وقف إطلاق النار فى غزة هى الورقة الرابحة التى يلعب بها رئيس الوزراء الاسرائيلى نتنياهو، ولكنه يريد استخدامها فى الوقت الذى يناسبه والطريقة التى تخدم مصالحه، يشعل الجبهة الشمالية لكسب الوقت، يقوم بعمليات اغتيال كبرى لقيادات حماس وحزب الله، يستنفر المنطقة، ويصعد الصراع، ويجعل الأنظار تتجه نحو إيران ولبنان، فى حين أنه يريد إطالة أمد الحرب فى قطاع غزة ليصل إلى أهدافه غير المعلنة، وهو الاحتلال العسكرى الكامل، وإعادة الاستيطان فى القطاع، وهو فى سباق مع الوقت حتى يصل إلى شهر نوفمبر، موعد انعقاد الانتخابات الأمريكية، ويتجلى له المشهد لتحقيق مآربه بفوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب، الذى وعده بتحقيق أحلامه.
وفى سياق متصل فإن المفاوضات التى يقوم بتعطيها طوال الوقت، والتعنت فى التفاصيل، والدخول فى شروط جديدة، وحرب الإبادة التى لا تتوقف، هى كلها أدوات يستخدمها لكسب الوقت.
يقول د. أسامة شعث أستاذ العلاقات الدولية الفلسطينى إن الوفود التى اجتمعت فى القاهرة، لم تصل إلى اتفاق نهائى بسبب التناقضات، وهناك نقاط اختلاف واضحة بين الجانب المصرى والإسرائيلي، حول التواجد فى محور فيلادلفيا ومعبر رفح، حيث ترفض مصر التواجد الاسرائيلى فى هذه المناطق بشكل حاسم كما يوجد اختلاف بين المقاومة وإسرائيل، حول التواجد العسكرى ومحور نتساريم، والأسرى وعملية التبادل وأعداد الاحياء والأموات، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو يستخدم كل السبل من أجل مد أمد المفاوضات، وعدم التوصل إلى اتفاق، حيث إنه يهدف إلى الضغط على الإدارة الأمريكية وابتزازها، حتى الوصول إلى ما بعد نوفمبر، موعد عقد الانتخابات الأمريكية، وحتى استعادة توازنه وشعبيته فى الداخل الإسرائيلي، والتى يحاول تحقيقها بعد فشله فى أهداف الحرب على غزة.
أوضح شعث أن نتنياهو يريد تحقيق حلمه بالاستيطان لقطاع غزة، وأنه حتى لو تم توقيع المفاوضات والتوصل إلى اتفاق، فإنه يحاول الوصول إلى نتائج ترضيه، ببناء ثكنات عسكرية فى عدة مناطق من غزة، لكى يحقق التواجد العسكري، لذا ترفض حماس بقاء قوات الاحتلال فى محور نتساريم، لأنه يريد بناء أربع ثكنات عسكرية على هذا المحور، الذى يصل من الحدود الشرقية لقطاع غزة إلى البحر بطول 7 كيلو مترات، ويقطع القطاع إلى نصفين شمال وجنوب، وهو أمر خطير يهدد بتطبيق مخطط الاستيطان، وهناك خرائط جديدة يتم الترويج لها فى الإعلام الإسرائيلى علناً، والنقطة الأخطر هو التواجد الإسرائيلى فى محور فيلادلفيا، وبناء ثكنات عسكرية، وهو ما تم عرضه على الإدارة الأمريكية بتواجد ثمانية أبراج، وهو ما رفضته مصر بشكل حاسم، وبعدها عرضت إسرائيل بناء برجين خلال المفاوضات، ولكن مصر أصرت على رفض أى تواجد إسرائيلي، سواء فى محور فيلادلفيا أو فى معبر رفح، وهذا الموقف الحاسم من مصر يفسد كل مخططات إسرائيل.
قال شعث إن الجانب الإسرائيلى لديه خطة استيطان لم يعلن عنها، ولكن يتم العمل عليها، وعندما توجه نتنياهو إلى أمريكا جمع نصف مليار دولار من رجال الأعمال اليهود لتنفيذ هذا المخطط، وهناك خرائط توضح الشكل النهائى للاستيطان فى قطاع غزة، وتوضح أن نتنياهو يريد الاستقرار وبناء ثكنات عسكرية تؤمن الاستيطان، والخرائط بها تقسيم القطاع إلى قطاعات، بين خان يونس ودير البلح ثكنة، ويمتد من الشرق مع مستوطنة كيسوفيم وجنوب المغازي، وصولاً إلى منطقة البحر، والمحور الثانى نتساريم، وهو ينوى بناء مستوطنات بين غزة والنصيرات ويحيط غزة من الجهة الشرقية. كرم أبوسالم وصولاً إلى بيت لاهية، وانشأ منطقة زراعية فى بيت لاهيا شمال غرب غزة، ومنطقة صناعية شمال شرق غزة، ومدينة غزة عبارة عن منطقة استثمارية وحدائق ومتنزهات، مما يشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية، والمحور الثالث فيلادلفيا، حيث بدأ تسوية الأرض لبناء ثكنات عسكرية وأبراج مراقبة، حيث حدد الأماكن، منها برج على البحر، وفى تل زعرب، وبرج رفح الغربية، وبرج الشهود، والبرج الخامس العبد، وبرج بلوك، وبرج البرازيل، والثامن على المعبر.
وأشار إلى أن موقف مصر الثابت منذ بداية العدوان، حمى الفلسطينيين من المخطط الإسرائيلي، ومصر دولة كبري، ولم تتزحزح رغم كل الضغوط، وهناك ديكتاتورية جغرافية تتمتع بها مصر مع فلسطين، لذا فإن مصر الأقرب إلى الشرعية الفلسطينية فى التفاوض، والقيادة الفلسطينية ترى أن مصر الأقرب تمثلنا فى المفاوضات، لأن الثوابت والفكر والطريقة والإدارة واحدة، ومصر وفلسطين فى خندق واحد، وعندما يتم اختيار ممثل للشعب الفلسطينى فمصر الأقرب والأنسب، فهى تخلق حالة توازن على مر العقود، والكلمة الاخيرة لها، وسوف تقبل بها كل الأطراف، لذا يتم العمل بشكل دائم على إحراج مصر إعلامياً، وتصدر إسرائيل الشائعات بأنها من تغلق المعبر وتمنع المساعدات، وبالرغم من كل ذلك تقوم مصر بدورها كوسيط من أجل وقف الحرب، وهى شريك وطرف فى الجانب الحدودي، وتتفاوض كشريك أساسى لا يمكن الاستغناء عنه.
وقال إن هناك ثلاثة سناريوهات متوقعة فى المفاوضات الحالية، الأول يتمحور حول إفشال نتنياهو وعرقلة المفاوضات، وانتظار ما سوف تسفر عنه الانتخابات الأمريكية، ونجاح المرشح الجمهورى دونالد ترامب، باعتباره أكبر داعم لاستمرار الحرب، واحتلال غزة، والسيناريو الثاني، انتظار نتنياهو حتى يوم 25 سبتمبر، وبعدها الموافقة على عقد الصفقة، وهنا يحقق المرحلة الأولى بتبادل الرهائن، ومدتها 42 يوماً، ولا يحقق المرحلة الثانية، لأنه سوف يدخل فى نوفمبر موعد عقد الانتخابات الأمريكية وفوز ترامب كما يتمني، وساعتها ينسحب من اكمال المرحلة الثانية، وإذا لم ينجح ترامب يكمل المرحلة الثانية مرغماً لأن هذه هى رغبة الحزب الديمقراطي، وعلى صعيد السياسة الأمريكية فإن هناك رهاناً لدى الإدارة الأمريكية بأنه إذا تم إطلاق نار جزئى وتمت الموافقة على المرحلة الأولي، قبل الانتخابات فإن هذا مكسب كبير للديمقراطيين، كما أنه من الممكن عقد الكنيست أول أكتوبر والمطالبة بعقد انتخابات مبكرة، وإسقاط الائتلاف المتشدد، ومجئ وجوه جديدة، تكمل باقى الصفقة، والسيناريو الثالث، هو إعطاء هدية للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، بإتمام الصفقة قبل يوم 8 سبتمبر، موعد المناظرة الرئاسية بينها وبين ترامب، مما يجعلها أكثر قوة، بما أن حزبها استطاع إيقاف الحرب، وتم إنجاز الصفقة، وهو سيناريو ضعيف، ومن الممكن قبوله من جانب نتنياهو للخروج من المأزق الداخلي.