يعتبر التوقيع على مشروع تطوير وتنمية رأس الحكمة هو بداية مرحلة جديدة لانطلاق الاقتصاد المصرى وان هذا المشروع يمثل علامة فارقة فى تغير الفكر الاقتصادى والاستثمارى الذى سارت عليه الدولة لسنوات وعقود طويلة خاصة فى مجال التطوير العقارى والتنمية السياحية.
هذا المشروع يؤكد أن الفكر الاقتصادى للدولة قد تغير ليمنح القطاع الخاص مساحة أوسع وأشمل فى مشروعات التنمية على أن يتم ذلك وفقا لتخطيط علمى مدروس ولرؤية مستقبلية شاملة تمتد سنوات طويلة.
أيضا هو دليل على تغير الفكر الاستثمارى للدولة من النطاق الضيق بطرح قطع أراض بمساحات محدودة للبيع أو الاعلان عن إقامة قرية سياحية أو فندق كبير فى منطقة سياحية فى شرم الشيخ أو الغردقة أو الساحل الشمالى إلى أوسع وأكثر عمقاً بطرح مشروعات عملاقة لتطوير وتنمية منطقة أو مدينة بأكملها، يضاف إلى ذلك تولى القطاع الخاص سواء محلياً أو أجنبياً أو مشتركاً عملية التطوير والبناء والتنمية بأكملها وأن تحصل الحكومة على حصة من أرباح المشروع كشريك بنسبة معينة أو بقيمة الأرض.
فى ٣٢ فبراير ٤٢٠٢ وقعت مصر والإمارات عقد تطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» الجديدة باستثمارات تقدر بنحو ٠٥١ مليار دولار تتضمن ٥٣ مليار دولار استثمارا أجنبيا مباشرا للحكومة المصرية خلال شهرين منها ١١ مليار دولار إسقاط ديون وينص العقد على أن تحصل مصر على ٥٣% من إجمالى أرباح المشروع. وهذه النسبة أكبر من المعهود فى مثل هذه المشروعات لأن المستثمر عادة ما يمنح السلطات المحلية نسبة لا تزيد على ٥٢% من العائد الاستثمارى ومع ذلك حصلت مصر على النسبة الأعلي. كما حصلت على أعلى قيمة لاستغلال الأرض التى سوف يتم الاستثمار عليها والتى سوف تقام بها مستشفيات ومراكز تسويق وملاعب وخدمات متعددة وسوف يعمل فيها المصريون أى أن الأرض سوف تظل تحت السيادة المصرية وضمن الحدود الوطنية المصرية وليس هذا اقتطاعا من أراض مصرية بل هو استثمار سوف يترتب عليه خلق فرص عمل ووظائف للمصريين. وسوف يتردد على المشروع سياح أجانب من مختلف الجنسيات وذلك ما نرجوه ونتمناه أن يرتفع عدد السياح والزوار القادمين إلى مصر لأن السائح منذ لحظة وصوله للأراضى المصرية يقوم بضخ أمواله فى الاقتصاد المصرى وذلك هدف تسعى كل دول العالم إليه.
ومن حيث الموقع تقع منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالى الغربى لمصر على بعد نحو ٠٥٣ كيلومترا شمال غرب القاهرة وتتبع إداريا محافظة مطروح وتغطى مساحة ٠٨١ كيلومترا مربعا تقريبا وهى عبارة عن رأس بحرى يقع داخل البحر المتوسط بطول ٠٥ كيلومترا مربعا من مدينة الضبعة شرقا ومدينة مرسى مطروح غربا.
وتتميز جغرافيا بموقع استراتيجى وسياحى جذاب فهى تقع غرب مدينة وميناء العلمين الجوى وميناء الحمراء للبترول وبالقرب من مطارى مرسى مطروح وبرج العرب الدوليين وعلى طريق برى يربط القاهرة بمدن الساحل الشمالى إلى جانب مقومات طبيعية أخرى تتمثل فى مياه البحر الصافية والشواطئ الرملية الناعمة والمتوسطة التعرج.
ومناخ المنطقة يصنف مثل بقية مدن الساحل الشمالى ضمن الأقاليم المناخية الهادئة إذ يبلغ عدد ساعات سطوع الشمس الفعلى خلال فصل الصيف نحو ٢١ ساعة فى حين يصل فى فصل الشتاء إلى ٧ ساعات وتتقارب معدلات السطوع المسجلة خلال فصلى الربيع والخريف على الرغم من اختلاف الظروف المناخية السائدة فى كل منهما.
وتبلغ درجات الحرارة فى المنطقة أعلى معدلاتها فى فصل الصيف حيث يسجل المعدل الفصلى ٦،٤٢ درجة فى حين يسجل ٨،٨١ درجة فى الشتاء وتتراوح درجة الحرارة المثلى لراحة الإنسان ونشاطه بين ٨١ و٥٢ درجة مئوية.
أما بالنسبة لعدد السكان فقد بلغ تعداد سكان مدينة رأس الحكمة نحو ٠١ آلاف نسمة وفق تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام ٠٢٠٢.
وتفيد تقارير صحفية بأن تعداد سكان المنطقة لعام ٤٢٠٢ حسب تقديرات غير رسمية حوالى ٥٢ ألفا من السكان الأصليين إضافة إلى بضعة آلاف من محافظات مجاورة يمارسون أعمالا دائمة أو موسمية فى الزراعة والسياحة.
وتعيش فى هذه المنطقة بعض قبائل «أولاد علي» وهى من القبائل العربية التى وفدت إلى مصر زمن الفتح الإسلامى وتنتشر فى مختلف ربوع البلاد والدول المجاورة ومن أبرز قبائلها الفرعية فى «رأس الحكمة» الجميعات والصنافرة.
يعود تاريخ رأس الحكمة إلى العصرين اليونانى والرومانى فى مصر وثمة اختلافات كبيرة بين الأصل التاريخى لتسمية المنطقة باسم رأس الحكمة فوفقًا لتقارير منطقة آثار مطروح الرسمية فإن المنطقة كانت تعرف باسم «آبار الكنايس» وهو مصطلح يطلق على قمم الجبال والتلال التى يسقط عليها المطر الغزير فـ»يكنسها» قبل أن تحتويها آبار التخزين.
ويذكر أن تسمية رأس الحكمة تعود إلى قبيلة «بنى حكيم» إحدى قبائل الجزيرة العربية التى سكنت المنطقة تشير تقارير صحفية إلى أنها كانت تعرف برأس الكنائس؛ لوجود جبل بها عليه آثار الكثير من الكنائس وظلت محتفظة بهذا الاسم حتى أربعينيات القرن العشرين.
ويذكر أن «رأس الكنائس» كانت فى زمن حكام أسرة محمد على ميناءً لرسو المراكب الكبيرة وهى واحدة من القرى المستحدثة وكانت تتبع قسم مطروح التابع لمحافظة الصحراء الغربية حتى عام ٥٤٩١.
وفى عام ١٤٩١ أصدر الملك فاروق قرارا بتغيير اسم المنطقة إلى «رأس الحكمة» كما كانت له زيارات متعددة للاستراحة الملكية وهى عبارة عن قصر ملكى وضع حجر أساسه والده الملك فؤاد الأول فى زيارته الأولى لمطروح عام ٨٢٩١ وتحولت إلى استراحة رئاسية بعد ثورة يوليو ٢٥٩١ التى أطاحت بالنظام الملكى وأعلنت الجمهورية.
ومن أبرز معالم رأس الحكمة الاستراحةُ الملكية التى بنيت أساسا لتكون مقرا لضباط الجمارك الذين يكافحون التهريب القادم من ليبيا قبل أن تتحول لاستراحة للملوك والرؤساء وتقع فوق قمة صخرة بيضاء تتقدم شمالا حتى تنتهى ببروز داخل مياه البحر من هذا البناء يمكن رؤية مياه البحر الصافية ومن الخلف تمتد الصحراء القاحلة.
ويجب أن يذكر أن هذا المشروع يخدم مصلحة مصر ودولة الإمارات الشقيقة بل والاقتصاد العربى عامة وبشكل متكامل وأن المزيد من هذه المشروعات والتعاون البناء بين الأشقاء العرب لا شك يصب فى مصلحة الأمن القومى العربى ويزيد من الوحدة العربية ومن هنا لابد من التنسيق والتكامل الاقتصادى والصناعى بين الدول العربية الشقيقة خلال المرحلة القادمة من تاريخ أمتنا العربية.
وأود أن أشير إلى عمق الرؤية السياسية التى يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى التجهيز والتحضير لانطلاق الجمهورية الجديدة بكل وسائل ومقومات النجاح.