.. ونسوا أن الأزهر بعلمائه أقوى من مخططاتهم
30 يونيو أنقذتنا من مصير غامض.. والسنوات الماضية شعارها التحدى والإنجاز
وصف د. على جمعة عضو هيئة كبار علماء الازهر الشريف الوضع قبل ثورة الــ30 من يونيو أنه كان بمثابة كابوس مظلم قاتم ليس به بصيص أمل .. موضحا فى حواره لـ «الجمهورية» أنه تنبأ بزوال حُكم الإخوان ولم يخش التصريح بذلك حتى لدى الأمريكان فى لقائه بهم يناير 2013 بمقر الكونجرس الأمريكي، مشيرا إلى أن الإخوان تعاملوا مع المؤسسات الوطنية بمنطق الغنائم المكتسبة فى الحرب.. مشددا على أن الإعلام المصرى دفع من دماء أبنائه وقودا أشعل ثورة يونيو .. وأن هناك جنوداً مجهولين فى ثورة يونيو يجب أن يعطيهم الإعلام حقهم لتعرف الأجيال القادمة أن مصر بها رجال حافظوا على حدودها الداخلية والخارجية من العدوان والاقتتال والتفرقة.. كاشفا ان الإخوان حاولوا السيطرة على مفاصل المؤسسة الدينية ولم يتحقق لهم مطلبهم سوى فى وزارة الأوقاف التى تم تطهيرها بعد ثورة يونيو فى عمل بطولى خارق.
مضى على ثورة 30 يونيو 10 أعوام هل تتذكر الوضع قبل الثورة وحينها وبعدها؟
الوضع قبلها كان بمثابة كابوس مُظلم قاتم ليس به بصيص أمل، وظن المخلصون من أبناء الوطن حينها أن هذا الفصل من فصول تاريخ مصر سيطول حينا من الدهر، وبينما هم يرونه بعيدا كنت أراه قريبا، وكنت أمسح اليأس من قلوب الناس بالأمل فى وعد الله تعالى بأن «.. الزَبًدُ يذهب جُفَاَءَ» وأن ما يَنْفَعُ الناس يمكث فى الأرض، وقد كان الناس يعجبون من التفاؤل الذى يسيطر على قلبى وعقلي، وكنت كلما تفحصت وجوه النابتة من جماعات التشدد والعنف، أدركت أن القناع الذى خدعوا به البسطاء سيسقط سريعا، وبالفعل بعدما دانت لهم الأمور تعاملوا مع المؤسسات الوطنية بمنطق الغنائم، وانكشف عنهم الغطاء وادرك المصريون أنهم جماعة من سماسرة الشعارات الكاذبة والمظاهر الخادعة، وحينها جاءت طائفة من الشباب «تمرد» أعلنوا رفضهم مخطط أخونة مصر، وكانت تلك الشرارة هى التى أشعلت الحماس فى قلوب المصريين فلم ترهبهم التخويفات أو التهديدات التى أطلقها عناصر الإجرام ممن أحاطوا بمقر مكتب الإرشاد بالمقطم، وانطلق الشباب المصرى فى جمع التوكيلات التى أظهرت مدى كراهية المصريين لتلك الجماعة، وبلغ عدد التوكيلات الملايين، وحينها حرصت تلك الجماعة على التشكيك فى مصداقية أرقام التوكيلات التى حررها المصريون لجماعة تمرد للمطالبة بانتخابات عاجلة، وسحب الثقة من جماعة الإخوان، وعقب هذا التشكيك جاءهم الرد عاجلا سريعا فى ميادين مصر، حينما خرج المصريون من كل فجٍّ عميق يعلنون أنهم سائرون فى طريقهم لا محالة لتحقيق مطالبهم، لا يرهبهم تهديد ولا يصرفهم وعيد، وبعدما استغاث المصريون بجيشهم الوطنى لتلبية مطلبهم وحماية ثورتهم جاءهم المدد من الجيش المصرى حينما نزل بقواته فى الميادين لحماية قرار الجموع الوطنية، وحينها أذكر مدى الفرحة التى ملأت عيون المصريين جميعا بعدما اجتمع رموز الوطن الدينية والسياسية واتفقوا على رأى رجل واحد بسحب الثقة من ذلك النظام الإخوانى الذى كاد يدمر البلاد والعباد، وبعدها انطلقت مصر الجديدة بوجهها الحضارى الذى نعرفه جميعا واستطاع الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يحمل الأمانة رغم أنها ثقيلة ثقل الجبال لا يقوى عليها سوى رجال لا يخافون فى الحق لومة لائم رجال صدقوا ما عاهدوا عليه وطنهم وحينما تحمل الأمانة عزم على تبليغها حتى تكتمل لذا كانت عمليات التنمية التى نشهدها جميعا.
بما تصف فضيلتكم الفترة الزمنية بعد نجاح ثورة 30 يونيو؟
يجب أن نتوقف أولا عند نجاح ثورة 30 يونيو ورغم حديث الكثيرين عنها فى مقالات إعلامية وصياغتها فى قوالب سينمائية ودرامية إلا أنها لم تأخذ حظها حتى الآن فى البيان الكافى لملابسات واقع كان مليئاً باليأس والقنوط سوى من رحمة الله تعالي، ورغم أن المؤشرات والواقع يؤكدان التشاؤم لا محالة، لكن شباب مصر كان لهم رأى آخر، وهنا أود القول إن «تمرد» لم يكن سيكتب لها النجاح لو كانت تعمل وفق أغراض شخصية أو مصالح حزيية أو أنها تسعى بمعزل عن الإرادة الشعبية، لكن تمرد جاءت تلبية للصدور المملوءة بالغيظ من أوضاع جماعة ظنوا أنهم فوق الحساب والمساءلة وأنهم معصومون من الزلل فلم يكن ينقصهم سوى ادعاء الرسالة، هناك شباب ورجال ونساء يمثلون جنود الظل، وهناك جنود فى الجيش والشرطة بذلوا أرواحهم فى مقاومة الإرهاب الذى تجسد فى اعتصامات رابعة والنهضة والعمليات الإجرامية فى سيناء وغيرها، هؤلاء الجنود جميعهم يجب أن يعرف الناس سيرتهم ومسيرتهم وصمودهم فى وجه التطرف حتى نسير فى شوارعنا بأمان ونذهب إلى أعمالنا دون خوف، فلا زلت مقتنعا أن ثورة يونيو بها صفحات كثيرة غير معلومة يجب الإفصاح عنها حتى يعلم الجميع المصير الذى كان ينتظر المنطقة وينتظر مصر على يد هؤلاء المنحرفين فكريا، أما إذا أردت وصفا دقيقا لما جرى بعد ثورة 30 يونيو حتى اللحظة التى نجلس فيها سويا فإنه يمكن اختصارها فى كونها سنوات التحدى والإنجاز، فمنذ اللحظة الأولى كانت التحديات فوق الاحتمال، بعدما تربص أبالسة الشر بتلك الثورة المؤيدة من الله تعالى حقيقة بما وضعه سبحانه وتعالى فى قلوب العباد للالتفاف حول مبادئها، رغبة فى عرقلتها ووقف مسيرتها، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين، و الله من ورائهم محيط، لذلك رغم توالى التحديات كان النصر كامنا بما يدعم المصريين لعبورها، وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، وهذا ما أفقدهم صوابهم وأفقدهم البصيرة والبصر، فلم يجدوا سوى الأكاذيب الممزوجة بالشبهات، يخادعون الله وهو خادعهم، متجاهلين أن فطرة المصريين من الوطنيين لا تنطلى عليها الأكاذيب فهم يؤمنون بوطنهم لا شريك لهم فى محبته، ويقفون وراء دولتهم ومؤسساتهم الوطنية تأييدا حتى التمكين، ويتحملون ما تنوء عن حمله الجبال سعيا إلى تحقيق إنجاز يليق بمقام مصر ومكانتها وتاريخها.
هل أسهم الإعلام فى فضح مخطط الإخوان قبل ثورة 30 يونيو؟
الإعلام والإعلاميون تعرضوا لهجمة إخوانية شرسة نالت من أشخاصهم ومن شرف مهنتهم، إلى درجة أن بعض الإعلاميين قدموا حياتهم قربانا لوطنهم وكتبوا بدمائهم الشريفة مسيرة إنقاذ مصر من حرب أهلية كادت تقع نتيجة ممارسات الإخوان الاقصائية للمخالفين، وقد حاول الإخوان إلقاء جريمة دم الحسينى أبو ضيف وميادة أشرف على أجهزة الأمن، رغبة فى تغيير دفة الريح، لكن تاريخهم المليء بالدماء فضح كذبتهم، ولا ننكر أن دماء أبو ضيف وميادة أشرف كانت بمثابة وقود حقيقى لثورة الــ30 من يونيو، وأذكر أن الإخوان كانوا يتطاولون فى مهاجمة الإعلاميين بأوصاف نابية، ولأنهم يؤمنون بمبدأ: من ليس معنا فإنه علينا.
هل تطرق الإخوان لتغيير فى منهجية المؤسسة الدينية؟
بالفعل هم كانوا يخططون لفرض منهجهم المنحرف على المؤسسة الدينية وفق مناهج الأبالسة لتغيير المؤسسة الدينية بالتشويه الممنهج وإظهار الفشل لدى القادة الذين يديرون العمل بالمؤسسة الدينية واستغلال حماس الشباب الذى خرج فى 2011 لتأليبه على المؤسسة الدينية، وقد ظهر ذلك واضحا فى موضوع تسمم طلاب المدينة الجامعية بالأزهر، وقد تبين لأصحاب العقول أن تلك الحادثة مفتعلة وليس لها اصل من الحقيقة فالعمل بالمدن الجامعية يسير وفق آلية منضبطة للكشف عن سلامة الأغذية التى تُقدم للطلاب حيث يبلغ عددهم الآلاف وإذا حدث خطأ فى سلامة الغذاء فستكون كارثة حقيقة، ولكن لأن الإخوان كانوا يريدون خلق أرضية غضب شعبى ضد قادة جامعة الأزهر حتى تحدث مطالب شعبية بإقصائهم وإفساح المجال لاتباعهم، وأذكر وقتها أن الحادثة كانت فجة الافتعال حينما ذهب الرئيس الإخوانى لزيارة هؤلاء الطلاب فى مستشفى التأمين الصحي، وبعدها مباشرة انتقل هؤلاء الطلاب المنتمون لجماعة الإخوان فى مختلف الجامعات المصرية للاعتصام بمقر مشيخة الأزهر وتركزت مطالبهم فى عزل رئيس جامعة الأزهر ، كما أنهم بدأوا للضغط محاولين اختراق مشيخة الأزهر ودار الإفتاء المصرية، وظهرت خلاياهم النائمة طيلة السنين الماضية وارتفع صوتهم لكنهم جهلوا أن الأزهر الشريف بعلمائه اقوى من محاولات ومخططات الأخونة أو التمذهب فقد تصدى لهم العلماء الراسخون فى المؤسسة الدينية، ولم يفز الإخوان بدخول المؤسسة الدينية سوى عن طريق وزارة الأوقاف لأن تعيين الوزير كان بيد رئيس الحكومة الإخوانى وقتها، ولذلك بدأوا فى نشر اتباعهم فى مفاصل الوزارة ولكن الله أعان من جاء بعد ثورة الــ30 من يونيو فى تطهير الوزارة منهم تطهيرا لم يغادر صغيراً ولا كبيراً فى الفكر المنحرف.
هل تسرب إلى فضيلتكم قلق حينما حاول الإخوان اغتيالكم فى عملية إرهابية غادرة؟
منذ جاءت هذه الجماعة المنحرفة إلى الحُكم بدأوا تصفية الحسابات مع الجميع، وأنا من جملة من حاولوا تصفيتهم جسديا وكان ذلك يوم الجمعة أثناء توجهى لأداء الصلاة بالمسجد المجاور لمسكني، ورغم أننى لم أكن خطيب الجمعة فى ذلك اليوم إلا أننى حرصت على صعود المنبر لأداء خطبة الجمعة حتى يعلم الإخوان أننى لا أخشى الموت شأن كل جندى مصرى شريف يقف مدافعا عن حدود وطنه يحرص على الموت حرص الإخوان على الحياة.
هل يمكن أن تلخص لنا منهجية الإخوان؟
منهجية الإخوان عرفتها مبكرا حينما سمعت من الشيخ الشعراوى رضى الله عنه يسرد سيرة حياته ومسيرته الأولى بأنه انخدع فترة من حياته بالانضمام لأفكارهم لدرجة أنه كتب لهم بخط يده أول بيان لجماعة الإخوان، ولكن الله تعالى أراد أن يكشف الحجاب عن بصيرته ليرى بقلبه وعينه حقيقتهم حينما رأى بعينه عبد الرحمن السندى مؤسس الجناح العسكرى لجماعة الإخوان يعتدى على حسن البنا بالدفع حتى كاد يسقط أرضا بسبب خلافهم على دعم النحاس باشا أو إسماعيل صدقى فى الانتخابات، ووقتها أذكر كلام الشيخ الشعراوى بأنه علم بأن تلك الجماعة هدفها الحكم وليس الدعوة، وأنهم لا علاقة لهم بالإسلام من قريب أو بعيد، وهذه هى منهجية الإخوان لمن أراد إليها سبيلا، هم جماعة لا يشغلهم سوى الحكم حتى لو جاء هذا الغرض على جسد الوطن، فهم لا يؤمنون بفكرة الوطن ولا بمكانة الوطن ويترجمون الوطن فى عقليتهم بأنه عبارة عن حفنة من تراب، ولا يعلمون أن الوطن أصل الشعائر وبدونه لا يمكن لمسلم أن يصل إلى ربه، وهذه المبادئ وتلك المفاهيم بعيدة عن المنظور الإخوانى كاملة.
بماذا كان شعوركم عندما رأيتم السلفيين يحاصرون الكاتدرائية؟
لولا أن تتطور الأمور حينها لذهبت إلى الكاتدرائية لحمايتها من هؤلاء النابتة الذين لا يعرفون من الدين إلا اسمه ولا من التشريع إلا رسمه، وللعلم فإن هؤلاء النابتة حينما ذهبوا إلى الكاتدرائية كانوا مدفوعين من الإخوان الذين استغلوا فيهم حالة الغياب العقلى لمفاهيم الدين، حتى يكسب الإخوان على حسابهم بإظهار أنفسهم فى ثياب الحريصين على الوحدة الوطنية، ولكن هيهات لهم أن ينخدع الناس بتلك الأكاذيب، لأن منهج الإخوان لا يعرف سوى العقلية الصهيونية التى تؤمن بمنطق التفرقة بين الائتلافات الوطنية حتى يستطيعوا أن يستفردوا بكل فصيل على حدة وفق طباع الذئاب، لكن حكمة الأزهر والكنيسة أفسدت تلك المخططات، وهذا يجعلنا نعرف سر كراهيتهم للأزهر وعلمائه، فلا تزال أيدى الإخوان وأذنابهم من جماعة التكفير ملطخة بدماء الشيخ الذهبى حينما واجههم بالفكر الذى يزعجهم، لذلك قرروا الهجوم على بيته ليلا واختطافه، وتصفيته جسديا، والعجيب فى تلك الحادثة أنهم بعدما اختطفوا الذهبى طالبوا بعدة مطالب أغربها: قيام الصحافة المصرية بتجميل صورتهم ونشر كتاب شكرى مصطفى «الخلافة» على حلقات، وعندما لم تتم الاستجابة لمطالبهم قتلوه، ولكننا سنظل نحاربهم لنحمى شبابنا وبلادنا ونحمى الناس أجمعين من شرورهم.
برأى فضيلتكم ماذا تحقق خلال السنوات الــ10 الماضية؟
كنت فى رحلة علمية إلى أمريكا فى يناير 2013، وفوجئت بدعوة استماع من الكونجرس، وحينما وصلت وجدت نحو 7 من أعضاء الكونجرس، وسألونى عن الأحوال فى مصر ووصول الإخوان للحكم، ولكن أحدهم سألنى : هل الإخوان يسيرون على الطريق الصواب فى حكم المصريين، وهل يوجد حالة رضا عليهم من جموع الشعب المصري، وكانت إجابتى صادمة لهم، فقلت: لا يعرفون الصواب والشعب عليهم غير راضٍ، فأحسست بأنه منصدم من إجابتي، فتابعنى بسؤال لاحق عن السبب، فأجبته بصورة مختصرة ضاربا المثل بقائد سيارة وهو لا يعرف أسس القيادة السليمة، فالنتيجة المنطقية أن يصطدم بأول حاجز يقابله فى الطريق، لكنه سألنى سؤالا ماكرا حينما قال متى تتوقع أن يحدث الاصطدام فقلت خلال 6 أشهر، فقال: هل لديك معلومة، فقلت إنه ترتيب منطقى للأحداث وفق السنن التاريخية، وشاءت الأقدار أن نلتقى مرة ثانية عام 2015 فسألنى نفس السؤال: فقلت له هناك فرق يمكن قياسه بالسنوات الضوئية بين من يقودون مصر حاليا وبين النظام الراحل غير مأسوف عليه من جماعة الظلام الإخوانى المنحرف، فالنظام الذى جاءت به ثورة 30 يونيو ترجمة حقيقية لآمال وطموحات شعب خرج رافضا الاحتراب العقائدى أو الاقتتال المذهبي، إنه نظام جاء تلبية لتاريخ المصريين فى الوحدة الوطنية والإيمان بوطنهم والدفاع عن حدوده بالنفس والمال، لذا فإن المصريين سيتحملون مع هذا النظام التحديات والصعوبات مهما بلغت قسوتها، لأنهم لا يتطرق إليهم الشك فى إخلاص ووطنية هذا النظام، وبالفعل تحقق ما توقعت من مشروعات وتنمية وعمران وبناء فى جوانب الإنسان والمكان لدرجة أنك إذا حركت جسدك بالزيارة لمصر من الإسكندرية حتى أسوان فلن تجد نقطة بدون مشروعات لم تصل إلى الخيال يوما، ووسط أزمات ضربت العالم كله من حروب وأوبئة وتحديات لا يزال صداها قائما بما يفعله العدو التاريخى لمصر ومع الاشقاء فى فلسطين.