جاءت الدورة الـ45 لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى بمثابة صرخة للعالم الصامت إزاء ما يحدث داخل الأراضى الفلسطينية وقطاع غزة التى تحولت إلى أنقاض ودمار، وقتل ودماء وجثث وضحايا ومصابين تخطوا المائة ألف بين جثث لشهداء أطفال ونساء وشباب وعجائز، لا فرق بين أحدهم، إلى جانب من فقدوا أطرافهم، حيث كانت شاشات المهرجان بمثابة شهادة للعالم أجمع على ما يحدث لأبنائنا وإخوتنا، حتى ان ضيوف المهرجان لم يتمالكوا أنفسهم من مشاهد العنف والدماء الذى يستمر بصفة يومية.
عرض مهرجان القاهرة السينمائى برئاسة الفنان حسين فهمى عدداً كبيراً من الأفلام السينمائية الفلسطينية ما بين روائية وتسجيلية ووثائقية لم يحدث فى تاريخ المهرجان على مدى دوراته الماضية، مما يجعلنا نطلق عليها «دورة فلسطين» تأكيداً لتضامن المهرجان المصرى لفلسطين، وكانت البداية من خلال حفل الافتتاح عندما فوجئ الجمهور بفرقة فلسطينية قادمة من غزة تقدم تابلوهات بلادها التراثية مرتدين الشال الفلسطينى الشهير والذى تحول لشعار الصمود، كما أن تلك الفرقة الفلسطينية هى نفس الفرقة التى شاركت فى حفل الختام مما يؤكد رسالة المهرجان من أن دورة هذا العام هى دورة فلسطين، كما عرض فيلم الافتتاح للمخرج الفلسطينى رشيد مشهراوى «أحلام عابرة» وبالرغم من أنه لم يتناول الأحداث الجارية فى فلسطين إلا أنه ألقى الضوء على ما يحدث من معاناة فى التعامل اليومى مع جنود الاحتلال الذين يضعون العراقيل فى تنقلات أبناء فلسطين من مدينة أو قرية لأخرى.
لم يكتف مشهراوى بذلك بل تمكن من أن يجمع مجموعة من الأفلام القصيرة لـ22 مخرجاً فلسطينياً من أبناء غزة قدموا للعالم شهادتهم من خلال رؤية سينمائية عن الحياة اليومية من واقع حال سكان غزة منذ هجمات 7 أكتوبر من العام الماضى 2023، وأطلق عليها عنوان: «من المسافة صفر» حيث إن تلك الأفلام هى تسجيل حى لما يحدث من عدوان وحشى، تم تصويرها وقت كل حدث من اطلاق النيران والقذائف على السكان العزل، وهناك بعض من قاموا بتصويرها استشهدوا ولكنهم تركوا بصماتهم، إلى جانب أفلام أخرى فى قسم «أضواء على السينما الفلسطينية»، بل هناك أفلام نالت جوائز مثل الفيلم الوثائقى «حالة عشق» الذى نال جائزة أحسن فيلم عربى.
من الأفلام التى لفتت الأنظار الفيلم المغربى «أنا مش أنا» فهوا أول فيلم مغربى فى تاريخ المهرجان تتم دبلجته باللهجة المصرية، ليتحطى بذلك أزمة اللهجة المغربية التى لا يستطيع المشاهد المصرى استيعاب كلماتها ومعانيها لصعوبة النطق بها، والمفارقة أن التجربة نجحت مع الجمهور المصرى الذى تفاعل مع الأحداث الكوميدية والأفيهات حتى إن الفيلم بدأ يعرض فى دور العرض المصرية، كما أن القائمين عليه قرروا عرض الفيلم فى المهرجانات العربية بعد عرضه العالمى الأول فى مهرجان القاهرة، وهو بمثابة تأكيد أن اللهجة المصرية هى الأفضل والأسهل انتشاراً بين الدول العربية.