لا ينبغى الاستهانة بقمة البريكس الأخيرة التى عقدت فى قازان، روسيا، باعتبارها تجمعًا غير ذى أهمية ضد الغرب. بينما قد تعتبر الحكومات الغربية أن القمة تفتقر إلى الوحدة والجوهر، فإن الواقع أكثر تعقيدًا بكثير. إن طموحات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية فى الحصول على حصتها من النفوذ والثروة العالمية هى طموحات مبررة ومفهومة. وبدلاً من الرد بشكل دفاعى على سعى هذه الدول لمصالحها المشروعة، ربما حان الوقت لأن يتبنى الغرب نهجًا أكثر بناءً فى مجال تقاسم السلطة.
على مر الزمن، تطورت مجموعة البريكس لتصبح منصة متعددة الأطراف ذات أهمية، لتشكل توازنًا أمام مجموعة السبع الغربية «G7» .ومع توسيعها مؤخرًا لتشمل مصر وإيران وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة، فإن ذلك يبرز تقدم المجموعة لتصبح منصة متعددة الأطراف مستقلة عن الغرب وأقل اعتمادًا على عملاته، بالإضافة إلى مؤسساته مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولي.
تشير توسعات مجموعة «بريكس» وزيادة نفوذها إلى ظهور عالم ثنائى القطب، حيث تُوزع القوة بشكل أكثر توازنًا بين هاتين الكتلتين الرئيسيتين. وقد تؤدى هذه الديناميكية الجديدة إلى زيادة المنافسة والتعاون على مختلف الأصعدة، بما فى ذلك السياسات الاقتصادية، والتقدم التكنولوجي، والاستراتيجيات الجيوسياسية. تتأهب دول «بريكس»، بتنوعها الاقتصادى والديمغرافى الكبير، لتحدى النظام العالمى القائم وتقديم نماذج بديلة للحكم والتنمية. يظهر النظر إلى الهيمنات فى الماضى أن لا نفوذ يدوم إلى الأبد. هذه هى بداية صراع جديد على السلطة، حيث يتم تحدى التحالفات التقليدية، والأيديولوجيات، وهياكل القوة، بينما تُرسم الخطوط فى لعبة شطرنج عالمية.
من المرجح أن يكون لصعود مجموعة «بريكس» آثار رئيسية عدة على الجغرافيا السياسية العالمية. يتضمن ذلك إعادة ترتيب اقتصادى يشجع على تقليل الاعتماد على الدولار، بالإضافة إلى تزايد وضوح النزاعات الإقليمية، والسياسات التجارية، والتحالفات العسكرية. كما يُتوقع أن يتم تحدى الحوكمة العالمية، مما يؤدى إلى إنشاء أنظمة ومؤسسات مالية جديدة تعكس بشكل أفضل مصالح الاقتصادات الناشئة.
خلال توليّ لمناصب قيادية فى الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من المؤسسات الدولية التى تقدم استشارات حول الجغرافيا السياسية، لطالما دعوت إلى التعددية ولا زلت أواصل الدعوة إلى مفاوضات بناءة بين هاتين الكتلتين العالميتين. أرفض الفكرة المبسطة القائلة «إنك إما معنا أو ضدنا»، كما لو كانت الأمور إما سوداء أو بيضاء. نعيش فى عالم غنى بألوان متعددة، ويجب علينا تجنب النهج الثنائى فى الجغرافيا السياسية، لأنه يعزل الدول ويزيد من المشاعر السلبية، وهو ما لا يمكن أن تتحمله هاتان الكتلتان «وغيرهما من الدول» فى علاقاتهما المعقدة مع بعضها البعض.
كان هناك ميل لتعزيز قيم الغرب كعالم ديمقراطى يخضع لهيمنة البيض والمسيحيين، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب الاعتراف والاحترام للأعراق ونماذج الحكم المختلفة. من الواضح أن مستقبلنا العالمى يتواجد ضمن إطار متعدد العقائد وذى قطبين. ويجب تقليل العداء بين هاتين الكتلتين، لأنه ليس من مصلحة أى طرف أن يشهد صراعًا بينهما.
يتطلب صعود مجموعة «بريكس» اتباع نهج أكثر توازنًا ومرونة فى العلاقات الدولية. يشمل ذلك قبول التنوع فى أنماط الحكم والتفاعل بشكل بناء مع الدول ذات الأنظمة السياسية المختلفة، وإصلاح التحالفات لتتناسب مع الديناميكيات العالمية المتغيرة، وتعزيز التعددية بين الغرب والشرق، وتطوير حساسية ثقافية أكبر لتخفيض التوترات الدبلوماسية وبناء شراكات أكثر متانة..
سيكون تبنى هذه الحقيقة الجديدة بروح من التعاون والاحترام المتبادل أمرًا حاسمًا للتعامل مع تعقيدات مستقبلنا.