واجهت المؤسسة الدينية عقب ثورة ٣٠ يونيو تحديات فكرية مستعصية نتيجة انتشار أفكار التفجير والتكفير واستباحة الدماء والأموال .. لكن استطاعت المؤسسة الدينية تحقيق انتفاضة شاملة نجحت بها فى استعادة زمام القيادة الفكرية ونشر صحيح الدين الوسطى المعتدل .. ووقفت فى صف الوطن ضد الأعداء فى الداخل والخارج .. ومن جانبها دعمت الدولة المؤسسات الدينية بما يساعدها فى تحقيق أهدافها نشر مبادىء التعايش والتعاون على ما يحقق مصالح الأنسان والأوطان.
أوضح الدكتور ربيع الغفير الأستاذ بجامعة الأزهر أن ثورة 30 يونيو كانت «فاتحة خير» على الخطاب الديني، حيث انتقل ذلك الخطاب من العشوائية إلى التنظيم، وكما يقول العلماء فى «المِحَنِ مِنَحٌ» فبعدما قامت ثورة 30 يونيو وجدنا تحت الرماد نارا تلظى وزاد لهيبها أن التيارات المتشددة كانت لا تبخل فى إلقاء الحطب عليها وبين عشية وضحاها وجد العالم نفسه يستمع لخطاب دينى مليء بالعنف والإرهاب والاستقطاب والأحادية النظرية مما أذهب منطق تعددية الرأى أدراج الرياح، وقد نتج عن ذلك التحدى قيام الأزهر الشريف بدوره الفاعل فى تجديد الخطاب الدينى بصورة تتوافق مع الواقع والمستقبل.
مضيفا أن الأزهر تحمل عبئا شديدا بعدما وجد الواقع فى حالة متردية من خطاب مُلغَّم بأفكار العدوان والكراهية وبدأ الأزهر طريقه متحصنا بميراثه وتراثه الوسطى وعلمائه وطلابه، وقد ساعد الأزهر فى مشروعه الفكرى إيمان الدولة بضرورة تفكيك الخطاب المتطرف فكريا بجانب مواجهته أمنيا، وقد برز ذلك الاهتمام من جانب الدولة فى الخطابات المتعددة واللقاءات المتنوعة التى كان يؤكد فيها الرئيس السيسى ضرورة تنقية الخطاب الدينى وتجديده حتى يكون مسايرا للتطورات العصرية، وعاكسا لمنهجية الإسلام القائمة على الوسطية والاعتدال وعلى أثر ذلك قام الأزهر الشريف بعدة مبادرات تجديدية لتقديم خطاب دينى متوازن، أعقبها حركة نهوض بالوعى الديني، وبدأ الأزهر عملية «غربلة» المناهج الدراسية وتنقيتها من الشوائب الفكرية مستعينا بلجنة من كبار علمائه أشرف على رئاستها فضيلة الإمام الأكبر، واستحداث الأزهر الشريف مادة تسمى «الثقافة الإسلامية» يتم تدريسه للطلاب فى مرحلة التعليم قبل الجامعى بهدف إصلاح المفاهيم الملتبسة لدى كثير من الشباب والناشئة كالمواطنة وعلاقة الإسلام بالأخر وغيرها من القضايا، وإعادة النظر فى بعض مفردات المناهج الأزهرية الدراسية القديمة وتطويرها بما يتناسب مع معطيات العصر الحديث، كما قام الأزهر برصد الفتاوى الشاذة والأفكار المنحرفة وتحليلها وتفكيكها والرد عليها وتتبع الأفكار الهدامة والجماعات الضالة التى نشأت خلال السنوات الماضية كداعش وغيرها، وأنشأ الأزهر بيت العائلة المصرية بالتعاون مع الكنيسة المصرية لتقوية النسيج الوطنى بين طوائف الشعب المختلفة، وغير ذلك من الجهود البناءة فى مسيرة الخطاب الدينى المتوسط المعتدل الذى يسعى إلى النهوض بالوعى الجمعى لدى المواطنين، وتنظيم الظهور الإعلامى الذى تبنته الدولة لاحقا وقصر الفتوى على خريجى الأزهر الشريف درءا لفوضى الفتاوى التى عانى الناس منها عبر عقود متتابعة.
فيما أكد د.علاء جانب عميد كلية اللغة العربية بالقاهرة أن ثورة 30 يونيو جعلت الدولة المصرية فى مركز القوة وتلعب دورا سياسيا مهما بعدما أثبت المصريون حالة من الصمود فى المواقف ضد محالات الإخوان دغدغة مشاعرهم، وانتقلت المؤسسات الدينية إلى حالة من الإبداع والتوهج بعد الدعم المعنوى والمادى من الدولة بهدف مواجهة السيل الجارف من تيارات العنف والتطرف، وقد أبدع علماء المؤسسة الدينية فى الكشف عن مواهب فكرية وعلمية شبابية استطاعت تحقيق قفزات عالمية الخطاب الديني، مشددا أن معركتنا تراهن على الوعى فكل ما كان الشعب أكثر وعيا (بالماضى والحاضر والمستقبل) سنكون أكثر قوة.
بينما أشار الدكتور رمضان حسان عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بينين بالقاهرة أن ثورة 30 يونيو اعادت الخطاب الدينى المغتصب من جماعة الإخوان والتى استغلت الدين استغلالا سيئا وسخرته لخدمة مصالحها وأطماعها، مضيفا أن المؤسسات الدينية الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء استطاعت نشر صحيح الدين ومكافحة التطرف والإرهاب الذى تبنته جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية الاخرى التى ناصرتها، أن الثورة كان لها أثر كبير فى تجديد الخطاب الدينى ونشر سماحة الإسلام، واستقرار المجتمع ونشر الأمن والأمان، ونشر خطاب دينى يلائم العصر ويتصف بسماحة الإسلام ونشر وسطيته ويحارب أنواع التطرف الفكرى والديني، ويؤصل حب الأوطان باعتباره من صميم مقاصد الأديان.