اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الذى تم التوصل إليه بوساطة مصرية قطرية ـ أمريكية، لقى ترحيباً دولياً كبيراً، خاصة بعد حرب الإبادة والمجازر التى ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى فى حق آلاف الفلسطينيين، ومآسى الجوع والتشرد التى تعرض لها أكثر من 2 مليون فلسطينى تهدمت منازلهم فى قطاع غزة نتيجة للقصف الإسرائيلى الذى لم يفرق بين طفل رضيع وامرأة وشيخ كبير.
منظمات المجتمع المدنى ووكالات الإغاثة الدولية كان لها دور كبير فى تقديم الدعم وإدخال المساعدات الإغاثية للفلسطينيين، رغم ماتعرض له العاملون فيها من إيذاء ومنع ومضايقات، وتأتى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» على رأس هذه الوكالات.
«الجمهورية» التقت رئيس مكتب ممثل الأونروا فى القاهرة، سحر الجبورى، وأجرت معها حوارا أكدت خلاله أن وقف إطلاق النار فى غزة خطوة بالغة الأهمية تأخرت كثيرا، ولكنها أحيت الأمل فى نفوس مليونى فلسطينى فى غزة بعد 460 يومًا من العذاب المتواصل.
> ماذا بعد الاتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة، هل ستعود المساعدات وكيف ستدخل ويتم توزيعها؟
> وقف إطلاق النار خطوة بالغة الأهمية تأخرت كثيرا، ولكنها أحيت الأمل فى نفوس مليونى فلسطينى فى غزة بعد 460 يومًا من العذاب المتواصل. ونأمل التزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار، بما يتيح الفرصة لتنفيذ بنوده وإدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات، سعياً لسد الاحتياجات الهائلة للسكان. ومنذ سريان وقف إطلاق النار، تتدفق المساعدات الإنسانية، بما فى ذلك مئات الشاحنات التابعة للأونروا والتى تحمل مواد أساسية، مثل الغذاء ومياه الشرب والمستلزمات الطبية والمواد الإغاثية الأخري، مثل مستلزمات الإيواء والملابس.
وينصب تركيزنا على إدخال الإمدادات التى ظلت عالقة خارج غزة لعدة أشهر، بالتعاون مع شركائنا من الوكالات الإنسانية الأممية والدولية والإقليمية، وعلى رأسهم الهلال الأحمر المصري، بغرض إدخال المساعدات الإنسانية عبر المعابر كافة، وإيصالها إلى مستحقيها فى أسرع وقت ممكن. فالأونروا تمتلك البنية التحتية الضرورية والكوادر الإنسانية المحنكة والخبرة العملياتية واللوجستية اللازمة لتوزيع هذه المساعدات على الفلسطينيين الأكثر عوزا فى القطاع.
وقد زرت العريش ورفح مؤخرا ورأيت بعينى التنظيم والتنسيق الرائعين بين جميع الأطراف بقيادة الهلال الأحمر المصرى والجاهزية العالية لتوفير المساعدات الإنسانية للقطاع.
> وهل ستعود الأونروا لعملها؟
> الأونروا تواصل عملها فى مناطق عملياتها الخمس حتى هذه اللحظة. ولكن، كما تعلمون، أقر الكنيست الإسرائيلى فى 28 أكتوبر 2024 قوانين تستهدف الأونروا بشكل مباشر، حيث تحظر على المسؤولين الإسرائيليين التواصل مع الوكالة أو ممثليها، وتمنع عملياتها داخل ما تسميه إسرائيل «أراضيها السيادية».
هذه خطوة خطيرة غير مسبوقة، تأتى فى سياق حملة مستعرة تهدف إلى تشويه سمعة الوكالة ونزع الشرعية عن دورها المحورى فى تقديم المساعدات والخدمات الإنسانية والتنموية للاجئى فلسطين. وحتى الآن، لم تتضح لنا الآلية التى ستتبعها الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ هذه القوانين. ولكن استراتيجيتنا هى البقاء ومواصلة تقديم الخدمات مهما كانت الظروف حتى يصبح الأمر مستحيلًا.
الأونروا أنشأتها الجمعية العامة وهى تعبير عن الإرادة الدولية لمناصرة حقوق اللاجئين الفلسطينيين حتى التوصل إلى حل دائم وعادل لمحنتهم. لذا لابد من تمكين الوكالة من مواصلة دورها من خلال تحرك دولى ثابت وقوى لضمان وقف تنفيذ هذه القوانين أو تأجيل تطبيقها، مع التركيز على احترام القانون الدولى وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام. والحل الأمثل يكمن فى التزام المجتمع الدولى بدعم الوكالة حتى تسلم خدماتها تدريجيًا إلى إدارة فلسطينية مؤهلة متفق عليها، ضمن إطار خطة انتقال سياسى تنهى معاناة اللاجئين الفلسطينيين بشكل جذري.
> كيف ترى جهد مصر فى الوصول إلى هذه المرحلة، وخاصة ان مصر دائما تؤكد أنه لا بديل عن الأونروا؟
> جهود مصر فى دعم القضية الفلسطينية ودورها فى تعزيز عمل الأونروا يعد مثالاً يحتذى به على المستويين الإقليمى والدولي. مصر كانت وما زالت ركيزة أساسية فى تأمين الدعم الإنسانى والسياسى للاجئين الفلسطينيين، وهى تؤكد باستمرار أن الأونروا تمثل حجر الزاوية فى تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين ولا بديل لها .ومنذ بداية الأزمة، لعبت مصر دورًا محوريًا فى تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية عبر معبرى رفح وكرم أبو سالم.
ولم يقتصر الدور المصرى على الجانب الإنساني، بل امتد إلى التنسيق الدبلوماسى على أعلى المستويات لضمان استمرار تمويل الأونروا وتعزيز شرعيتها الدولية فى مواجهة الضغوط التى تستهدف تقليص دورها، الذى ينصب على دعم الفلسطينيين فى ظل معاناة صعبة فمصر واضحة فى موقفها والجميع يقدر جهوده سياسيًا، كانت مصر واضحة فى دعمها لمركزية دور الأونروا فى تلبية الاحتياجات الإنسانية، وشاركت بشكل فعال فى الدفاع عن الوكالة فى المحافل الدولية، مؤكدة أن تفكيك الأونروا سيؤدى إلى كارثة إنسانية وسياسية، ليس فقط فى غزة، ولكن فى المنطقة بأكملها.
فى ظل التزام مصر الثابت بدعم الأونروا، استضافت مصر المؤتمر الوزارى فى ديسمبر الماضي، والذى نجح فى تسليط الضوء على الدور الحاسم للوكالة وحشد الدعم المالى والسياسى لها. كما ساهمت فى تعزيز التنسيق بين الأونروا والمجتمع الدولى لضمان استمرارية العمليات الإنسانية فى غزة. ونعول على مواصلة الشراكة مع مصر ومواصلتها تيسير مهام الوكالة ولا سيّما فى الأيام المقبلة عقب تطبيق قوانين الكنيست الإسرائيلى ضد الوكالة.
> ما حجم المساعدات الحقيقية التى يحتاجها أهل غزة الآن؟
> أهل غزة بحاجة إلى كل شيء. فقد أصيبت الخدمات الأساسية بالكامل بالشلل ، و90٪ من سكان القطاع يعانون من النزوح المتكرر، مما أدى إلى فقدانهم منازلهم وأسرهم وممتلكاتهم الشخصية، بل وحتى كرامتهم وأحلامهم. وقد تفاقمت معاناتهم مع حلول الشتاء حيث غمرت الأمطار الغزيرة خيام النازحين، وأودت بحياة ما لا يقل عن ثمانية أطفال حديثى الولادة نتيجة انخفاض حاد فى درجة حرارة أجسادهم. أما الآثار المادية والنفسية المدمرة لهذه الحرب، خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية للأطفال ورفاه الفلسطينيين، فحدّث ولا حرج. ولا أعتقد أنه يمكن عكس هذه الآثار فى المدى القريب أو المتوسط تحتاج غزة اليوم مساعدات عاجلة فى كل القطاعات، كالغذاء، حيث يعانى 91٪ من السكان من انعدام الأمن الغذائي، مما يتطلب توفير إمدادات غذائية عاجلة تشمل الطحين والبقوليات والزيوت ، وإلى الأدوية الأساسية والمعدات الطبية نتيجة انهيار النظام الصحى وكذلك الوقود لتشغيل المستشفيات والمخابز وغيرها ، وإلى مياه شرب نظيفة، والصرف الصحى نتيجة تدمير محطات الصرف الصحى والذى أدى إلى ارتفاع معدلات الأمراض المعدية ، وأيضا توفير ملاجئ للنازحين تقيهم من البرد والأمطار، فضلًا عن توفير المستلزمات الأساسية مثل البطاطين والملابس الشتوية. وأخيرا هناك 600 ألف طفل حُرموا من التعليم بسبب تدمير المدارس أو استخدامها كملاجئ، مما يتطلب دعمًا فوريًا لإعادة بناء المدارس وتوفير مستلزمات التعليم.
رغم هذا الوضع الكارثي، تواصل الأونروا تقديم خدماتها الحيوية، من غذاء وماء وإيواء فى منشآتها التى تحولت إلى ملاجئ، إضافة إلى الدعم النفسى والاجتماعى وخدمات الصرف الصحى وغيرها. كما تقدم حوالى 17 ألف استشارة طبية يوميًا فى 27 مركزًا صحيًا وحوالى 100 نقطة طبية متنقلة، وطعمت حوالى 560 ألف طفل دون سن العاشرة ضد شلل الأطفال، إلى جانب تقديم أكثر من 231 ألف جرعة لقاح روتينى للأطفال. وقد شرعت الأونروا بحملة العودة إلى التعلم. ومن المدهش أنه فى أول يوم بعد وقف إطلاق النار وإتاحة الوكالة للتعلم عن بعد، قام 250 ألف طفل فلسطينى بتسجيل الدخول إلى النظام برغم التحديات القائمة، مثل وجود هاتف واحد فقط فى العائلة أو صعوبات الاتصالات فى غزة.
لكن هذه الجهود تواجه تحديات كبرى بسبب نقص التمويل والتصعيد الإسرائيلى ضد الأونروا، بما فى ذلك محاولات تفكيكها، الأمر الذى يمثل تهديدًا خطيرًا لاستمرار تقديم المساعدات، والذى سيؤدى إلى انهيار الخدمات الأساسية وزيادة معاناة الفلسطينيين. وقد أطلقت الوكالة مناشدة طوارئ للأراضى الفلسطينية المحتلة بقيمة 1,7 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحًا، ولكن التمويل وحده لا يكفي. فإذا استمرت القيود وتم تفكيك الأونروا، ستواجه غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، وسيكون على إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تحمل مسؤولية تقديم الخدمات الأساسية وفقًا للقانون الدولي.
المجتمع الدولى مطالب بالتدخل الفورى لضمان استمرار عمل الأونروا وزيادة الدعم المالى والسياسى للوكالة. ولابد من التحرك الآن لعكس هذه الأوضاع الكارثية وتوفير احتياجات أهل غزة، لأن استمرار الصمت سيعمق الأزمة ويزيد من حدة المعاناة الإنسانية بشكل لا يمكن تداركه.