منذ أيام ذهبت لحديقة الأزبكية لرصد ملامح التطوير الذى يتم داخلها ضمن مشروع إحياء تاريخ القاهرة الخديوية وكانت المفاجأة أن معظم مكونات الحديقة التى يتم تطويرها لم تتمكن من الصمود أمام عوامل الاهمال التى تركها الزمن على مدار السنوات الماضية فاختفى بعضها وتشوه البعض الآخر إلا أن هذا لم يقف عائقاً أمام إرادة التطوير فعاد الماضى فى أبهى صوره يحكى ويخلد الشخصيات والأحداث.
إعادة الحديقة كما كانت فى الماضى اعتمد على ما حفظته الصور من تفاصيل لمكوناتها وكانت بعض الصحف هى المصدر لتلك اللقطات لأجد نفسى أمام حقيقة راسخة وهى دور الصحافة فى التأريخ والتوثيق وهو ما يعنى أن الصحف الورقية كانت وستظل ذاكرة الأمة وضميرها الحى حتى ما تعرضه المواقع الإلكترونية من مخزون إرثى مرجعيته تلك الصحف التى بلا شك نالها ما نالها من انتشار وسطوة للمواقع الإلكترونية.
رغم أن المواقع الإلكترونية وما صاحبها من تطبيقات باتت هى الأسرع والأقرب لقطاع كبير من الجمهور إلا أن ما تفعله من تأثير فى الوقت الراهن لن يصمد مع مرور الزمن فقد تكون الأوسع انتشاراً إلا أنها ليست الأكثر قدرة على البقاء ولا الأفضل فى تقديم معلومات وافية.
فى الآونة الأخيرة تعرضت الصحف الورقية لهجمة شرسة شارك فيها للأسف أبناؤها عندما سمحوا للمواقع الالكترونية أن تكون بديلاً عنها وهو ما يعنى تلاشى الأرث المعلوماتى للأحداث والأماكن والشخصيات فالمواقع تعتمد على الأخبار التى تشبه وجبات «التيك أوي» تتناولها تحت تأثير الشعور بالجوع وسرعان ما يراودك ذات الشعور بعد ساعات على خلاف وجبة دسمة تتناولها فى منزلك وأنت تجلس مستمعاً بدفء العائلة على عكس الصحف الورقية التى تسهب فى السرد والتدقيق حتى ما ينشر بها من أخبار فهو مرجعية تاريخية لبعض القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من القضايا التى تشكل وجدان الأمة.
منذ ربع قرن كنت أجلس فى دار الكتب حيث هذا المبنى المطل على كورنيش النيل بمنطقة بولاق أبوالعلا أطالع بعض الصحف التى كانت تصدر فى ثلاثينيات القرن الماضى لأرصد كيف تناولت الصحافة بعض قضايا المرأة مقارنة بتناولها فى فترة السبعينيات ضمن بحث كلفت بإعداده فى الجامعة وهو المشهد الذى سيتكرر على مدار التاريخ ولن يجد الباحثون عن التاريخ سوى أعداد الصحف الورقية مرجعية لهم فحتى الكتب التى تصدر تكون عاجزة عن تناول كل القضايا على عكس الصحيفة التى تتنوع قضاياها ومعالجاتها وفقاً لما تضعه من سياسة تحريرية تتباين وتتنوع من جريدة لآخري.
كانت وستظل الصحافة الورقية ذاكرة الأمة وما يحدث فى الجمهورية الجديدة من مشروعات تنموية تاريخ لن يكون هناك أمين فى حفظه سوى الصحافة الورقية التى أتمنى أن يتواصل تطويرها ليستمر دورها فى حفظ التاريخ.