الزوج من الإرهاق بسبب درجات الحرارة المرتفعة ودخل فى غيبوبة وأدت المرحومة واجب الزوجة المخلصة تجاه زوجها وساعدت على إفاقته ولكن بعد ساعة من نجاته توفيت الزوجة الوفية بسبب الإرهاق والحرارة.
وهنا لابد من نشر الوعى لدى المصريين بأهمية الاهتمام بمستوى سفريات الحج والعمرة ونصحنى الزملاء باستخدام مترو الأنفاق للوصول إلى المرج من محطة مترو كلية البنات بالخط الأخضر بمصر الجديدة وابهرنى وجود اسانسيرات لكبار السن للوصول إلى الرصيف وانتظرت على الرصيف لقدوم القطار الآخر وعند تحرك بصرى نحو جمال ورونقة الرصيف ونظافته تذكرت المصريين الذين شاركوا فى تصميم وتشييد هذه المحطات الجميلة والمصانع المصرية المنتجة والموردة لمكونات المحطة ودار فى ذهنى لماذا لا تقوم الدولة بتعليق لوحات فى كل محطة بها أسماء وصور بعض من المهندسين والفنيين والعمال الذين بذلوا مجهودات جبارة لإنشاء كل محطة حتى يتذكرهم الأجيال الحالية والقادمة والتركيز على الشهداء الذين توفوا أثناء عملهم فى تحقيق هذه الإنجازات التاريخية.
وبعد دخولى مركبة المترو ونظراً للزحام فوجئت بتحرك مواطن لا يقل عمره عن 50 عاماً من موقعه طالباً جلوسى مكانه وهنا ظهرت شهامة المصريين وتعجبت لجلوس شباب على كراسى مخصصة لكبار السن وعدم تحركهم مثل هذا المواطن.. وتحرك القطار وتعجبت بوجود مذيع داخلى ينادى على أسماء المحطات القادمة باللغتين العربية والإنجليزية ويشرح جهة فتح الأبواب مع تكرار النداءات بتعليمات استخدام القطار وأسلوب مقاومة الحرائق والكوارث مع ظهور شاشات تليفزيونية توضح الأسلوب الأمثل للجلوس واستمرت الرحلة مروراً بعدة محطات حتى الوصول لمحطة جمال عبدالناصر الواقعة أسفل شارع رمسيس و26 يوليو حيث يتم التبادل فيها لركوب مترو الخط الأول المتحرك من حلوان إلى المرج الجديدة، وهنا وجدت محطة كبيرة جداً والتحرك إلى أعلى مستخدماً أربع مراحل من السلالم الكهربائية المتحركة مما يوضح وجود قضبان الخط الثالث على عمق يتراوح ما بين 80 و120 متراً وهذا إنجاز وعبقرية.
بدأ الجزء الثانى من الرحلة عند دخولى المركبة حيث أجلسنى أحد الشباب بجواره وهنا لاحظت صعود الباعة والبائعات المتجولين وظهرت سيدة متوسطة العمر ضخمة الجسم حاملة أكياساً كبيرة تنادى لبيع بسكويت الشاى الكيس بخمسة جنيهات ، ثم صعد بائع آخر ينادى بصوت عال على نوعية بضاعته وأسعارها، ثم صعدت طفلة جميلة وأنيقة الملبس توزع ورقاً صغيراً على كل راكب مكتوباً عليها إنها طفلة يتيمة وتطلب المساعدة، وهنا لاحظت قيام سيدة فى العقد السادس من عمرها جالسة بجوار أولادها بسداد عشرة جنيهات لكل من المتسولين الصاعدين للمترو فى كل محطة.
وعند وصولى لمحطة المرج القديمة بعد المرور على محطات عديدة تحركت لموقع العزاء مخترقاً شارعاً ضيقاً منتشراً به المحلات الصغيرة لبيع كل المطالب الحياتية واعتبره شارع السوق وهنا تذكرت المرج خلال ستينيات القرن الماضى حيث كانت كلها أراضى صحراوية وزراعية ومصدر غذاء لأهالى القاهرة وتحولت تدريجياً إلى مناطق سكنية عشوائية غير مخططة بسبب جشع السماسرة.. واخطرنى أحد المعزيين أن تعداد سكان المرج القديمة والجديدة لا يقل حالياً عن 2.5 مليون نسمة.
ومع رجوعى واجتيازى كارتات الدخول تقابلت مع أحد العاملين المبتسمين ومع سؤاله اتضح أنه حاصل على دبلوم صنايع ومن مساكن قرية كفر حمزة على ترعة الإسماعيلية وهنا تذكرت السائق الذى كان يعمل معى فى مصنع 18 الحربى وأنه التحق للعمل بمحطة مترو المرج القديمة منذ ستة أشهر ويعمل الفترة المسائية بعقد ومؤمن عليه اجتماعياً ويعمل نهاراً مع والدته على عربية فول وطعمية وبسؤاله اتضح أنه يبيع يومياً بحوالى 600 جنيه بمكسب يومى لا يقل عن 200 جنيه وأنه سعيد بحياته ويعمل 18 ساعة.
وعند ركوبى قطار العودة تم تكرار صعود المتسولين والمتسولات والبائعات فى كل محطة.. وجلس أمامى طفلان بشعرهما المحلوق بأسلوب اللاعبين مع تلوين شعر أحدهم بالألوان الصفراء وعند سؤاله عن حلاقته اخطرنى بأن شقيقه يعمل حلاقاً وأنه الذى فعل ذلك.
إنها رحلة ممتعة فى أعماق المصريين وأكرر تقديرى وامتنانى للمسئولين والعاملين بمنظومة مترو الأنفاق الذى يعد من أفضل الواجهات والمشرفة لمصر مع مناشدتهم بالحد من استخدام عربات المترو للتسول والباعة المتجولين.
أناشد بزيادة أعداد القطارات وتقصير أزمنة التقاطر والاستغلال الأمثل لشركتى سيماف ونيرك للإنتاج المحلى لمركبات المترو وأن تتم كتابة تاريخ إنتاج العربة ومكان إنتاجها بصورة واضحة داخل كل عربة مع إعداد فيديو يوضح مراحل التصنيع المحلى لمكونات العربات.