أعلن د. حسين أبو الغيط عميد طب بنين الأزهر بالقاهرة عدم وجود نوايا لـ «تعريب العلوم الطبية» مؤكداً فى حواره «الجمهورية» أن القضية تم تناولها بشكل فيه إثارة بعيداً عن موضوعية التناول ، مشيراً فى حواره إلى الإمكانيات والقدرات البشرية والفنية التى تملكها مستشفيات طب الأزهر بما يجعلها داعمة منهجية الدولة فى الارتقاء بالمنظومة .. كاشفاً عن سياسته فى العمل الإدارى القائمة على الحضور الميدانى ورفع حواجز التواصل بينه وبين المشاركين من الأطقم الطبية والإدارية.
هل الدراسة الطبية بالأزهر تعتبر ضمن عناصر الجذب حاليا للطلاب المتفوقين علميا؟
لا أعرف لماذا يظن البعض أن الدراسة بالأزهر مستواها أقل من الجامعات الأخرى، رغم أن أساتذة وعلماء الازهر متفوقون في المجالات العلمية والمعرفية داخل مصر وخارجها، كما أن الدراسة بالأزهر تمتاز بالانضباط الفكري والمنهجي والسلوكي، وأذكر أنني كنت من جملة العشرة الأوائل على مستوى الجمهورية في الثانوية الأزهرية وكان متاحًا أمامي وقتها الالتحاق بالجامعات العامة في كليات الطب، لكنني التحقت بكلية طب جامعة الأزهر وافتخر بأزهريتي، وشاءت الأقدار أن أحقق حالة من التوهج الدراسي نتيجة المفاهيم الراقية من أساتذتنا في طب الأزهر، وبعدها أخذنا جميعا على أنفسنا عهدا بأن ننقل إلى طلابنا الأسلوب العلمي الذى تعلمناه، وفي سنة الامتياز عام 1992 صادف وقتها حدوث زلزال في مصر، ورغم أنني كنت عازما على التخصص في طب الباطنة، لكنني قمت بتغيير بوصلة حياتي فورا بعدما وجدت حالات الكسور تأتي إلى مستشفيات الأزهر بصورة مخيفة، وأيقنت وقتها معنى كونك طبيب عظام في قسم الطوارئ أثناء وقوع كارثة، وكيف تستطيع مساعدة دولة في محنتها، بكل جهدك وعلمك وترد لها الجميل وقت الأزمات، وقد كانت سلوكيات الأزهر وملازمة لي حتى عندما سافرت إلى ألمانيا للحصول على الدكتوراه في تخصص العمود الفقري، وقمت برد الجميل في كل طالب وكل مريض، وكنت متواجدا في العيادات الخارجية بمستشفى الحسين الجامعي، وسط الطلبة والمرضى اكشف عليهم بنفسي، وعندما توليت عمادة الكلية تبنيت سياسة الباب المخلوع، وليس المفتوح، فلا يوجد بيني وبين الطلاب وأساتذة الأطباء حاجز ، ففي أي وقت بابي مفتوح أمام الجميع.
بقراءة السيرة الذاتية لكم تبين أن بينك وبين الأزمات صلة غير مفهومة؟
بالفعل هذا ملمح غريب فعلا، فكما ذكرت أن أزمة زلزال 1992 جاءت في عام عندما حصلت على الماجستير والدكتوراه وأصبحت مدرسًا بقسم العظام، وبعدما أصبحت وكيلا للدراسات العليا والبحوث أصاب العالم جائحة كورونا وحينها صدر قرار قيامي بعمادة كلية طب بنين القاهرة، وكان هذا اختبارا شديد التحدي في ظل التوتر والأزمة وارتفاع الحالات ومخاوف أطقم التمريض ووفاة الأطباء، وقد أثبتنا أننا على قدر التحدي.
كيف تعاملتم مع جائحة كورونا؟
.. كان اختبارًا صعبًا، طلاب لا تدري كيف تستكمل دراستها، وأطباء وممرضون يخشون العمل وسط وباء قاتل، وخوف ورهبة سكنت القلوب، وأتمنى أن يكون هناك من يستطيع القيام بعمل تأريخي وشهادات حية موثقة عن الأطباء الذين حملوا أرواحهم على أيديهم وتركوا منازلهم بهدف حماية الجبهة الداخلية من العدو الفتاك الذى لا يبقى ولا يذر، لا أبالغ القول إنهم كانوا أبطالا بعدما شهدوا ساعات ودقائق وثوانٍ تشيب منها الولدان، لكن أطباء الأزهر ضربوا المثل في العزيمة والإصرار على عبور الأزمة بأقل الخسائر، فقد وضعنا أمامنا قول الله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) لذلك حرصنا على التماس اسباب الحياة حتى لو كان الثمن هو حياتنا.
هل العمل الإداري ينجح بالخطط أم بالجهد الميداني؟
النجاح في العمل توفيق من الله تعالى في المقام الأول ثم جهد ميداني بالنزول لأرض الواقع، فلا أؤمن بالجلوس في المكاتب وإنما احرص على النزول إلى غرف الكشف والمتابعة مع فريق الأطباء والنواب وطاقم التمريض بهدف طمأنة المرضى، وهذا يسهم في تنمية القيم الجوهرية لطب الأزهر.
ومع احترامي لكليات الطب على مستوى العالم لكن هناك خصوصية لطب الأزهر ففيها تعلمنا التواضع والصبر على المريض وعلاجه بكرامة، والتعاون بين العاملين.
هل مشروع تعريب دراسة طب الأزهر قائم؟
للأسف هناك حالة من الخلط في التناول الإعلامي لحقيقة الفكرة التي صدرت من مجلس جامعة الأزهر ولم تكن بقصد تعريب العلوم الطبية للتدريس، ولكن كانت الفكرة وجود لغة طبية سهلة للعامة وليس الأطباء، دون تفكير في تعريب مواد الدراسة، فلا توجد نية لتعريب العلوم الطبية بطب الأزهر ، هذا لن يحدث لأنه غير واقعى .
من خلال عملك وكيلا للدراسات العليا والبحوث هل الأبحاث العلمية حبيسة الأدراج؟
أعلم أن تلك المشكلة تحدث عنها الإعلام في رصد منه لمراكز البحوث القومية، أو من خلال شكاوى الباحثين، وهذا حقهم لأن البحث العلمي عصارة فكر ومجهود ونقاقات مالية يتحملها الباحث في سبيل تحقيق نتيجة علمية تسهم في رفع مستواه المادي والعلمي، وينعكس إيجابيا على التنمية المجتمعية، فلا شك أن البحث العلمي هو القاطرة التي تنهض عليها الدول، ولأننا ندرك قيمة البحث العلمي وأهميته لذلك حرصنا ألا يوجد بحث حبيس الأدراج داخل طب الأزهر، فالأبحاث يستفيد منها المريض، وهناك أبحاث تجرى بالخارج ويستفيد منها الأطباء بمصر، ومعظم الأبحاث الطبية ذات التقنية الحديثة يتم الاستفادة منها ولدينا نماذك كثيرة.
فى رأيك ما أهم المشاكل التي تواجهها مستشفيات الأزهر؟
المشكلة الأبرز التي تواجهنا هي إقامة الأطباء فهذه أهم المشاكل المتواجدة بالمستشفيات سواء كانت في باب الشعرية والحسين الجامعي، حيث يوجد 1300 سرير للمرضى وهذا يحتاج جيش من الأطباء أي منظومة طبية متكاملة، ولهذا يجب توفير إقامة طبية «سكن الأطباء» ويتم تطويره بحيث يكون إقامة لائقة، والمشكلة الثانية التي تواجهنا تتمثل في العمل على تطوير أقسام المرضى وفق أعلى مستوى، وذلك نظراً لأن مستشفيات الأزهر في منطقتين سكنية مكتظة بالسكان فلا يمكن إغلاقها لحين الانتهاء من التطوير، مما يفرض علينا وجوب التطوير أثناء العمل وهذا يمثل عبئا لكننا فخورين به لأن ثقة المرضى في أطباء الأزهر تجعلنا نؤمن بأننا نؤدي الرسالة وفق ما تعلمناه.
ما أصعب عملية تم إجراؤها داخل مستشفيات جامعة الأزهر؟
هناك عمليات اعوجاج العمود الفقري واليد المبتورة كاملة، حيث يتم تركيبها أكثر من مرة بواسطة فريق أطباء، كما توجد جراحات ميكروسكوبية بقسم التجميل، وفي قسم العظام على أعلى مستوى والعمل قد يستمر لـ 14 ساعة متواصلة داخل العمليات حتى نعيد أصابع اليد أو قدم.
هل هناك خطة ورؤية مستقبلية لتطوير المنظومة الطبية داخل مستشفيات الأزهر؟
نحن نهتم بالحجر والبشر معًا بالتوازي ، أي يتم تطوير البنية التحتية وتقديم كل ما هو جديد في الطب لتطوير المنظومة الطبية أي الأجهزة أو التقنية أو العمليات تقدم على مستوى أوروبي مع تدريب العنصر البشري لأن التدريب في الطب يوفر حياة مريض.
هناك أجهزة متقدمة لتدريب الأطباء.. فهل هذا متوافر داخل مستشفيات الأزهر؟
هناك أجهزة محاكاة على أعلى مستوى تم توفيرها لأطباء ومرضى ومستشفيات الأزهر مما جعل جامعتنا تعتبر أول جامعة تمتلك هذه الأجهزة لتدريب الأطباء وهي أجهزة محاكاة المناظير الجراحية، ومناظير الباطنة ومناظير العظام حيث يتم تدريب الطبيب على إجراء المنظار بشكل عملي والتعرف على كل المعوقات وتفاديها قبل إجراء المنظار للمريض، هذا إضافة لوجود أكبر معمل كمبيوتر مراقب بالكاميرات داخل كلية طب يحتوي على 704 أجهزة كمبيوتر، ونعمل على تقليل الأخطاء ورفع مستوى الطبيب وإعطاء أفضل خدمة طبية للمريض.
أقسام العناية المركزة هل تمثل مشكلة داخل مستشفيات الأزهر؟
سرير الرعاية المركزة على مستوى العالم تكاليفه باهظة الثمن، لكن تم إقامة رعاية مجمعة داخل مستشفى الحسين الجامعي منذ عامين قام بها بيت الزكاة المصري بتكلفة 70 مليون جنيه، لتوفير 100 سرير برعاية مجمعة ورعاية باطنة ورعاية صدر ورعاية قلب، وكذلك تم زيادة أسرة الرعاية المركزة بمستشفى باب الشعرية وصولًا لـ 100 سرير.
ما تحديات المنظومة الطبية داخل مستشفيات الأزهر؟
ارتفاع أسعار الخدمة الطبية وارتفاع تكلفة التدريب والأجهزة الطبية، فالطب مكلف للغاية، وأنا مشفق على الدولة في تدبير ميزانية ضخمة لتحسين وتطوير الخدمة الطبية وتقديمها بصورة لائقة للمريض مجانًا، مع توفير تعليم طبي جيد للطالب.. والدولة تبذل جهداً وتكلفة كبيرة لتقديم رعاية طبية لائقة.