كثيرة هى أمور الدين التى تحتاج الى تخصص عميق وفهم ووعى بالأحكام الشرعية قبل الخوض فيها، والتحدث عنها، ولذلك كان الأمر القرآنى الواضح والحاسم «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»..وبالتالى فإن الذين يدعون العلم ويخوضون فيما لا دراية لهم به(آثمون شرعا) وينالهم حتما غضب الله وعقابه.
أعرف الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتى الجمهورية السابق معرفة جيدة، ليس على المستوى الشخصى ولكن على المستوى العلمى والفكري، وأتابع جيدا ما يصدر عنه من فتاوى واجتهادات، خاصة بعد أن تولى مسئولية دار الإفتاء، وقد اختلف مع فضيلته فى بعض الاجتهادات أو الآراء التى يتسع الأمر فيها للاجتهاد وتعدد الرؤي، وسبق واختلفت معه فعلا فى بعض الأمور التى كتبت عنها وتقبل الرجل ما كتبت.. لكن أشهد الله أننى لم أصادف يوما له فتوى غير منضبطة بالضوابط الشرعية، ولم أسجل له خروجا على ما استقر عليه رأى جمهور الفقهاء؛ فقد اكتسب الرجل خبرة التعامل مع تساؤلات الجماهير من السنوات الطويلة التى قضاها مفتيا للديار المصرية، وهى مؤسسة عريقة تؤصل للفتوى تأصيلا جيدا، وتتعامل معها باحترافية كبيرة، ولديها من الباحثين الشرعيين وأمناء الفتوى ما يساعد المفتى فى تقصى الأمور الشرعية جيدا.
لذلك رجعت للفتاوى التى صدرت عنه وأثارت لغطا شديدا على مواقع التواصل الاجتماعى نتيجة تعامل البسطاء من الناس معها بسطحية شديدة وبمنطق (ولا تقربوا الصلاة) فلم أجد خروجا على ما استقر عليه رأى الفقهاء.. وقد يرجح الشيخ رأيا على رأى من آراء واجتهادات الفقهاء، وهذا حقه كرجل فتوى عاش طويلا مع آراء واجتهادات الفقهاء قديما وحديثا.
>>>
لقد خاض د.على جمعة معارك ضارية مع المتطرفين والمتاجرين بالدين الذين أصبنا بهم فى مصر وهم كثيرون، ولذلك تكونت ضد الشيخ جبهات معروفة بانتماءاتها السياسية تتربص به طوال الوقت، وتفتش فيما يصدر عنه من فتاوى واجتهادات بدأب شديد وإصرار أشد، بحثا عن ثغرة للهجوم عليه من خلالها، ومن سوء حظهم أنهم يستندون فى تطاولهم عليه على فتاوى صحيحة من الناحية الفقهية، ولكن لقصور عقولهم وضحالة ثقافتهم الشرعية وقعوا فى حماقة التطاول عليه، كما فعلوا مع فتوى تعاطى الحشيش بعد تناول الافطار، وما إذا كان يفسد الصيام أم لا.. ولو لدى هؤلاء قدر يسير من الثقافة الشرعية لأدركوا أن هناك فارقا كبيرا بين صحة الصيام، وبين قبوله أو الأجر عليه.. صحة الصيام تتحقق بتطبيق شروطه وأركانه.. أما ارتكاب الإنسان ذنبا أو إثما فى غير وقت الصيام فهذا أمر آخر.. فلو صام الإنسان بالامتناع عن الطعام والشراب ومباشرة النساء والامتناع عن جملة المفطرات حتى وقت الغروب فصومه صحيح، ولا يمكن الحكم عليه بالفساد لقيام الشخص الذى صام بارتكاب محرما بعد تناول الافطار حتى ولو ارتكب الفاحشة، فالصيام قد سقط عنه بتوافر أركانه وشروطه، ولكن ما راتكب من ذنوب بعد انتهاء الصيام يحاسب عليه وفق التوصيف الشرعى لما ارتكب من ذنوب وآثام.. وقد تهدر ذنوبه أجر وثواب صيامه.
>>>
أديت فريضة الحج رفقة العالم الأزهرى الراحل الدكتور عبد الجليل شلبي– رحمه الله– وكان فقيها يتعلم منه أهل الفتوي، وكاتبا متميزا لعمود (قرآن وسنة) فى الجمهورية، وأثناء العودة ونحن فى مطار جدة رأيت بعض المرافقين لنا فى بعثة حج جامعة الأزهر– وكنت وقتها طالبا بالجامعة– يخوضون فى أمور شخصية لبعض الناس فقلت لهم (كده أفسدتم حجكم) فسمعنى الشيخ وطلب أن أجلس إلى جواره ليهمس فى أذني: سلوكهم الآن والمخالف لأخلاق الإسلام لا يفسد حجهم، فحجهم تم وسقطت عنهم الفريضة بمجرد إتمام المناسك.. لكن سلوكهم الآن يحاسبون عليهم وأرى أنهم يهدرون أجر وثواب حجهم بما يمارسون من غيبة ونميمة وهم عائدون من عبادة عانوا وأنفقوا الكثير من أجلها.. وكان هذا درسا عمليا من الشيخ الجليل لى حتى لا أتسرع وأحكم على أمر ليس لى بتفاصيله الشرعية دراية كاملة.. وهو الأمر نفسه الذى ينطبق على الذى يصوم ويرتكب سلوكا مخالفا لتعاليم الدين بعد انتهاء صومه.
لكن لأن المتطرفين والناقمين على د.جمعة يستهدفون النيل منه أطلقوا حملاتهم العشوائية تحت عناوين خادعة ومغرضة منها الادعاء عليه بأنه أفتى بأن (شرب الحشيش لا يفسد الصيام) فانطلى الأمر على بعض البسطاء على مواقع التواصل الاجتماعى وأخذوا يتناقلون العنوان (الفخ) دون الرجوع لما قاله الشيخ فى هذا الأمر، وهى فتوى قديمة مضى عليه عامان ومتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، استدعاها المغرضون هذه الأيام للنيل من الرجل لكن العقلاء الذين يملكون ولو قدر بسيط من الثقافة الشرعية الصحيحة يدركون أن فتوى الشيخ صحيحة ولا توجد بها ثغرات ولا يختلف معه حولها أحد من العلماء.
>>>
لذلك نصيحتى للجميع على مواقع التواصل الاجتماعي: لا تتورطوا فى تناقل منشورات دون التأكد من صحتها وتذكروا دائما قول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».
لا تنساقوا خلف منشورات يرددها أتباع جماعات يستهدفون من خلالها تصفية حسابات مع شخصيات تصدت لهم، وكشفت باطلهم، ولم تخش تهديداتهم، ونجت من مؤامراتهم.