كشفت الحرب الدائرة الآن فى الشرق الأوسط وبين روسيا وأوكرانيا ان الغلبة والدعم للمصالح على حساب الايديولوجيا، وانه لا يوجد تحالف كامل أو مستمر بعد اغتيال الاتحاد السوفيتى وتفكك الكتلة الشرقية وتشظيها الى دول ذات علاقات غربية بدرجة أو بأخرى لتنفرد امريكا بالعالم.
وكشفت الحرب الدائرة الان عن الجنة المفقودة بانقسام العالم الى قطبين فى الماضي، وكان اختلافهما رحمة باحتماء احد الضعفاء بأى بلطجى منهما، ومنذ القدم بل ومن اسرار الوجود ذاته، التواجد فى «الصورة الثنائية، من الليل والنهار الى الحر والبرد من الذكر والأنثى إلى الموجب والسالب، من اليونان والاغريق الى الفرس والروم ومرورا ببريطانيا العظمى وفرنسا إلى امريكا والاتحاد السوفيتي، وكانت هذه القطبية تتيح لاى دولة الانخراط تحت لواء احد القطبين، وحتى عندما اقيمت كتلة عدم الانحياز كان الاتحاد السوفيتى هو الأقرب.
المهم تعالوا نتخيل السيناريو لو كانت لبنان أو فلسطين أو حماس أو اليمن تحت اللواء السوفيتى ..هل كانت موسكو ستسمح بهذه المجازر… وأعتقد ان آخر تحالف حقيقى كان بين سوريا وروسيا والذى أدى لانقاذ سوريا من السقوط تحت المقصلة الامريكية الاسرائيلية منذ سنوات.. والآن يكمن السر فى التحالفات الدولية فى المصلحة وما أدراك ما المصلحة !!
ويبدو ان مراكز الأبحاث والدراسات الغربية على وجه العموم والامريكية على وجه الخصوص قد نجحت فى وضع السيناريوهات التى نعيش ظلامها الآن.. وحتى يكون الكلام مستندا على الواقع، تعالوا نحاول ان نستعرض ما يحدث دون توقع الفهم.
ومع العلاقة الاستراتيجية بين التنين الصينى والدب الروسى لم تتورط ببكين فى الحرب مع اوكرانيا.
تعالوا ننظر الى علاقة روسيا بإيران.. نعم روسيا وإيران ليستا حليفتين رسميتين، لكن علاقاتهما تعمقت بشكل كبير فى السنوات الأخيرة، ويعدان الآن لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق «شراكة استراتيجية… ووصل التعاون العسكرى الى حد امداد موسكو ببعض العتاد العسكرى الايرانى فى حربها مع اوكرانيا. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ان التعاون الاقتصادى والتجارى الروسى – الإيرانى نجح الى حد وقوفه حجر عثرة، بل قوض الحصار والمقاطعة الغربية والأمريكية لهما، ومع ذلك لم تتدخل روسيا مع طهران فى التراشقات مع اسرائيل.
والعلاقة المتميزة بين الصين وإيران فى كافة المجالات والاعتماد الصينى على النفط الإيراني.. إلخ من أشكال العلاقات لم يجعل بكين تتورط بالدعم لإيران فى تراشقاتها مع إسرائيل.
على الجانب الآخر تجد تعاوناً اقتصادياً متعدداً بين روسيا وإسرائيل وفى نفس الوقت تستقبل قادة حماس.
التفسير.. هل وصلنا الى بعض التفسير؟
– يفسر البعض مثلا أن عدم انخراط روسيا بشكل مؤثر فى الحرب الإسرائيلية فى غزة ولبنان قد يرجع إلى أن الصراع فى الشرق الأوسط قد يساعد فى تحويل انتباه الغرب وموارده بعيداً عن أوكرانيا، حيث حققت القوات الروسية تقدماً متزايداً على خط المواجهة فى الأشهر الأخيرة.
وعلى الجانب الآخر ورغم احتياج روسيا إلى إيران أكثر من حاجتها إلى إسرائيل، إلا أنها تسعى إلى الحفاظ على العلاقات مع البلدين بسبب رفض إسرائيل حتى الآن تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية، رغم انتقادها للحرب بين موسكو وكييف وتحالف روسيا مع إيران.. وقد تخشى روسيا من إرسال إسرائيل أسلحة إلى أوكرانيا إذا وقفت بشكل أكبر إلى جانب إيران.
كذلك تعاون وثيق بين الصين وإسرائيل.. والأكثر من ذلك ان حجم الاحتياطى الصينى من الدولار الأمريكى يفوق الاحتياطى الأمريكي.
ولذلك يكون من السذاجة الآن طرح هذا السؤال: أين تقف روسيا والصين من الصراع بين إسرائيل وإيران؟.. من جهة، وأين تقف روسيا والصين من الصراع بين إسرائيل وحماس ولبنان.
روسيا أعلنتها صراحة تحالف المصلحة، مع التركيز على أوكرانيا، والتنين الصينى يختبئ فى الكهف حتى يحظى بقوة تمكنه من التهام الجميع !!
أعتقد وبهذا العرض البسيط ان التشابك فى المصالح والعلاقات الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية والصناعية يجعل من المستحيل الدخول فى صراعات عنيفة، أو الانضمام لطرف دون آخر لأن المصالح موزعة بين الجميع ولا عزاء لأصحاب الحقوق.